تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
هوامش فى مواجهة التعصب
نظم المجلس القومى لحقوق الإنسان الأسبوع الماضى، ورشة عمل بعنوان نبذ العنف والتسامح وقبول الآخر والمساواة الجندرية، شارك فيها عدد من الخبراء والبرلمانيين، والحقوقيين، وممثلى الجمعيات الأهلية، والوزارات والهيئات المعنية. النقاش كان ثريًا، لكنه لم يختلف فى كثير من تفاصيله عن الحديث حول هذه القضايا طيلة العقدين الماضيين. ولا يعنى ذلك أن المشاركين اجتروا موضوعات قديمة، بقدر ما يثبت أن الطريق نحو مواجهة التعصب، ونشر ثقافة التنوع والتسامح لا يزال طويلا، وهناك حاجة دائمة إلى النقاش، واقتراح الحلول.
فمن ناحية أولى لا يزال المجتمع يعج بأفكار التعصب، والكراهية، والتى تبث سمومها فى الفضاء الالكترونى، بهدف إشعال حرائق طائفية بين المواطنين، ونشر السجال الدينى البغيض، وتحدى جهود الدولة الرامية إلى تعزيز المواطنة. وقد لا يكون التعصب سافرًا أو مباشرًا، لكنه يجد حاضنته فى الثقافة المحافظة التى تتغذى على بقايا خطابات التطرف. وهناك أحداث تشير إلى ذلك بوضوح، مثل توقيف طالبة على باب الجامعة لأنها ترتدى فستانًا، ومساعى الفصل بين الجنسين فى الفرق المسرحية، وتبرير العنف الذى يٌمارس ضد المرأة بحجج واهية، ومنع الفتيات من ممارسة بعض ألوان الفنون، وغيرها. وتمثل الثقافة المحافظة، مزيجًا من التعصب، والتزمت الاجتماعى، ومعاداة التنوير، وتستند إليها جماعات التطرف فى تسويغ ونشر أفكارها حتى إن أصابها التراجع سياسيًا، والهزيمة أمنيًا.
من ناحية ثانية رغم أن التوجهات العليا للدولة المصرية، الصادرة على وجه الخصوص من رئيس الجمهورية تتسم بالجرأة فى مواجهة التطرف، والحرص على نشر قيم المواطنة والتسامح وقبول الآخر، قولا وفعلا، وهكذا تمضى بقية مؤسسات الدولة ولاسيما الدينية والإعلامية والثقافية على مستوى خطابات قياداتها العليا، إلا أن هناك تحديات فى وصول هذه الخطابات إلى القواعد العريضة فى المجتمع، التى لا تزال تصارعها أفكار التطرف، ويقف الجهاز البيروقراطى عائقا أمام انتشارها. المشاهدات كثيرة ومتنوعة. فقد اتخذت الدولة عدة مبادرات مهمة فى دعم حقوق الإنسان، والتنمية المستدامة، وتمكين المرأة إلا أن هذه التغيرات المهمة لا يعرفها المجتمع بالقدر الكافى. فهل يعرف – على سبيل المثال- طلاب المدارس والجامعات ناهيك عن الموظفين فى المؤسسات الحكومية الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ورؤية مصر 2030 وغيرها؟ أظن أن المعرفة بها لا تزال محدودة، وهى حالة يمكن أن نطلق عليها الممانعة البيروقراطية، التى تحد من انتشار المعرفة بدور الدولة فى المجال التنموى على اتساعه، بل قد تتجه بعض قطاعات البيروقراطية إلى إثارة ثقافة سلبية حولها، وهو ما ظهر فى مناسبات عديدة.
ومن ناحية ثالثة، يبدو أن التعليم عامل أساسى مشترك فى مواجهة التعصب، ونشر التسامح، وقبول الآخر. فإذا كانت الدولة بذلت جهودًا واسعة فى مواجهة التطرف سواء فى تسعينيات القرن العشرين فى عهد وزير التعليم الراحل الدكتور حسين كامل بهاء الدين، وتجددت هذه الجهود، بصورة أكثر حسمًا عقب 30 يونيو 2013، إلا أن اجتثاث الخطابات المتطرفة من كتب التعليم، أو محاصرتها فى الحياة الجامعية، ليس كافيا، طالما أنه لا يرتبط بنشر التربية المدنية فى المدارس، وثقافة المشاركة المجتمعية بالنسبة لطلاب الجامعات، وتشير الخبرة إلى أن مواجهة التطرف تحتاج إلى جهود تراكمية من نشر الثقافة المدنية، والأنشطة الفنية والثقافية، والانفتاح على التنمية والعمل الاجتماعى، وذلك حتى يتشكل وجدان مدنى لدى النشء والشباب، يُمثل فى ذاته حصانة تلقائية مستدامة ضد الفكر المتطرف.
ومن ناحية رابعة تظل العدالة الثقافية مسألة محورية، لأن التطرف يغزو الأماكن النائية، مثل القرى والكفور والنجوع، والتى لا تصلها خدمات ثقافية، وهذه مسئولية مباشرة للمثقفين خاصة المهتمين بالثقافة المحلية، والجهات المعنية بنشر الثقافة والفنون، لأنه وفقا لنظرية «ملء الفراغ»، فإن التطرف والتزمت والجمود يحل محل الثقافة عند غيابها.
واللافت للنظر أنه منذ عقود نتحدث عن أهمية الثقافة فى مواجهة التطرف، وأن الحلول الأمنية وحدها لا تكفى، وهو أمر صحيح، وبالرغم من ذلك لم نمض فى هذا الطريق بالكثافة المطلوبة. نعم هناك نقاط إيجابية مضيئة فى الأفق لا يمكن تجاوزها.فقد استطاعت مبادرة حياة كريمة، وكذلك تطوير العشوائيات إبراز أهمية المكون الثقافى فى عملها التنموى، وأسست وزارة التضامن الاجتماعى من خلال برنامجى وعى والمواطنة، تجربة تضم عددًا من الجمعيات الأهلية لنشر ثقافة المواطنة على الأرض، وأطلقت الأمانة الفنية للجنة العليا لحقوق الإنسان مبادرات مهمة فى هذا الخصوص، ورغم أهمية كل ذلك،تظل مواجهة التطرف، ونشر التسامح بحاجة إلى جهود أكبر من المؤسسات التربوية والثقافية والإعلامية، العامة والخاصة على السواء.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية