تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
فى ذكرى الهجرة.. ضرورة الوحدة ولم الشمل
مرت علينا ذكرى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بنور المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهى حَدَثٌ عظيم غَيَّرَ مَجْرَى التاريخ، وكان نقطة فارقة فى تاريخ الإسلام، انتقل فيه المسلمون من الضعف إلى القوة، وكان انطلاقا لتأسيس دولة الإسلام وبناء هذه الأمة التى جعلها الله خير أمة أُخْرِجَتْ للناس.
وقد خَلَّدَ القرآن الكريم هذه الهجرة المباركة تخليدا، وجعلها حَيَّةً فى نفوس الأمة وفى ضمائر أجيالها جيلا فجيلا, حتى لا يحتفل بها العالم الإسلامى مرة واحدة فى العام عند رأس كل عام هجرى جديد وتُنْسَى كما تُنْسَى الذكريات ، بل يحتفى بها ويذكرها كلُّ مسلم يقرأ كتاب الله جل جلاله ويقرأ قول الله عز وجل: «إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ « (التوبة 40).
وفى مطلع هذه الآية الكريمة بُشْرَى لكل مظلوم وصاحبِ حق تَخَلَّى عنه الناس وخذلوه واجتمع عليه من فى أقطارها، بأن الذى ينصره هو الله جل جلاله ، الذى بيده مقاليد كل شيء ، والذى يقول للشيء كن فيكون، والذى لا يُعْجِزُهُ شيء فى الأرض ولا فى السماء، هو سبحانه ينصرك يا من تخلى عنك الناس وخذلوك وتركوك وحيدا طريدا شريدا تقاوم الظالمين، كما نصر رسوله صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة عندما أخرجه قومُه وأجمعوا على قتله وتفريق دمه بين القبائل فخرج من بين أظهرهم وعيونُهم مفتوحةٌ وسيوفُهم مُشْرَعَةٌ، يترقبون لحظة خروجه وقتله, فجعل الله من بين أيديهم سَدًّا ومن خلفهم سَدًّا، وأغشاهم فهم لا يبصرون ، قال جل وعلا: «إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ. وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ «(يس 8، 9)، وكما نصر رسوله صلى الله عليه وسلم حين وقف الكفار بسيوفهم على فم الغار الذى أوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وصاحبه فلم يروه, فكان نصره صلى الله عليه وسلم من عند الله، وبقى هذا درسا جليلا للأمة يقول لكل مظلوم تخلى عنه الناس: إن ناصرك هو الله جل جلاله، درسٌ جليلٌ تَذْكُرُهُ الأمةُ كلما قرأت هذه الآية الجليلة، وكلما مرت عليها ذكرى العام الهجرى الجديد؛ فتطرد عنها اليأس والقُنُوطَ من رَوْحِ الله، وتعيد إليها الأمل فى نصر الله مهما أطبقت الظلمات ومهما زُلْزِلَ المؤمنون ؛ فإن نصر الله قريب، قال جل وعلا: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ» (البقرة 214) .
وما أحوجَنا اليوم إلى استحضار هذا الدرس الجليل فى هذا الواقع الأليم الذى تعيشه الأمة الإسلامية، واقع الضعف والتفرق الذى أغرى بنا كل طامع وكل مغامر وكل عدو، واقع الفلسطينيين فى غزة، الذين تطحنهم آلة البطش الصهيونى بأحدث أسلحة الدمار والخراب والقتل منذ قرابة سنة كاملة، على مَرْأَى من العالم المتحضر ومَسْمَع، دون أن يُفْلِحَ هذا العالم المتحضر بقوانينه الدولية ومؤسسات العدل الدولية ومنظمات الحقوق الإنسانية ... إلخ، لم يُفْلِحْ شيء من ذلك فى إيقاف هذا العدوان الغاشم على شعب أعزل قُتِل منه عشرات الآلاف وأصيب عشرات الآلاف، أكثرهم من النساء والأطفال، وهُدِّمت الدور على ساكنيها، هذا كله أصاب الأمة الإسلامية بالإحباط واليأس، ولكن افتتاح آية الهجرة بقوله جل وعلا: «إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ.. يبعث الأمل فى النفوس، ويعيد شحذ الهمم وتقوية العزائم؛ لأن الناصر هو الله جل جلاله، كما نصر رسوله صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة.
ما أحوجَ الأمة الإسلامية فى هذا الواقع الأليم إلى الاتحاد ولَمِّ الشَّمْلِ وتنحية الخلافات وإعلاء قيم الإسلام فى الوسطية والاعتدال وتقديس العمل وترسيخ العلم, وأن يكون اتحادها رسالة رَدْعٍ ضد كل مَن تُسَوِّلُ له نفسه الاعتداء على شِبْرٍ من أرضها, وتعود لها العزة والغلبة والكرامة والقوة فى عالم لا يحترم إلا القوي.
---------------------
رئيس جامعة الأزهر
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية