تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

التعليم والأمن القومى

بالأمس القريب كنت أناقش مع طلابى بالجامعة بعض القضايا التى تتعلق بالأمن القومى المصرى، وبما يحدث فى المنطقة العربية من تطورات وصراعات، وموقف مصر الأخير من تصريحات الرئيس الأمريكى ترامب المتعلقة بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، وكنت أحسب أن الأمر فى غاية الأهمية بالنسبة لهم، أو على الأقل يتفاعلون بشكل أو بآخر مع ما يحدث على الساحة السياسية، على الأقل فى مصر، ولكن رد الفعل لم يكن متوقعًا!

فقد تباينت ردود الأفعال ممن لا يعرف إلى لماذا نهتم بهذه الأمور، إلى درجة ظهور علامات الملل والاستياء من الحديث فى مثل هذه الموضوعات، على الرغم من ارتباطها بشكل مباشر بما ندرسه وبالتخصص الذى سوف يتخصصون فيه.

والواقع أن الأمر لا يتعلق فقط بمناقشة الشأن السياسى، بل بالعديد من الموضوعات الثقافية والأدبية والاجتماعية المهمة لتكوين ذات واعية بما يحيط بها من أحداث وتطورات، ذات قادرة على التعاطى مع الأحداث التى تشهدها البلاد.

عدت بذاكرتى إلى تاريخ الجامعة المصرية منذ إنشائها والدور الذى قامت به خلال الأحداث التى شهدتها البلاد، وكيف كانت أشمس شموس المجتمع، كما نعتها عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، وكيف قام طلابها وأساتذتها بدور وطنى كبير خلال الفترات التى شهدت فيها البلاد تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية.

لم يكن التعليم الجامعى حينها من أجل الحصول على شهادة أو فرصة عمل، كان من أجل بناء الوطن والمواطن.

يقودنا هذا إلى الحديث عن التعليم والمشكلات التى نعانيها منذ عقود طويلة، رغم سعى الحكومات المتعاقبة إلى إيجاد سبل لمواجهة هذه المشكلات، فعندما كنا نناقش الأمر تنصرف مناقشتنا إلى الحديث عن المناهج، والأبنية التعليمية، وإعداد المدرسين، وتكدس الفصول... وغيرها من الأمور الشكلية والواضحة، ولكن يبدو أن الأمر لم يعد مقصورا على هذه الأبعاد وأن ثمةً عوامل أخرى لم ننتبه إليها، والتى أرى أن جُلها يتعلق بالممارسات التى ينتهجها بعض القائمين على العملية التعليمية، سواء فى المدارس أو الجامعات، من المعلمين والأساتذة، والقائمين على إدارة المؤسسات التعليمية.

لقد تحول بعض هؤلاء من تأكيد أهمية المعرفة والثقافة وبناء قدرات الدارسين، ومن ثم بناء المجتمعات، إلى الحرص على أن تحظى مؤسساتهم بالجودة والاعتماد الأكاديمى الذى بدوره يكرس أوضاعهم داخل تلك المؤسسات.

ويحضرنى فى هذا السياق ما جاء على لسان أحد هؤلاء المسئولين: «بأن الطالب على حق، وعلى الأستاذ أن يكون فى خدمته كما تستدعى معايير الجودة».

نعم من واجب المعلم أن يكون فى خدمة الطالب ولكن فيما يتعلق ببنائه فكريًا وثقافيًا، ومعرفيًا ومن أجل أن ينمى وعيه بذاته وقدراته، وبمجتمعه واحتياجاته، وهويته الجماعية والثقافية التى تقوى على مواجهة التحديات، وبدولته ومؤسساتها والتهديدات التى تواجهها حفاظًا على الهوية الوطنية.

ولعل ذلك يتسق مع ما دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى: «بالحرب التنويرية والتوعية الشاملة».

إن بناء الوعى يعد أمرا بالغ الأهمية وأنه غاية العملية التعليمية، وإن لم يولد التعليم الوعى، خاصةً فى ظل المخاطر، فلا جدوى له.

لذلك فإن التعليم هو قضية أمن قومى، بل القضية الأولى، ليس فقط لأنه سياسة دولة، بل لكونه صانع الوعى. فالأمن القومى لا يعنى أن تكون هناك دولة قوية قادرة على حماية أرضها وسلامة شعبها فحسب، وإنما الأمن القومى قضية مجتمعية، خاصةً أن الحروب الفكرية والثقافية هى أبرز أدوات الصراع فى العصر الحالي.

فالتعليم هو الذى يقوى الهوية، والهوية هى التى تنمى قيم الولاء والانتماء للحفاظ على مقدرات الدولة. إن الوعى المجتمعى الذى يوافق مبادئ الدولة ويحافظ على كيانها يعد عاملًا رئيسيًا لاستمرارها وبقائها، خاصةً ان فكرة الهدم قائمة على تشويه وتزييف الوعى المجتمعى بآليات عدة.

وهنا تتضافر الجهود، لا جهود الدولة وحدها، بل الأفراد، والمؤسسات، وعلى رأسها المؤسسات التعليمية والقائمون عليها، وعلى قدر المسئولية والوعى تكون النتيجة.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية