تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
أمريكا وفنزويلا إلى أين؟
دائمًا لى مقولة شهيرة: «نحن نعيش فى عصر الأوانى المستطرقة»، وهذا يعنى أنه عندما تحدث أى مشكلة فى العالم فإنها تؤثر على باقى دول العالم، سواء كانت بعيدة أو قريبة، صديقة أو معادية. وأعتقد أن أبسط مثال على ذلك الحرب الروسية الأوكرانية التى كانت فى قلب أوروبا، ولكنها أثرت على كل دول العالم بما فيها مصر من ناحية القمح والحبوب والغاز. لذلك بدأنا نتابع هذه الأيام ما يحدث فى أمريكا الجنوبية، وبالذات الصراع الذى يحدث بين فنزويلا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن هذه الدولة تملك أكبر احتياطى نفط على وجه الأرض، طبقًا لما أعلنه مركز إدارة الطاقة الأمريكية، فإن احتياطى الخام هناك 303 مليارات برميل، يعادل خمس احتياطى العالم، وهو من النفط الخام الثقيل الحامض.
ورغم أن الولايات المتحدة تنتج نفطًا أكثر من أى دولة فى العالم، ولكن نوعية النفط الأمريكى هو من الخام الخفيف الذى ينتج البنزين، أما النفط الفنزويلى الثقيل الحامض فينتج أنواعًا متعددة مثل الديزل والأسفلت وقود المصانع. حتى إن معظم مصانع التكرير الأمريكية شُيّدت لمعالجة النفط الثقيل من فنزويلا، ومن هنا جاءت أهمية هذه الدولة.
ورغم كل ذلك فإن فنزويلا تعيش أسوأ أزمة اقتصادية فى تاريخها، من تضخم، وحالات الهجرة، والجوع، والمرض، والجريمة. ويقول الخبراء إن هذه الأزمة بسبب الفساد، وسوء إدارة الاقتصاد والحكم غير الديمقراطى. ولك أن تتصور أنه منذ عام 2017 غادر البلاد أكثر من 2.3 مليون فنزويلى، وحاليًا تحتل هذه البلاد المرتبة الأولى فى معدل جرائم القتل، وحاليًا 90% من السكان يعيشون فى حالة الفقر، كل ذلك تحت حكم نيكولاس مادورو.
ولقد بدأت الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين أمريكا وفنزويلا منذ عام 2010 واستمرت فى التصاعد إلى ذروتها، حيث هناك من يقول إن الصراع بين الدولتين أساسه أن إدارة ترامب تريد الاستيلاء على احتياطى النفط الفنزويلى، وهذا ما صرح به الرئيس الكولومبى جوستافو لشبكة (CNN)، خاصة أن العقوبات الدولية على فنزويلا أسهمت فى تراجع صناعة النفط فى البلاد، حيث شهدت البنية الأساسية التحتية للطاقة فى فنزويلا تدهورًا كبيرًا أدى إلى تقلص إنتاجها من النفط، خاصة أن نوعية الخام الثقيل الحامض يتطلب معدات خاصة ومهارات فنية لإنتاجه. لذلك جاء منع شركات النفط العالمية من العمل هناك بسبب فرض الحكومة الأمريكية العقوبات عليها.
كل ذلك أدى إلى تأثر الأسواق العالمية نتيجة الصراع الحالى بين أمريكا وفنزويلا، وزادت الأحداث بعد اتهام الرئيس ترامب أن فنزويلا تقوم بتسهيل دخول الآلاف من المهاجرين إلى أمريكا، كذلك فهى ترسل المجرمين أيضًا إلى الولايات المتحدة للإضرار بها. بالإضافة إلى أن فنزويلا ترعى أكبر تجارة للمخدرات فى العالم، حيث تقوم بإرسالها إلى أمريكا، وأن عصابات المخدرات هناك أصبحت تتحكم فى هذه التجارة فى العالم كله، خاصة ضد الولايات المتحدة. ومن هنا بدأت أمريكا بتدمير القوارب التى تخرج منها محملة بالمخدرات، كذلك أعلن الرئيس الأمريكى إغلاق المجال الجوى لدولة فنزويلا.
وعلى الجانب العسكرى أعلن وزير الدفاع الأمريكى أن أمريكا بدأت تنفيذ انتشار عسكرى بحرى ضخم أمام سواحل فنزويلا، ولعل أهمها إرسال حاملة الطائرات الأمريكية «يو إس إس جيرالد فورد». ومن هنا بدأت تساؤلات فى الولايات المتحدة حول ما إذا كان البيت الأبيض يمكن اتخاذ قرار الحرب على فنزويلا، وبالتالى يظهر السؤال: هل يحق للرئيس ترامب أن يشن هجمات ضد فنزويلا دون موافقة الكونجرس؟ ويجىء الرد أنه طبقًا للدستور الأمريكى الذى ينص على أن الكونجرس فقط هو من له سلطة إعلان الحرب، ومع ذلك فإن المادة الثانية التى تحدد صلاحيات الرئيس الأمريكى القائد العام للجيش، سوف يفسرها البعض بأن هذا النص يعطى الرئيس الأمريكى الحق بشن ضربات ضد أهداف عسكرية دون إعلان حرب التى هى سلطة الكونجرس.
وعمومًا فإنه حاليًا تجرى فى الولايات المتحدة نقاشات عديدة وتحليلات، حيث يرى البعض أنه سيكون من الخطأ الفادح شن أى عمل عسكرى أمريكى ضد فنزويلا، حيث سيواجه معارضة قوية من الشعب الأمريكى، لأنه أولًا سيتعارض مع موقف ترامب الذى أعلنه خلال حملته الانتخابية بعدم التدخل فى حروب برية، وثانيًا أن مآسى حرب فيتنام، أو كما يطلق عليها الأمريكيون «مستنقع فيتنام»، ما زالت آثارها فى أذهان كل الشعب الأمريكى، خاصة خسائرها فى الأفراد. لذلك جاء إعلان الرئيس ترامب أن صراعه مع الرئيس الفنزويلى أنها معركة ضد الإرهاب، إرهاب المخدرات، وأن العقوبات الاقتصادية على هذه البلاد ستكون أكثر فاعلية فى الحد من تجارة المخدرات.
عمومًا يرى العديد من المحللين أن فكرة غزو فنزويلا غير قابلة للتنفيذ، مما يترك الخيارات المفتوحة أمام الرئيس ترامب محدودة للغاية، ولكن ما زالت الولايات المتحدة تواصل إصرارها على شرعية الهجمات ضد قوارب المخدرات، متجاهلة الانتقادات القانونية لهذه العمليات. ومن هنا يجيء السؤال الذى ينتظر العالم كله إجابته: هل يمكن للإدارة الأمريكية أن تنطلق إلى مستنقع فنزويلا بعمليات عسكرية مباشرة؟ ولكنى أقول إنه من الصعب على الرئيس الامريكى الدخول فى هذه المغامرة العسكرية، لأنه على الطرف الآخر أصبح يبحث عن جائزة نوبل للسلام التى لن تسمح له بالقيام بهذه المغامرة العسكرية فى أمريكا الجنوبية.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية