تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

فقه وداع رمضان

ما أسرع الأيام والليالى المباركة فقد مرت علينا مر الطيف العابر، فكأن رمضان كان بالأمس القريب.

 

لكن الواقع أن أغلب أيامه المباركة قد انصرمت وغالب لياليه المنيرة قد ودعت وها هى نفحاته وأنواره توشك على الرحيل ، وها هى همم العابدين تعلو وعزيمة المجتهدين تشتد من أجل تدارك ما فات وإدراك ما بقي، فهذه هى العشر الأخيرة المباركة قد أوشكت على الانتهاء، وهى عشر الفراق والوداع التى تسيطر على مشاعر المحبين ووجدانهم، لذلك يكثر اجتهادهم فيها والتضلع من العبادة والدعاء والذكر وقراءة القرآن الكريم، ونحن نودع رمضان نزيد من الاجتهاد والعمل اقتداء بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى الإمام مسلم عن عائشة رضى الله عنها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد فى العشر الأواخر ما لا يجتهد فى غيره) وروى عنها أيضا (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجَدَّ وشدَّ المئزر).

وهذه العشر المباركة هى أرجى ليالى رمضان فى التماس ليلة القدر المباركة وهى ليلة خير من ألف شهر وطلب ليلتها على اختلاف الروايات فى أنها فى ليالى العشر كلها أو فى الوتر منها أو فى ليلة السابع والعشرين كما رجحه كثير من العلماء لكن اختلاف الروايات فى تعيين ليلة القدر يعنى أن المؤمن لا يقطع أمله فى إدراكها والفوز بنعيمها وتحصيل خيراتها حتى ينصرم رمضان وهذه الليلة المباركة يُستحب تحريها فى العشر الأواخر من رمضان، فقد ثبت فى "الصحيحين" أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (التمسوها فى العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر فى تاسعة تبقى، فى سابعة تبقى، فى خامسة تبقى)

وهذا التعدد كما ذكرنا فيه رجاء كبير لمن فاتته ليلة أن يجتهد فى غيرها وهو على كل حال فائز بالثواب العظيم والأجر الكبير وفضل الله تعالى أوسع من رجائنا وأرجى من أعمالنا.

وينبغى ألا يقتصر حظ المسلم من العبادة وقراءة القرآن الكريم والإخبات والإنابة إلى الله تعالى على ليالى شهر رمضان فقط إنما هى زاد ومعين وفترة مجاهدة كى ننهض بهممنا ونشد من عزمنا ليستديم العمل الصالح والطاعة والصدقة والتكافل الاجتماعى والتمسك بمكارم الأخلاق وحسن المعاملة، ولو ودعنا رمضان وودعنا معه العبادة والعمل الصالح والإقبال على الله تعالى فأى شيء استفدنا من رمضان، وإن غاية العبادات كلها سواء أكانت صلاة أو صياما أو حجا ليست تحصيل التقوى فى المساحة الزمنية التى حددت بها العبادة سواء أكانت قصيرة كالصلاة أو متوسطة كالحج أو كبيرة كالصيام، بل المقصد الأعلى أن نستديم هذه الحالة من الحضور مع الله تعالى واستحضار عظمته والاستعداد لتلقى أنواره والتعرض لإشراقات نفحاته التى تنزل على القلب المؤمن فتنعكس أعمالا صالحة ومعاملة طيبة وخلقا رفيعا فى سائر أنحاء الحياة ومع جميع الناس.

هذه هى ثمرات العبادات فى الإسلام وليتنا جميعا ندرك هذا المعنى لكى نستديم حالة الروحانية والرقى الذى تثمره العبادة ولا تكون حالة مؤقتة تنتهى بعد مدة معينة ...

إن وداع رمضان الحقيقى أن نعاهد الله تعالى على أن نكون متمسكين بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشيمه وأخلاقه وأن نجتهد فى أعمالنا الظاهرة والباطنة.

إن وداع رمضان يكون بأن نسعى بالجد والعمل والاجتهاد فى التعليم والعمل والبناء واستعادة المكانة الحضارية والعالمية لوطننا مصر فالبناء والتنمية والتعمير لون رفيع من ألوان العبادة والتقرب إلى الله تعالى . وفى ديننا الحنيف ليست عندنا ازدواجية أو تعارض بين أعمال الدنيا والدين فكل عمل فيه نفع للناس وصلاح للبشرية هو عبادة وعمل صالح سواء أكان من الشعائر أو غيرها ، ينبغى أن نودع رمضان بمفاهيم جديدة تصلح لنا أوجه الحياة وتربط الدين بالدنيا والظاهر بالباطن برباط وثيق نريد أن نودع رمضان وقد ازددنا علما ووعيا وفهما فإن قضية الوعى وقضية تصحيح المفاهيم حول وظيفة الدين ودور العبادة فى إصلاح النفس والمجتمع تحتاج منا إلى وقفة جادة فإن انسياق بعض الناس خلف مفاهيم خاطئة عن التدين والعبادة جعل العبادة تفقد معناها وأوقع الناس والمجتمع فى حالة من التخبط والإرباك والاستسلام للشائعات التى تروجها الجماعات المتطرفة إن أعظم فائدة من ثمرات شهر رمضان هو الوعى الصحيح بدور الدين فى حياة الأمة وبأن دور الدين إنما هو الإصلاح وبث الخير فكل نموذج دينى يؤدى إلى غير ذلك فإنه ليس من الإسلام فى شيء نستودعك الله يا رمضان ونعاهد الله تعالى فى أيامك الأخيرة إن كتب الله لنا الفسحة فى الأجل أن نلقاك وفى أرواحنا وقلوبنا بقية من أنوارك وأثر من أسرارك.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية