تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د.شوقى علام > الفتوى وبناء الوعى تجاه التحديات الإنسانية المشتركة «1»

الفتوى وبناء الوعى تجاه التحديات الإنسانية المشتركة «1»

الوعى هو أصل كل معرفة يمكن للإنسان تحصيلها، فالإنسان لا يدرك ذاته ولا شيئًا مما يحيط به إلا من خلال وعيه، ولذلك فإن كل محاولة لتصحيح الفكر ورسم مسارات معتدلة له لابد وأن تكون عن طريق بناء الوعى وتشكيله.

وقد أسفر ما يمر به العالم الآن من أحداث عن مجموعة كبيرة من التحديات التى تجاوزت فئةً أو أمةً بعينها، وأصبحت تحديات إنسانية مشتركة، يُعنى بتجاوزها مجتمع البشر عمومًا، وإزاء تلك التحديات الضخمة كان لابد أن يكون هناك وعى يناسب حجم تلك التحديات الكبرى، وأن يكون ذلك الوعى متكاملًا بحيث يحيط بكل القضايا والمشكلات ويتعاطى معها بطريقة فعالة.

وإننا ونحن نحاول أن نبنى وعيًا متكاملًا يجب أن نعلم أن بناء ذلك الوعى يتم من خلال مسارات محددة؛ أولها: التعليم، فإن الله سبحانه وتعالى لما أراد أن يهبط بآدم إلى الأرض لتبدأ رحلة البشر عليها، كان أول ما فعله أنه بدأ فى تعليمه فقال سبحانه: «وعلَّم آدم الأسماء كلها»، وفى ذلك إشارة إلى أن ذلك الطريق الذى أراد الله بنا أن نسلكه فى الحياة الدنيا لا سبيل له إلا بالعلم والتعلم، فذلك الإنسان الذى سخَّر الله له الكون بفضائه وأرضه وكائناته جميعًا يحتاج إلى العلم وإلى التعلم ليمهد الإنسان طريقه على هذه الأرض، ويحصل منها خير الدنيا وخير الآخرة معًا.

إن التعليم هو الركيزة الأساسية لتشكيل الوعى لدى أى مجتمع، فمن خلال الاهتمام بإستراتيجيات التعليم والارتقاء بجودته ومعاييره يمكن لنا أن نضمن مستوى راقيًا من الوعي، نستطيع من خلاله مواجهة تلك التحديات المتزايدة.

أما المسار الثانى فهو الجانب الإعلامي؛ فالإعلام اليوم أصبح يمثل محورًا لعلاقة شديدة التشابك بين الاجتماع الإنسانى وقيم ذلك الاجتماع ورأيه العام، فالإعلام هو أبرز المسئولين عن منظومة القيم السائدة فى أى مجتمع؛ وذلك من جهتين: الجهة الأولى دعم وتغذية القيم الإيجابية، والجهة الثانية: التصدى للقيم السلبية، ومن ثم تغيير السلوكيات المرفوضة من الأفراد والجماعات، كل ذلك فى إطار رفع الوعى والإدراك.

إن الأداة الإعلامية للأشرار والمتأمرين استعملت فى الكثير من الأحيان لتزييف وعى الرأى العام وتوجيهه فى اتجاهات خاطئة، ولذلك كان الإعلام هو السلاح الأشد فتكًا الذى عُوِّل عليه فى حروب الجيل الرابع بدلًا عن الذخيرة، ولذلك فقد نهى الشرع عن التضليل والكذب وترويج الشائعات وكل ما من شأنه أن يهدم الاستقرار ويزعزع الأمن، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الصدق يهدى إلى البر، وإن البر يهدى إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقًا، وإن الكذب يهدى إلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا».

أما المسار الثالث من مسارات بناء الوعى فهو الجانب الثقافي، والاهتمام بالمفاهيم السائدة فى المجتمع ومحاولة تصحيحها، وبناء نسق معرفى عصرى يستند فى أصوله على تراثنا الدينى والأخلاقى وقيمنا التاريخية.

فالفهم لقضايا المناخ وتغيره ومدى أهمية الصلاح البيئى للمجتمع البشرى من القضايا التى تتضمنها عملية الإصلاح الثقافى فى إطار بناء وعى متكامل، وكذا جملة القضايا الاجتماعية المهمة كقضايا تنظيم النسل؛ لاسيما فى مجتمعاتنا الشرقية، وقضايا التمييز والاهتمام بالطفل وتمكين المرأة والشباب، والتعامل مع ظواهر السيولة الأخلاقية، ونحو ذلك من القضايا يجب أن يُصرَف لها اهتمام مناسب لتصحيح كل ما يتعلق بتلك المفاهيم، وهو ما سوف ينعكس بطبيعة الحال على الوعى الجمعى لدى مجتمعنا.

هذا بالإضافة لجملة التحديات الاقتصادية الكبيرة التى نحتاج لتجاوزها تصحيح العديد من المفاهيم وإرساء لثقافة المصالح والمفاسد وإدراك الواقع ومتغيراته وتحقيق المصالح الوطنية، ونحو ذلك.

لقد أدركت الدولة المصرية أن معركتنا الفاصلة فى السنوات المقبلة هى معركة «بناء الوعي»، ولذلك لم يكن غريبًا أن نجد سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى يتكلم فى أغلب المناسبات عن قضية بناء الوعى وصناعته وأهميتها وآلياتها وأهم أدواتها، وهو ما انعكس فى الحقيقة على مستوى الوعى الجمعى فى مجتمعنا فى الفترات الأخيرة، نعم نحن نحتاج لمضاعفة الجهود للتكريس لمبادئ ذلك الوعى ومنطلقاته بشكل أكثر فاعلية وتأثيرًا، إلا أننا فى الجملة بدأنا نلحظ تغيرًا ملموسًا لا سيما فى الوعى لدى شريحة الشباب تجاه القضايا والتحديات المعاصرة، وهو ما يعد نجاحًا فى هذا الصدد؛ لأن الشباب هم الفئة الأكثر استهدافًا فى الخطط التنموية والاستراتيجيات المستقبلية، وهم الفئة الأكثر أهمية فى عملية بناء الوعي، لكونهم الوقود المحرك لعملية البناء الحضارى بوجه عام.

إن التحديات التى خلَّفتها النزاعات المستمرة والأوبئة والكوارث الطبيعية والتغيرات البيئية والانحرافات الفكرية تمثل عقبة كبيرة لاستمرار البناء والتفاعل الحضارى بين الأمم، وإن السبيل الوحيد لتجاوز تلك التحديات بناءُ وعيٍ يدرك حجم تلك التحديات بدايةً، ثم يدرك حجم الواجب الملقى عليه لتجاوز تلك التحديات، وفى النهاية خطورة العجز عن تجاوز تلك التحديات وآثارها على المجتمع البشري.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية