تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الجنيه والدولار.. حديث الاقتصاد والناس
منذ نحو عامين يكثر الحديث بين الناس، المتخصص وغير المتخصص، عن سعر صرف الجنيه أمام الدولار. بالتأكيد ليس كل الناس، أو حتى معظمهم يحملون أو يتعاملون بالنقد الأجنبى، ولكن ما يشغلهم، هو ارتفاع أسعار السلع، والتى ارتبطت بارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه، والذى يعكس أمرين الأول: تراجع الاستيراد، وقلة السلع، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها حسب قانون العرض والطلب، والثاني: اتجاه المستوردين إلى المغالاة فى تسعير الدولار مقابل الجنيه، والمضاربة على النقد الأجنبى فى السوق السوداء، مما أدى إلى ارتفاعات غير مسبوقة، وغير مبررة فى أسعار السلع. ومما زاد من الأزمة الاتجاه إلى الدولرة الذى اتخذ عدة صور، منه تقييم الأصول بالدولار مثل العقارات فى المناطق الفارهة، وميل مواطنين عاديين إلى استخدام المدخرات الذى لديهم فى شراء الدولار، أملا فى ارتفاعه، مما زاد من المضاربات فى السوق السوداء، وتحول الدولار من عملة إلى سلعة، تقتنى فى ذاتها، ويأمل الناس فى ارتفاعها. وهكذا تحول المواطن العادى بلغة السياسة إلى ضحية وجلاد، فهو ضحية ارتفاع الأسعار والتى يعود جانب منها إلى ارتفاع سعر الدولار، وهو جلاد يقتنى الدولار، ويتمنى ارتفاعه حتى يحقق مكاسب لا تصب فى فائدته فى التحليل الأخير. وفى خضم ارتفاع معدلات التضخم، شاهدنا تحولات اجتماعية مهمة، منها نقص الأطعمة التى تحوى بروتينا حيوانيا داخل الأسرة المتوسطة والفقيرة، والاتجاه نحو سوق المستعمل فى الأثاث والملابس، وخلافه، وزيادة نشاط الفنيين الذين يقومون بإصلاح الأجهزة الكهربائية باختلاف أنواعها، وذلك بديلا عن اقتناء الجديد منها نظرا لارتفاع أسعارها بصورة مطردة، واتجاه شرائح من الطبقة الوسطى إلى الشراء ببطاقات الائتمان عبر المزايا التى تمنحها البنوك بالتقسيط بدون فوائد. ودون شك يؤدى ذلك كله إلى انخفاض «جودة الحياة» بالنسبة لشرائح من المصريين، وارتفاع معدلات الفقر رغم الجهود المبذولة من الحكومة لمواجهة التهميش والفقر عبر مبادرات كبرى مثل حياة كريمة، وتكافل وكرامة، والتصدى للعشوائيات، وغيرها.
فى خضم كل ذلك كان الترقب والقلق يجتاح المجتمع، وكان السؤال: متى يتم تحرير سعر صرف العملات الأجنبية، نظرا لاستحالة النشاط الاقتصادى فى وجود سعرين للدولار؟ هنا ظهرت وجهتا نظر، الأولى ترى أن يتم تحرير السعر أولا، ثم يحمل ذلك تدفقات العملة الأجنبية إلى البنوك تلقائيا. وطالب البعض بأن يكون سعر الدولار فى البنك أعلى مما هو سائد فى السوق السوداء، مما يؤدى إلى اللجوء إلى البنوك، وتتوافر العملة الأجنبية، وهو ما يقود إلى انخفاض أسعارها حسب آليات العرض والطلب. ولكن كانت هناك خشية من أن يؤدى تحرير سعر صرف الدولار فى ظل وجود شح فى العملات الأجنبية إلى ارتفاع سعره بطريقة يصعب السيطرة عليه. أما وجهة النظر الثانية فاتجهت إلى تفضيل وجود غطاء نقدى من الدولار فى البداية، ثم يأتى تحرير سعر صرف العملة الأجنبية لاحقا، مما يساعد على ضبط سعر الصرف تلقائيا. ويبدو أن الحكومة انحازت لوجهة النظر الثانية، حيث انتظرت تدفقات مالية بالدولار من مشروع «رأس الحكمة»، ثم قامت بتحرير سعر الصرف قبل ساعات من توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولى الذى جلب مزيدًا من التدفقات الدولارية إلى الاقتصاد، ورغم ذلك فمن الواضح، حسب تصريح محافظ البنك المركزى، أنه مع الساعات الأولى لتحرير سعر صرف الدولار تدفقت مبالغ كبيرة على البنوك، بحيث لم يكن الوضع يحتاج إلى تدخلات لضبط السعر بطرح مزيد من الدولار فى السوق المصرفية.
الآن تحرر سعر صرف الدولار، وأيا كان السعر المتوازن الذى سوف تنتهى إليه الأمور، فإنه سوف يعكس قوة الجنيه من ناحية، والأسعار القادمة للسلع من ناحية أخرى. ولكن يبقى أمران حتى لا تتكرر أزمة النقد الأجنبى بعد عام أو عامين، وهما: تكثيف الانفاق على شراء مستلزمات الصناعة من مواد أولية، وسلع وسيطة، حتى تعود الصناعة إلى عملها، وتتوسع فيه، مما يؤدى إلى انتاج يكفى السوق المحلية المتعطشة للسلع، وأيضا التصدير للخارج، مما يؤدى إلى توافر العملة الصعبة. والأمر الثانى: ضبط الأسواق، وعدم السماح للممارسات الاحتكارية ورفع أسعار السلع، وهو شرط أساسى حتى يشعر المواطن العادى باستقرار الحياة من حوله، حتى وإن كان ذلك يحمل زيادة فى الأسعار. وهنا ينبغى التوقف أمام مسألة أساسية: لا يوجد مبرر لارتفاع الأسعار نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار فى البنوك منذ يوم الأربعاء الماضى، لأن الأسعار القائمة تعكس سعرًا مرتفعًا للدولار يفوق الزيادة التى طرأت عليه.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية