تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. داليا بركات > أمريكا والصين... تبادل الأدوار

أمريكا والصين... تبادل الأدوار

وما بين اليمين الأمريكى الصاعد، والدبلوماسية الاقتصادية الصينية، يُكتب تاريخ اقتصادى جديد

فى لحظةٍ تاريخية من أبريل 2025، وقف العالم يراقب تصعيدًا غير مسبوق فى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. بلدٌ كان ينادى بحرية الأسواق والعولمة أصبح يدعو اليوم للحمائية والرسوم الجمركية، بينما البلد الشيوعى الذى طالما وُصف بالانغلاق، بات الآن من أكبر المدافعين عن التجارة الحرة.

مشهدٌ عبثى يعكس تبادلًا واضحًا للأدوار بين قوتين عظميين تتنازعان ليس فقط على الاقتصاد، بل على من يقود النظام العالمى القادم.
ترامب يُشعل النار مجددًا:  يوم التحرير .. أم نهاية العولمة؟

فى 3 أبريل 2025، أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 34% على الواردات الصينية، فوق رسوم سابقة بـ20%. الصين ردت سريعًا برسوم معاكسة بنسبة مماثلة. لكن ترامب لم يتوقف، بل صعدها لتصل إلى 104%، ثم 125% على البضائع الصينية، وهو ما وصفه خلال مؤتمره الصحفى فى البيت الأبيض بـ يوم تحرير أمريكا من قبضة الأسواق العالمية .

الصين لم تصمت، فردّت بزيادة الرسوم على السلع الأمريكية من 34% إلى 84%، ثم إلى 125%، مما وضع النظام التجارى العالمى على حافة الانفجار.

وفى محاولة لاحتواء الأزمة، علّقت واشنطن الرسوم على باقى الشركاء التجاريين لمدة 90 يومًا، لكن الرسوم المتبادلة مع الصين استمرت، ما يعنى أن أكبر اقتصادين فى العالم دخلا فى مواجهة مباشرة قد تطول.

من الحرية إلى الحماية.. ومن الشيوعية إلى الانفتاح؟

ما يجرى ليس مجرد نزاع اقتصادى، بل هو تبادل أدوار تاريخى. الولايات المتحدة التى بشّرت العالم بحرية التجارة، أصبحت اليوم رمزًا للانعزال الاقتصادى، بينما الصين - وهى الدولة الشيوعية - تتصدر مشهد الدفاع عن العولمة والتعاون الاقتصادى.

علّق كين روغوف، كبير الاقتصاديين السابق فى صندوق النقد الدولى، على قناة BBC قائلًا:

 ترامب ألقى للتو قنبلة نووية على النظام التجارى العالمى. 

أما رئيسة الاتحاد الأوروبى أورسولا فون دير لاين، فقد حذرت من أن هذه الرسوم قد تكون  ضربة موجعة لملايين البشر حول العالم، وقد تعيد عقارب الاقتصاد العالمى للوراء عقودًا .

بأرقام المؤسسات العالمية: من يتألم أولًا؟

وفقًا لأحدث تقرير من منظمة التجارة العالمية بعنوان  آفاق التجارة العالمية 2025 :

  من المتوقع أن ينخفض حجم التجارة العالمية للسلع بنسبة 0.2% خلال العام، بسبب زيادة التعريفات الجمركية وعدم اليقين بشأن السياسات.

  بحلول 2026، تتوقع المنظمة تعافيًا  متواضعًا  بنسبة 2.5% فقط، بشرط عدم التصعيد أكثر.

أما جولدمان ساكس فقد حذر من أن استمرار الحرب التجارية قد يؤدى إلى:

  خفض النمو الأمريكى بمقدار 1.1% بحلول نهاية 2025.

  وانكماش فى صادرات الصين بنسبة 3.5% على الأقل.

ميزان المدفوعات: العجز يُؤجج النار يُقدّر العجز فى ميزان المدفوعات بين الولايات المتحدة والصين بأكثر من 400 مليار دولار سنويًا لصالح بكين، وهو ما يعتبره ترامب  أكبر سرقة فى تاريخ البشرية . ولكن الخبراء يرون أن فرض الرسوم لم يُقلص العجز فعليًا، بل أدى إلى زيادة التضخم الأمريكى وارتفاع أسعار السلع الأساسية داخل السوق المحلى.

النظام العالمى الجديد: ولادة على أنقاض الحرب

العالم لم يعُد كما كان. لم تعد العولمة قدرًا حتميًا. النظام الليبرالى الذى بُنى بعد الحرب العالمية الثانية بدأ يتفكك. الدول لم تعد تثق فى المؤسسات متعددة الأطراف، والأمن الاقتصادى أصبح لا يقل أهمية عن الأمن العسكرى.

الصين تحشد حلفاءها فى الشرق والجنوب، بينما تحاول أمريكا تعزيز تحالفاتها مع أوروبا عبر اتفاقيات تجارية جديدة، رغم الخلافات. وصرّحت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلونى خلال زيارتها لواشنطن:

 هدفنا هو جعل الغرب عظيمًا من جديد .

إلى أين تتجه الحرب التجارية؟

لا مؤشرات حتى الآن على هدنة دائمة، الرسوم تتزايد، والخطاب السياسى أكثر تطرفًا، والأسواق فى حالة ارتباك حاد. وعلى حد تعبير أحد مسئولى البنك الدولى:

 ما نشهده الآن ليس فقط حرب رسوم، بل إعادة رسم لخريطة القوى الاقتصادية العالمية. 

وفى النهاية ، نحن لا نعيش نهاية مرحلة فقط .. بل بداية أخرى أكثر غموضًا.

تبادل الأدوار بين أمريكا والصين يعكس التحول العميق فى النظام الدولى. الولايات المتحدة فقدت ثقتها فى النظام الذى أنشأته، والصين

باتت ترى فيه فرصة للقيادة. وما بين اليمين الأمريكى الصاعد، والدبلوماسية الاقتصادية الصينية، يُكتب تاريخ اقتصادى جديد.

هل نحن على أعتاب انهيار نظام عالمى قديم؟ أم نشهد ولادة نظام أكثر توازنًا؟

سؤال سيُجيب عنه الزمن، لكن المؤكد أن الحرب التجارية الحالية ستكون فصلًا مفصليًا فى هذا التحول.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية