تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
دار الإفتاء المصرية ورؤية مصر 2030 «١»
خلق الله تعالى الإنسانَ وسخَّر له كل ما فى الكون، وفضَّله على كل المخلوقات، وبهذا جاء النص القرآني؛ حيث قال تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا»، وهذا التكريم الإلهى للإنسان يشمل البشر كافةً دون استثناءٍ؛ بغض النظر عن معتقداتهم وألوانهم وأجناسهم، كما يشملهم أحياءً وأمواتًا.
ومن مظاهر هذا التكريم الإلهى التمكين للإنسان فى الأرض؛ قال تعالى: «وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِى الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ»، فالذى يُفهم من الآية الكريمة أن الله تعالى سخَّر للإنسان كل القوى المادية داخل الأرض وخارجها، كما أنَّ لفظ «التسخير» الذى ورد مرارًا فى القرآن الكريم يفيد معنيين فى آن واحدٍ: الأول: التذليل وجعل الأرض تستجيب لتأثير الإنسان الذى ألهمه الله كيفية التأثير فيها، والثاني: النفع والإفادة منها. وإنما كان هذا التمكين حتى تتم المهمة التى خُلق الإنسان من أجلها على أكمل وجه، وهى استعمار الأرض وفق المنهج الإلهي، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم فى قوله عز وجل: «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا»، ولتحقيق هذه المهمة خلق الله تعالى للإنسان عقلًا وأنزل كتبًا، وسنَّ شرائع لتنتظم حياة الإنسان وفقًا لها.
ومن أجل تكريم الإنسان والتمكين له بُنيت الشريعة الإسلامية على تحقيق الخير للإنسان وجلب مصالحه ودرء المفاسد عنه، وفى ذلك يقول الإمام العز بن عبد السلام: إن الشريعة كلها مصالح: إما درء مفاسد وإما جلب مصالح، وهو ما قرره الشاطبى عندما استقرأ تكاليف الشريعة وخلص إلى أن الشريعة إنما جاءت لجلب المصالح للخلق ودرء المفاسد عنهم فى العاجل والآجل.
وفى هذا الإطار استهدفت الشريعة من كل أحكامها المحافظة على ما تقوم به حياة الإنسان من حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال، وقد تضافرت الأدلة الشرعية على ذلك.
وكذلك كان للشريعة الغرَّاء فضل السبق على كل الاتفاقيات الدولية التى تناولت حقوق الإنسان، فقد أصَّلت تلك الحقوق علاوةً على أنَّ ما أقرته تلك الاتفاقيات الدولية من حقوق الإنسان لا يمثل إلا جزءًا يسيرًا مما أقرَّه الإسلام ومنحه من حقوق للإنسان.
ومن واقع فَهم مهمة الإنسان فى الأرض، وفى إطار أن أولَى ما يهتم به الإنسان هو عمران وطنه ونهضته لتحقيق مقاصد الشريعة فى الخلق؛ تبنَّت مصرُ رؤيتها 2030، تلك الأجندة الوطنية التى أُطلقت فى فبراير 2016 لتعكس الخطة الاستراتيجية طويلة المدى للدولة لتحقيق مبادئ وأهداف التنمية المستدامة فى كل المجالات، وتوطينها بأجهزة الدولة المصرية المختلفة.
وتستند هذه الرؤية على مبادئ التنمية المستدامة الشاملة والتنمية الإقليمية المتوازنة، وتعكس هذه الرؤية الأبعاد الثلاثة: البعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي، والبعد البيئي. كما تركز هذه الرؤية على الارتقاء بجودة حياة المواطن المصرى وتحسين مستوى معيشته فى مختلف نواحى الحياة، وذلك من خلال تأكيد ترسيخ مبادئ العدالة والاندماج الاجتماعى ومشاركة جميع المواطنين فى الحياة السياسية والاجتماعية. يأتى ذلك جنبًا إلى جنب مع تحقيق نمو اقتصادى مرتفع، احتوائى ومستدام وتعزيز الاستثمار فى البشر وبناء قدراتهم الإبداعية من خلال الحث على زيادة المعرفة والابتكار والبحث العلمى فى كل المجالات. وكذلك تعطى هذه الرؤية أهميةً لمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية من خلال وجود نظام بيئى متكامل ومستدام يعزز المرونة والقدرة على مواجهة المخاطر الطبيعية.
كما تركز هذه الرؤية أيضًا على حوكمة مؤسسات الدولة والمجتمع من خلال الإصلاح الإدارى وترسيخ الشفافية، ودعم نظم المتابعة والتقييم وتمكين الإدارات المحلية. وتأتى كل هذه الأهداف المرجوة فى إطار ضمان السلام والأمن المصرى وتعزيز الريادة المصرية إقليميًا ودوليًا. وإننا على يقين تام من أن العملية التنموية الحقيقية الشاملة لا يمكن أن تتحقق إلا إذا كان محور تلك التنمية هو الإنسان نفسه، فلا بد أن تستهدف ذلك الإنسان وكل ما يتعلق به دينيًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، ولعلَّ ذلك هو ما جعل من التنمية المستدامة اليوم الهمَّ الأكبر والحاضر الأبرز على موائد التخطيط الاستراتيجى للدول والحكومات.
وإن دار الإفتاء المصرية لتدعم هذه الرؤية الوطنية الشاملة التى تتوخى بناء الإنسان ونهضة الدولة علميًّا وحضاريًّا واقتصاديًّا، وذلك قيامًا من دار الإفتاء بدورها الوطنى فى تبنى جميع الإجراءات والسياسات التى تستهدف ما فيه الخير للوطن والأفراد الذين يعيشون تحت مظلته، وانطلاقًا من موافقة هذه الرؤية لمبادئ الشريعة الإسلامية التى تتفق مع أهدافها. إننا لنؤكد أنَّ للفتوى دَوْرها البارز ومشاركتها الفعالة فى جميع القضايا التى تخص الإنسان؛ ومن هنا كان لها جانبٌ كبيرٌ من التأثير الإيجابى فى تحقيق التنمية والعمران بما يحقق فى النهاية الغاية الرئيسية لها وهى رفاهية الإنسان أينما كان.
وسنستعرض من خلال المقالات القادمة أهم ما تقدمه الفتوى ودار الإفتاء المصرية لدعم نهضة الوطن وتنميته اتساقًا مع رؤية مصر 2030؛ باعتبار أن مؤدَّى هذه الرؤية لا يختلف عن مقاصد الشريعة الإسلامية التى تُمثِّل الإطار الحاكم للفتوى الصحيحة المنضبطة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية