تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الأبعاد الحضارية لفريضة الصيام
وقد ينظر بعضنا إلى الفروض والعبادات والشعائر باعتبارها تكاليف لها شروط وأركان لابد أن نستوفيها حتى تقع شعائرنا صحيحة مجزئة من الناحية الفقهية وهذا أمر حسن بلا شك، ولكن لا ينبغى لنا أبدا أن نقف عند هذا الحد الظاهر الذى قد تسقط به المطالبة التكليفية لكنه لا يرتقى بنا إلى الغايات والمقاصد الروحية ومن ورائها الأبعاد والآثار الحضارية للعبادة خاصة إذا كانت تلك العبادة هى الصيام، لأن الصيام عبادة روحية خالصة غايته التحقق بتقوى الله تعالى والسمو بالنفس والروح عن الدنايا والسفاسف وكل ما يستهلك طاقة الإنسان ونفسه فى حضيض من الشهوات والملذات الفانية، قال الله تعالى: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».
وفى الحقيقة إن التقوى والحضارة بمعناها الروحى وبمعناها الصحيح صنوان لا يفترقان، فالحضارة تؤسس على العلم والعمل والإتقان والجدية وكلها معان ملازمة للتقوى فالذى يتحقق بتقوى الله تعالى فى السر والعلن سوف يحترم النظام العام للدولة ويحترم القوانين والنظم الإدارية فمهما صام الإنسان وصلى وتمتم بقراءة الأوراد والأذكار دون أن يؤثر ذلك إيجابا فى احترام وطنه واحترام النظام العام والقوانين واللوائح فلا شك أن هناك خللا ما فى فهمه لمعنى العبادة ومقاصدها.
فالعبادة وبخاصة الصيام ليس من آثارها الفوضى ولا الإهمال وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يلاحظ مدى سريان أثر العبادة على سلوك الإنسان وأخلاقه فقد وجد رجلا يعبث بلحيته فى الصلاة فقال: (لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه) وإذا سحبنا هذه القاعدة النبوية الشريفة على سائر تصرفاتنا فى الحياة ولا حظنا إلى أى درجة يتطابق التزامنا بشعائرنا مع ما يجب أن تحققه من مقاصد وآثار فى حياتنا، فإننا لا شك سوف ندرك أننا نحتاج لمراجعة فى مدى فهمنا للأبعاد الحضارية للعبادة والشعائر فإن القيام الأمثل بالعبادة ظاهرا وباطنا سوف ينعكس على جودة التعليم مع المعلم وجودة إتقان الصنعة مع الصانع وحسن أداء الموظف فى خدمة الناس والتيسير عليهم سوف ينعكس على معاملة الطبيب لمرضاه رحمة ورأفة سوف ينعكس زيادة الإنتاج سوف ينعكس على أنماط استهلاكنا وعلى الاقتصاد وعدم الإسراف فى النفقات وهكذا.
ولو راعى الإنسان الأبعاد الروحية والحضارية للصيام لن نجد تكاسلا فى أداء الأعمال بل لوجدنا زيادة كبيرة فى الإنتاج فى رمضان، لأن رمضان شهر الجهاد والعمل ، إننا نشكو من ظاهرة عجيبة وبعيدة كل البعد عن المعنى الحقيقى لصيام رمضان ألا وهى التكاسل والعزوف عن العمل وقلة الإنتاج وزيادة الاستهلاك وبخاصة من السلع الغذائية والتموينية فكيف يتناسب هذا مع شهر يسمو الإنسان فيه بروحه ويقلل من إقباله على شهوتى البطن والفرج ويسمو بنفسه فى معارج العبادة والتقوى ويجعل من رمضان فرصة لاستعادة ما تهدم من نفسه وروحه كى يستكمل المسير إلى الله تعالى، إن فهمنا لحقيقة العبادات سوف يوقفنا على التحقق بالمعنى الحضارى الذى تتغياه هذه العبادة ومعظم الجدال الدائر بين المتشددين دينيا السطحيين فى فهم الدين وبين الذى يرون الدين قيدا يعوق التقدم والازدهار ويمنع من التفكير والإبداع كلاهما لا يدرك من الدين إلا المعنى السطحى له ، من هنا ندرك أن من تعظيم شعيرة الصيام المباركة الإقبال على العمل والنشاط وترك الكسل.
وأيضا فإن من الأبعاد الحضارية لفريضة الصيام المسامحة والتصالح والتواصل وإدراك أن كثيرا من النزاعات والخلافات التى تستهلك طاقاتنا وتأخذ من أرواحنا وقلوبنا هى أمور لا قيمة لها فى الحقيقة فلنجعل من رمضان فرصة للتعايش السلمى الحضارى مع جميع فئات البشر فلا رفث ولا جدال ولا نزاع ولا خوض فيما لا ينفع ولا يجدى لنجعل من رمضان فرصة حضارية لتحقيق معنى المساواة الحقيقية بين الغنى والفقير وأنه لا تفاضل بين الناس بناء على المستوى المادى أو الوظيفى إنما التفاضل بما يتحقق به الإنسان من تقوى الله تعالى والعمل النافع الصالح.
فمن الأبعاد الحضارية للصيام الشعور بالغير فقيرا كان أو مريضا فرمضان فرصة عظيمة للتكافل الاجتماعى والتكافل فرصة عظيمة لتذويب الفوارق الاجتماعية وتحقيق مبدأ التراحم والتواصل بين جميع فئات المجتمع، وبالتحقق بالمعنى الروحى والحضارى للصيام وهى التقوى سوف تختفى مظاهر سلبية كثيرة نعانى منها فى حياتنا وهذا بلا شك لا ينطبق على الصيام وحده وإنما لكل عبادة من العبادات غايتها الروحية وآثارها الحضارية فليس هناك منتج للحضارة إلا الإنسان وإذا كانت غاية الإنسان ونهايته المادة فإنه لن ينتج إلا حضارة مادية قاسية مازالت الإنسانية تعانى شدتها وقسوتها وإذا كان الإنسان ساميا متحققا بمعانى عبادة الله تعالى مدركا لطبيعة وجوده فى الحياة فإنه لن ينتج إلا حضارة نافعة تعمل على إسعاد البشرية وتحقيق الخير للإنسان.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية