تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
استدامة مصادر الدولار
أحد التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري، وربما أكثرها إلحاحًا، هي نقص الاحتياطي النقدي من الدولار، وذلك بسبب أن المطلوب من الدولار أقل من المعروض. وقد اشترط الاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي سعر صرف مرن للدولار أمام الجنيه، وهو ما تحقق في حينه، وترتب عليه ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه، وما استتبعه من زيادة أسعار السلع المستوردة، وكذلك المحلية التي يجري تحديد أسعارها في ضوء ارتفاع أسعار الواردات من السلع. ومنذ شهر مارس الماضي يكثر الحديث في تقارير صادرة عن مؤسسات مالية دولية عن قرب تخفيض قيمة الجنيه مقابل الدولار، مما أشعل المضاربات على العملة الأجنبية، وقد أدركت القيادة السياسية أن تخفيض قيمة الجنيه دون وجود احتياطي نقدي من الدولار سوف يؤدي إلى ارتفاعات في العملة الأجنبية مقابل الجنيه لا يمكن ضبطها، مما ينتج عنه بالضرورة موجات متلاحقة من التضخم تزيد عما هو قائم الآن، والذي يُعد أعلى بكثير من المستهدف. وقد ذكر الرئيس عبد الفتاح السيسي ذلك صراحة في حديثه في المؤتمر الوطني للشباب ببرج العرب منذ أسبوعين. ويسود إدراك بأن بيع بعض الشركات المملوكة للدولة، يوفر حصيلة دولارية تسمح بضبط سوق العملات الأجنبية من ناحية، وتوفير احتياجات المجتمع الأساسية من ناحية أخرى. يٌضاف إلى ذلك أن هناك اقتناعًا لدى بعض الدوائر الاقتصادية أن الجنيه مُقوم بأقل من قيمته الحقيقية، وهو ما ذكره المهندس مصطفي مدبولي، رئيس مجلس الوزراء في أحد تصريحاته منذ أسابيع، وإذا حدث تدفق للعملة الخضراء، فإن قيمة الجنيه سوف تعتدل مقابل العملات الأجنبية.
إذن تكمن الإشكالية في توفير مصادر دولار تكفي لسد الاحتياجات، سواء كانت سلعًا نهائية ووسيطة مستوردة، وخدمة أقساط وفوائد القروض التي حصلت عليها الحكومة المصرية في الفترة الماضية. في هذه الحالة يبدو أن التفكير في بدائل كثيرة له أهميته. صحيح أن الحكومة اتخذت عدة خطوات بهدف حل أزمة الدولار، منها الاتفاق مع شركة دولية للمساعدة في بيع الشركات العامة، وإطلاق مبادرات لزيادة احتياطي الدولار مثل إجراءات تحسين مناخ الاستثمار، ومبادرة سيارة المصريين بالخارج، وبيع شقق وأراض لهم، ودعم السياحة، والإقامة الرسمية للأجانب، وطرح أوعية ادخارية بالدولار بفوائد مرتفعة. وقد يكون لهذه الإجراءات وغيرها نتائج جزئية في زيادة النقد الأجنبي، ولكن تظل العبرة في تنمية مصادر دولار مستدامة إضافة لما هو متعارف عليه، وهي مسألة اقتصادية أكثر منها مالية. المصادر الثابتة معروفة وهي عوائد قناة السويس، والسياحة، وتحويلات المصريين في الخارج، وإلى جوارها يأتي الاستثمار الأجنبي والمنح والقروض، والصادرات. ولكن لا تكفي هذه المصادر لسد احتياجات المجتمع من سلع غذائية، ومصادر طاقة، ومواد خام، وأخرى وسيطة مستوردة خاصة في ضوء ارتفاع أسعارها على الصعيد الدولي، واضطراب سلاسل الامداد عالميًا نتيجة أزمة وباء كورونا، ثم الحرب في أوكرانيا. ومع الإدراك الكامل لأهمية الإدارة المالية الكفء، والترتيب الرشيد لأولويات الأنفاق العام، هناك مصدر أساسي مستدام يخفف الضغط على الدولار، جنبا إلى جنب مع تنمية المصادر السابقة، وهو التوسع في الصادرات، والحد من الواردات. وهي غاية أساسية نرددها كثيرًا دون نتائج ملموسة. وإذا ظل الحال على ما هو عليه يصعب الخروج من دوامة استنزاف العملة الاجنبية، والسبب أن جانبًا من الاستيراد ضروريًا، لأنه يُمثل سلعًا وسيطة تدخل في انتاج سلع أخرى، وبالتالي فإن عدم توفرها يؤثر بشدة على الصناعة. من هنا تبدو أهمية التوسع في انتاج سلع وسيطة محليًا من جانب، والحد من واردات لها بدائل أو يمكن انتاجها محليًا من جانب آخر. ومما يلفت أن هناك في الفترة الأخيرة تجارب ناجحة في التصدير اعتمدت على مُدخلات محلية، ولم تتأثر بأزمة الدولار، بل أسهمت في توفير مصادر دخل من العملة الصعبة. أيضا هناك مئات السلع المستوردة، وهي بسيطة الصنع والتكلفة، ويستغرب كثيرون الاعتماد المكثف على استيرادها، في حين أنه يمكن تصنيعها محليًا. هنا يأتي دور القطاع الخاص في الاتجاه إلى تصنيع سلع وسيطة تحتاج إليها السوق المحلية، وتطلبها السوق الخارجية، مما يحد من الاستيراد، ويزيد من التصدير. ولكن حتى يتسنى ذلك يتعين وجود خطة قومية تحدد ماهية هذه السلع، وحدود وإمكانات القطاع الخاص في إنتاجها، وتوفير الدعم الحكومي اللازم، ووضع إطار زمني لتحقيق ذلك.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية