تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
أزمة السيولة الأخلاقية
أصبح مصطلح «أزمة الأخلاق» من المصطلحات التى تتردد وتطرق أسماعنا كل يوم تقريبًا؛ سواء من معلم أو داعية أو غيرهما، فالكل صار يشعر بطريقة أو بأخرى، ولو بشكل متفاوت بأن هناك "أزمة أخلاقية".
ولا شك أن تلك الأزمة حقيقة واقعة، وأننا فى مجتمعاتنا الإسلامية نشعر بأن وتيرتها تتصاعد بمرور الأيام، ولا ننفك نطرح على أنفسنا سؤالًا يزداد إلحاحًا كل يوم: كيف ندعم منظومتنا الأخلاقية؟ أو كيف ننتصر لِقِيَمنا وأخلاقنا؟
إن أزمة السيولة الأخلاقية التى نعانيها اليوم تضرب فى الأصل شخصية الفرد، بحيث تجعله متماهيًا مع كل ما حوله دون معيار واضح يمكن أن نتنبأ بناءً عليه بسلوكه أو بِرَدَّة فعله تجاه المتغيرات المحيطة، فتلك الشخصية لا تنطلق من أسس ومرتكزات متينة، بل هى سريعة التأثر بكل ما حولها، وهو ما يفسر التناقض الذى نراه فى مواقف العديد من الأشخاص، فتارة نشعر بأنه تصرَّف بدافع أخلاقى فى موقف ما، وتارة نرى أنه تجرد من تلك الدوافع، وذلك يرجع فى الحقيقة إلى أنه لا يلتزم ببناء أخلاقى متكامل يحكم تصرفاته وسلوكه.
وهذا هو ما يزيد من صعوبة مواجهة تلك الأزمة، لأننا نحتاج إلى إرساء البناء الأخلاقى بشكل قوى فى وجدان الشباب، ونطمئن على استقرار قيمنا وتمكنها فيهم، وهو ما يضمن لنا حمايتهم من تلك السيولة. وهنا نجد أننا بما نملكه من منظومة أخلاقية متكاملة تنبع من الشرع أوفر حظًّا من غيرنا من الأمم فى مواجهة تلك الإشكالية، وذلك لمجموعة من الأمور والمقومات:
أولًا: أن البناء الأخلاقى فى شريعتنا هو بناء ربانى، يمكن لنا أن نرجع فى كل قيمة فيه إلى أساسها الشرعى ونصها الإلهى، وهو ما يجعلها منظومة أكثر ثباتًا، سواء من جهة صمودها فى وجه التحديات الأخلاقية المتتالية، والانفتاح حول كافة الثقافات، أو من حيث ثباتها واستقرارها فى نفوس أبناء مجتمعاتنا وشبابنا.
ثانيًا: أن المصدر الإلهى لقيمنا الأخلاقية يجعلها أكثر قدرة على الإجابة على كافة التساؤلات الأخلاقية، وإعطاء تفسير لكل ما يمكن أن نراه من مدلولات متضاربة حول المفاهيم الأخلاقية السائدة الآن، فعلى سبيل المثال تعد قيمة الحرية من أكثر القيم التى اضطربت محدداتها، وأصبحت تنطوى على مجموعة كبيرة من التعقيدات، من جهة مدى إطلاق تلك الحرية وتقييدها، وما يمكن أن يضبطها، فإذا كانت قيمة الحرية تواجه صعوبات كبيرة من جهة التطبيق وإنزالها من الحيز النظري؛ لتجرد صانعيها عن مراعاة الخصوصيات الدينية والأخلاقية لكل شعب وأمة -فإننا نرى أن مفهوم الحرية فى الإسلام جاء واضحًا، وتناولته نصوص الشريعة بما يزيل عنه كافة أشكال الغموض، ويجعل كل مسلم يعلم تمامًا ما هى حريته، وكيف يمكن له أن يتحرك فى إطارها دون إخلال بضوابطها التى تضمن تطبيقها بما يحقق مصلحة البشر جميعًا دون إيذاء أو اعتداء فكرى.
ثالثًا: أن الشريعة الإسلامية قدمت نموذجًا أخلاقيًّا واقعيًّا يتمثل فى سيرة النبى صلى الله عليه وسلم، التى تعد إرساء لجميع القيم الأخلاقية التى نسعى لتطبيقها على أرض الواقع، وهو ما يسهل على شبابنا قبول تلك القيم، عندما يرون كيف أن أحدًا يتفاعل مع مجتمع بشرى استطاع أن يطبق تلك القيم، وكيف كان لتلك القيم أثرها على مجتمع النبوة وعلى صحابة النبى صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى ممتدحًا نبيه: «وإنك لعلى خلق عظيم».
رابعًا: أن الشريعة الإسلامية تدعم بناء الشخصية واستقلاليتها وقوتها، وهو مرادنا فى مواجهة السيولة الأخلاقية، فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: «لا يكُنْ أحَدُكمْ إمَّعَة، يقول: أنا مع الناس، إن أحْسنَ الناسُ أحسنتُ، وإن أساءوا أسأتُ، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم إن أحسنَ الناسُ أن تُحْسِنُوا، وإن أساءوا أن لا تَظلِمُوا». فإن قوة الشخصية وعدم إذعانها للموجات الفكرية والأخلاقية السائدة يعزز من تمسك الفرد بقيمه وأخلاقه الأصيلة، ولا يكون من السهل استلاب ذلك الشخص فكريًّا، وذوبانه فى ثقافات تتعارض مع أخلاقياتنا وقيمنا.
فهذه الشخصية القوية التى تكون قناعتها من ذاتها، وتستعين بقيمها فى مواجهة التغيرات الأخلاقية الحادة تنتقل من موقع المتأثر إلى موقع المؤثر، فيجعل ذلك من تلك الشخصية فاعلًا فى الإصلاح، ويكون بذلك جزءًا من الحل لا جزءًا من المشكلة.
ولمواجهة أزمة السيولة الأخلاقية فإنه من الأهمية بمكان يلزم زيادة الوعى لدى أصحاب المسئولية فى الأسرة، وكذلك المؤسسات التربوية والدعوية بضرورة إرساء دعائم الأخلاق والاهتمام بها على قدر الاهتمام بتنمية القدرات البشرية فى المجال العلمى والأكاديمى والفنى.
وإيمانًا من دار الإفتاء المصرية بدور الأخلاق فى صلاح المجتمعات واستقرارها، وبأن مكارم الأخلاق هى جوهر الرسالة المحمدية وحجر الأساس فى بنائها، فقد أصدرت الدار فتاوى تفوق الحصر فى بيان أهمية الأخلاق واهتمام الإسلام البالغ بإرساء دعائمها، فنجد فتاوى فى تكريم الإسلام للإنسان بضبط سلوكه وأخلاقه، وفتاوى فى التحذير من تتبع العورات وانتهاك الحرمات ونشرها، وفتاوى فى تحريم تجسس الزوج على زوجته والخاطب على مخطوبته، وتحريم الغش بجميع صوره وأنواعه، والتحذير من السخرية والاستهزاء من المرضى، وكذلك التحذير من بذاءة اللسان وبيان عاقبة صاحبه.
وبالإضافة إلى ذلك فقد أطلقت الدار حملة عالمية باللغة الإنجليزية فى الفضاء الإلكترونى فى ذكرى المولد النبوى، تستهدف الوصول إلى أكثر من 30 مليون شخص حول العالم فى محاولة لإحياء القيم والأخلاق النبوية برؤية معاصرة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية