تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د.شوقى علام > الفتوى والتحديات المعاصرة.. إدارة الموارد البشرية

الفتوى والتحديات المعاصرة.. إدارة الموارد البشرية

اختار الله سبحانه وتعالى الإنسان لخلافته فى الأرض، فقال لملائكته: «إنى جاعل فى الأرض خليفة»، وقال سبحانه: «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها»، ولتكون تلك الخلافة كاملة سخَّر الله تعالى كل ما فى الكون لخدمة الإنسان، فقال: «وسخر لكم ما فى السماوات وما فى الأرض»، كل ذلك من أجل القيام بمقتضى تلك الخلافة على الوجه الذى أراده الله سبحانه وتعالى من الإنسان.

 

إن تلك المكانة التى خصَّ الله تعالى بها الإنسان عن سائر خلقه، نفهم من خلالها أن الإنسان هو أهم العناصر فى أى منتج حضاري، وأن بناء ذلك الإنسان ومن ثم استغلال مواهبه وقدراته الاستغلال الأمثل هو العملية الأهم على الإطلاق.

إننا ونحن نتصفح تاريخ الحضارات لا تخطئ أعيننا تلك الخطوة المهمة فى قيام وازدهار أى حضارة، وهى الاهتمام بالعنصر البشرى وتنميته وإدارته بالشكل الأمثل، وعلى العكس تمامًا، فإننا نرى ملازمة تامة بين الانهيار الحضارى والتأخر وإهمال العنصر البشرى وتراجعه، فكلما مثَّل العنصر البشرى مصدر ضعف علمنا أن هناك سوء استغلال لذلك العنصر، وكلما كان العنصر البشرى يمثل مصدر قوة كان ذلك مؤشرًا على حسن إدارة ذلك المورد.

وانطلاقًا من تلك الرؤية والأهمية يجدر بنا أن نولى عملية استغلال الموارد البشرية أقصى اهتمام، وأن تجد تلك العملية مكانها فى جميع خطط وإستراتيجيات التنمية كما نرى الآن فى جمهوريتنا الجديدة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا وفق مجموعة من الضوابط التى تعد منطلقات لعملية الاستغلال الأمثل للموارد البشرية، وأبرز تلك الضوابط: الاختيار المناسب؛ فإن استغلال المورد البشرى بشكل منتج يجب أن يتم فى ضوء عملية من الاختيار والانتقاء المناسب لنوع العمل أو الدور الذى يؤديه الفرد، ولهذا الضابط عناية كبيرة فى الشريعة الإسلامية؛ فالعمل يعد أمانة، وكل إنسان مؤتمن على ما يُسند إليه من عمل، ولذلك بيَّن صلى الله عليه وسلم فى أحاديث كثيرة أن تولية أو تكليف فردٍ ما بعمل لا يصلح له هو من تضييع الأمانة؛ لأن ذلك الشخص لن يستطيع أن يقوم بمقتضيات وظيفته على النحو الأمثل، وهو ما يؤدى إلى خلل فى عمله أو وظيفته، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أن أبا ذر الغفارى رضى الله عنه جاءه يطلب منه أن يُسند إليه عملًا إداريًّا، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يرى أنه لا يملك إمكانيات ذلك العمل ولا الحزم والقوة المطلوبة فى القيادة، فقال له صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزى وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدَّى الذى عليه فيها». فالاستغلال الأفضل للمورد البشرى يكون ابتداءً بوضع كل فرد فى مكانه الذى يمكن له أن يجيد فيه.

وثانى هذه الضوابط: العدالة؛ فهى من القيم التى يعتدل بها ميزان أى عمل، فكل عمل تخللته عدالة يجب أن يثمر فى النهاية نتائج طيبة، ولذلك فإن إدارة المورد البشرى يجب أن تتم بعدالة تامة لضمان استغلال المورد البشرى استغلالًا تامًّا، فوضع معايير غير الكفاءة وفق الدراسات والأبحاث المحددة لعناصر الكفاءة من شأنه أن يضيع الجهود، وهى بيئة لا تصلح للعمل بكل حال، وهو ما ينتج عنه فى النهاية ضياع لأبرز عناصر منظومة الإنتاج والتنمية.

وقد دعا الله سبحانه وتعالى إلى اعتماد ذلك المبدأ ولو مع وجود عوائق فى العلاقات الودية، فقال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى».

وثالث هذه الضوابط: التطوير المستمر؛ فإن تأهيل الفرد وتطوير قدراته أمر لازم لمواكبة المتغيرات والتطورات المستمرة، فلا مطمع فى استطاعة الفرد على الإنتاج والبناء فى ظل قدرات جامدة عند حدٍّ معين، بل يجب أن ينظر فى إمكانياته باستمرار فى مقابلة بيئته المحيطة ومتغيراتها، وأن يسعى لامتلاك الأدوات التى تمكنه من الصمود والفاعلية فى بيئته المعاصرة.

وعملية التأهيل والتطوير للفرد عملية منظمة تتم فى أطر محددة ومرتبة، بمثابة القواعد التى يشيَّد عليها، وكلما كانت تلك الأطر أكثر تحديدًا ووضوحًا حقَّقت عملية بناء القدرات والتطوير غايتها، وهو ما يؤدى بطبيعة الحال إلى تنظيم العمل وحسن استغلال المورد، وهى الغاية التى تطمح إليها نظم الإدارة.

ومن ثم فعلى كافة مؤسساتنا أن تضع إستراتيجيات محكمة لتطوير العنصر البشرى وإدارته بشكل منتج، ويندرج فى ذلك المؤسسات الإفتائية التى يمكن أن تستفيد من المورد البشرى لتطوير أدائها بشكل عام، مما يعود على تطور الصنعة الإفتائية وقدرتها على المساهمة فى حل كافة القضايا والمشكلات التى تواجهها مجتمعاتها.

وقد طبَّقت دار الإفتاء المصرية -اتباعًا للتطوُّر الحاصل فى مصرَ بقيادة فخامة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي- المعاييرَ العلميةَ فى استغلال المورد البشري، وانعكس ذلك على التنظيم الإدارى الذى شهدته الدار فى السنوات الأخيرة، من حيث تعدد الإدارات والاعتماد على الكوادر المناسبة والكفاءات العالية، وقد أثمر ذلك حضورًا كبيرًا للدار ليس على صعيد الفتوى فقط، بل على صعيد البحث العلمى والمشاركة المجتمعية فى كافة القضايا التى تهم المجتمع، وذلك بفضل حسن استغلال المورد البشرى على نحو يحقق الغايات العملية ويلبى الطموح المهني.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية