تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. حسن أبو طالب > فرانشيسكا.. استحقاق نوبل للسلام عن جدارة

فرانشيسكا.. استحقاق نوبل للسلام عن جدارة

فى تعليقها على العقوبات التى فرضتها واشنطن على المفوضة الأممية لحقوق الانسان فى فلسطين المحتلة ، قالت فرانشيسكا البانيز انها ليست معنية بالترهيب المافياوى الذى تتعرض له منذ فترة طويلة، فتركيزها الآن هو لتذكير الدول والشركات بمسئولياتها الأخلاقية والقانونية تجاه وقف الإبادة الجماعية التى تحدث فى قطاع غزة والاحتلال والفصل العنصرى فى الضفة الغربية.

وهنا تبدو المفارقة الكبرى فى السياسة الأمريكية، وسياسة الغرب اجمالا، فالذين يهتمون بحقوق الإنسان الفلسطينى مُعرضون للعقوبات، حتى لو كانوا مسئولين أممين يمارسون اعمالهم وفقا للمعاهدات الدولية ويتمتعون بضمير إنسانى راقٍ.

أما الذين يقتلون ويدمرون ويمارسون أبشع الجرائم الإنسانية فهم محل ترحيب، ويُقدم لهم الدعم والمساندة والشراكة للاستمرار فى تلك الجرائم الإنسانية التى يندى لها جبين الانسانية.

لقد أصبحت فرانشيسكا رمزا للحق والعدل واحترام القانون الدولى والتمسك بالعدالة والانصاف لكل مظلوم، ويجب مناصرتها ومساندتها سياسيا ومعنويا، بل وأن تُرشح لنيل نوبل للسلام من كل الجهات والدول والحكومات التى تتمسك بالقانون الدولى وترنو لترسيخ قيم العدالة فى عصر فقد فيه كبار القادة الدوليين احترام القانون الدولى، ونبذه جملة وتفصيلا، هذا إن كانت لجنة تلك الجائزة تحترم القانون الدولى وتناصر العدالة، اما إن خضعت للابتزاز والنفوذ الصهيونى، فالعالم ليس بحاجة إلى الجائزة أو من يقومون عليها. وليذهب المنافقون الى الجحيم.

أحد نواب البرلمان الأوربى، السلوفينى نيميتش دعا زملاءه الأوروبيين أن يدعموا ترشيح فرانشيسكا البانيز لنيل نوبل للسلام، واصفا إياها بعنصر توازن فى مواجهة نفاق السياسات وخاصة فى أوروبا والولايات المتحدة، وانها منذ عام ونصف العام تعد بمثابة «الصوت الأول» فى مواجهة «الوحشية التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة الغربية، والذى يواجه إرهابًا ومعاملة غير إنسانية لا يتصورها عقل».

والحقيقة ان تلك الكلمات تمثل كل أصحاب الضمائر الحية فى عالم لم يعد يكترث إلا للمصالح وتحقيق الأرباح، بل ويشارك فى دعم جرائم إبادة الشعب الفلسطينى من أجل حفنة أموال ملوثة بالدم.

فى تقرير البانيز الذى قدم لمجلس حقوق الانسان فى دورته التاسعة والخمسين التى استمرت من 16 يونيو إلى 9 يوليو الحالى، تم التركيز على أحد أهم عناصر استمرار وحشية جيش الاحتلال الاسرائيلى، ممثلا فى الدعم والمشاركة المباشرة من قبل حكومات وشركات كبرى فى قطاعات عديدة، صناعية وهندسية وتكنولوجية ومعلوماتية، وهو ما سماه التقرير اقتصاد الإبادة كاستمرار لاقتصاد الاحتلال، أو بمعنى آخر المرحلة الأقسى للاحتلال والاستيطان، بهدف العزل والسيطرة على الأراضى والفصل العنصرى وإبعاد أصحاب الأرض الأصليين وإبادتهم واستبدالهم بالمستوطنين الذين لا حق لهم فى ارض فلسطين.

هذه المشاركة هى ضد القانون الدولى وضد العدالة بمعناها الراقى الرفيع المستوى، وهنا يشير التقرير إلى المسئولية الأخلاقية والقانونية التى على الشركات والقطاع الخاص اجمالا، مُحملا إياها تبعات انتهاك تلك المسئولية سواء فى مرحلة الاحتلال والاستيطان والفصل العنصرى ثم أخيرا الإبادة الجماعية.

هذا الاستنتاج الذى ركز عليه التقرير يُعد إدانة غير مباشرة لحكومات تلك الشركات، والتى لم تمارس صلاحياتها فى منع الشركات التى تحمل جنسيتها من المشاركة فى إبادة شعب اعزل يطالب بحقوقه القومية والإنسانية، ويتمسك بحقه فى تقرير مصيره.

هذه النقطة تحديدا تفسر ذلك الغضب الأمريكى الذى تمثل فى فرض عقوبات على مفوضة أممية تمارس دورها وفق القانون الدولى، ولم تتجاوز فى سرد الحقائق وتوضيح المسئوليات وفقا للقانون الدولى، وتوضيح الأدوار لكل من الحكومات والشركات معا.
فاستنادا الى سابقة تاريخية تمثلت فيما يعرف بمحاكمة الصناعيين الالمان على دعمهم سياسات هتلر التى قادت الى الحرب العالمية الثانية، طالب التقرير بمحاكمة هؤلاء الذين يقدمون الدعم المباشر لجيش الاحتلال وجرائمه ضد الإنسانية فى غزة والضفة الغربية، قبل السابع من أكتوبر 23 إلى اللحظة الجارية. أو بمعنى أخر محاكمة كل التنفيذيين والمدراء لتلك الشركات التى تسهم بقوة وشراسة فى جرائم الإبادة والفصل العنصرى من اجل تحقيق الأرباح. ولما كانت معظم الشركات الواردة فى التقرير الاممى هى شركات أمريكية كبرى، يتضح حجم الشراكة الامريكية المباشرة، سواء القطاع الخاص او الرسمى الحكومى فى المأساة التى يعيشها الفلسطينيون، ويتربح منها الرأسماليون.

تقدم تلك الشركات كل شىء يدعم الاحتلال والابادة؛ معدات هندسية تجرف الاراضى الزراعية وتهدم المنازل، ومعلومات وتطبيقات ذكاء اصطناعى تُوظف فى توجيه الضربات للفلسطينيين العزل، وبنوك تدعم اقتصاد الاحتلال بالمعونات المباشرة وغير المباشرة، ومؤسسات إعلامية تروج للمستوطنات الصهيونية غير القانونية وغير الشرعية، وشركات أسلحة تقدم كل أنواع الأسلحة والطائرات والقذائف الغبية والذكية، القديم والجديد معا لتجريبه واقعيا، والتربح منه لاحقا بالبيع لآخرين. التأمل فى هكذا منظومة رأسمالية يكشف حجم الفساد الاخلاقى والقانونى لكل هؤلاء.

إن محاسبة هؤلاء الذين يتجاهلون العدالة ويشاركون فى استمرار الاحتلال الوحشى والابادة الجماعية هو الخطوة الأولى لتفكيك النظام العالمى الراهن القائم على الجشع والتربح من كل شيء بما فى ذلك القتل المباشر لشعب اعزل يتمسك بأرضه ويضحى بكل شيء من اجل البقاء بكرامة وعزة نفس.

وهى القيم التى لا تهتم بها حكومات الاستغلال وشركات التربح، ومن ثم يجب فضحها وتجريس القائمين عليها، ووضع لائحة سوداء لتعرف الأجيال الحالية وتلك المستقبلية من أفسد البشرية ومن يسعى لإصلاحها. ومرة ثانية، فشجاعة فراشيسكا وجراءة التقرير تمنحها الحق فى نوبل للسلام دون تردد.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية