تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. سامح فوزى > تراجع الأخلاق فى حفلاتنا الجامعية

تراجع الأخلاق فى حفلاتنا الجامعية

فى أكثر من مناسبة تتسرب ثقافة المهرجانات، موسيقى وأغانى، إلى حفلات يٌفترض فيها الوقار، أبرزها حفلات التخرج فى الجامعات. هناك مشهدان انتشرا على السوشيال ميديافى الأيام الماضية: أحدهما لرجل، متقدم فى السن، يرقص على أنغام موسيقى صاخبة فى حفل تخرج، قيل فى بعض التعليقات إنه أستاذ جامعى، وقيل فى تعليقات أخرى إنه والد إحدى الطالبات المتخرجات. أيا كان شخص هذا الرجل، إلا أن المشهد فى حد ذاته لا يليق بحفل تخرج طلاب من الجامعة. أما المشهد الثانى، فهو لطالب ينتظره عدد من الأساتذة يتراصون أمام طاولة ممتدة على خشبة مسرح، بينما يمضى فى طريقه إليهم راقصًا، تحيط به كاميرات الفيديو التى توثق تلك اللحظات، وكلما شعر الشاب بتهافت الحضور على تصويره، زاد فى رقصاته، وتفنن فى حركاته على نحو أخرج الحفل برمته من وقاره، وقد ظل الأساتذة على المسرح ينتظرون قدومه إليهم، وبعضهم كان يضحك، والبعض الآخر يصفق له. وقد اتخذت الجامعة عقب انتشار هذا الفيديو إجراءات عقابية إزاء ما حدث.وإذا كان هذا المشهد يمثل اعتداء على وقار الجامعة، فإن هناك فيديو انتشر على السوشيال ميديا يوثق اسفافا خارج أسوار أحد المعاهد العلمية عندما اجتمع مئات الطلاب فى آخر أيام امتحانات نهاية العام يصيحون بأفظع الألفاظ، ويطلقون أحط السباب تعبيرا عن فرحتهم بانتهاء الدراسة. والغريب أن هؤلاء يعتقدون أو خيل لهم أنهم قضوا أياما طوالا فى دراسة شاقة، فى حين أن القاصى والدانى يعرف أن التعليم يعانى تحديات كثيرة، ليس أقلها أن العام الدراسى فى مصر يبلغ 114 يوما، بينما فى الصين يصل إلى 250 يومًا، وفى دول مجاورة يقدر بنحو 180 يومًا.

 

ويظل السؤال: لماذا بلغ بنا الحال إلى هذا المستوى المتراجع فى السلوك والذوق العام، حتى تتحول حفلات تخرج إلى مناسبات راقصة، ونجد طلابا بالمئات يسبون المعهد العلمى الذى درسوا فيه، أو يقوم طلاب بتحطيم أثاث المدرسة أو تشويه جدرانها؟

الإجابة باختصار هو غياب التربية المدنية منذ الصغر. وتعنى أن تصبح مؤسسة التعليم مكانا يتعلم فيه الدارس القيم والمبادئ، نظريًا وعمليًا، ويتكون وجدانه على الأخلاق العامة، من خلال اكتساب قيم احترام الملكية العامة والخاصة، والتعاون، واحترام الآخرين، وقبول التنوع، والمساهمة فى أعمال إنسانية واجتماعية. ليست المدارس والجامعات من أجل التعليم أو الحصول على شهادات فحسب، ولكن رسالتها فى المقام الأول هى التكوين الثقافى والإنسانى والمعرفى للشباب والنشء. ومع تراجع التكوين الإنسانى للطلاب والطالبات، تنتشر مظاهر الانفلات. وإذا كان الإسفاف فى حفلات التخرج فى بعض الجامعات والمعاهد مؤشرًا على هذا التراجع، فإن هناك أحداثا أكبر وقعت قبل ذلك ليست بعيدة عن الحياة الجامعية مثل قتل الطالبة نيرة أشرف أمام بوابة الجامعة، والابتزاز الذى مارسه طلاب وطالبات فى حق زميلتهم نيرة صلاح مما دفعها إلى الانتحار فى جامعة العريش. ورغم أن القانون عاقب الجناة فى الحالتين، فى الواقعة الأولى بالإعدام، وفى الثانية بالسجن ثلاث سنوات، إلا أن ذلك لا ينفى تراجع الأخلاق العامة داخل بعض مؤسسات التعليم. فى هذا الصدد هناك ثلاث قضايا أساسية ينبغى أن نضعها فى الاعتبار:

القضية الأولى هى تراجع الذوق العام فى المجتمع، وما يحدث أحيانا فى مؤسسات التعليم هو انعكاس لحالة عامة فى المجتمع، رغم أن مؤسسات التعليم، شأن الأسرة والمؤسسات الدينية، منوط بها غرس القيم والأخلاق فى نفوس الدارسين.

القضية الثانية أن الطلاب والطالبات يرون فى الدراسة عبئا ثقيلا، بمن فى ذلك المتفوقون منهم، والسبب يعود إلى أن الدراسة لا تتماشى مع متطلبات الواقع، ولا تحدياته، ولا تكسبهم مهارات يحتاجون إليها فى الحياة العملية، فالدراسة شيء، والعمل شىء آخر، الأمر الذى يجعل الطلاب ينظرون إلى الدراسة بوصفها عبئًا ثقيلا للحصول على شهادة اسمية، لا أكثر.

القضية الثالثة: أن الطلاب والطالبات يحتاجون إلى ثقافة انسانية تتشكل من الانخراط فى مبادرات تنموية، وخدمة اجتماعية، ومشروعات تنموية، ومساعدة الفقراء والمهمشين.

الخلاصة يجب ألا ننظر إلى مظاهر الانفلات فى مؤسسات التعليم، أو فى الأنشطة التابعة لها بوصفها شأنا خاصا بهذه المؤسسات، أو تلك الأنشطة، بقدر ما ننظر إلى الصورة الكاملة، وهى تراجع الأخلاق العامة، بينما يواصل المجتمع ممارسة التدين الشكلى، ولا نستغرب حين نرى طلابا وطالبات يبدو على غالبيتهم السمت الدينى، يلجأون إلى الإسفاف للتعبير عن لحظات سعيدة فى حياتهم، فقد اختلت المعايير، وصار الجميع يبحثون عن معنى.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية