تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

بعد قبول حركة حماس باقتراح الهدنة الأخير, وعدم وصول الرد الإسرائيلي بشكل رسمي - و إن خرجت تصريحات تفيد برفض إسرائيلي جزئي ومناورات سياسية - يبدو أننا ندور في حلقة مفرغة اتفاقات يعلن عنها ويتم العمل عليها وعند الوصول إلى حل تعيدنا إسرائيل إلى نقطة الصفر,

وهكذا،

تتحول كل صفقة عند العتبة الإسرائيلية إلى حلقة إضافية في مسلسل الخداع الإسرائيلي الذي يستخدم المفاوضات فقط لكسب الوقت لإكمال المشاريع التوسعية والاستيطانية. 

منذ بداية هذه الحرب روجت إسرائيل للرأي العام الدولي سردية مضللة مفادها أن الهدف هو تحرير غزة من حكم حماس وليس إعادة احتلالها و كرر نتنياهو أن إسرائيل لا تسعى لاحتلال القطاع وأن الحرب ستتوقف عند استسلام الحركة وإفراجها عن الأسرى والمحتجزين.

لكن الحقيقة أن الهدف الخفي لنتنياهو كان تدمير مقومات الحياة في غزة، والتهجيرالقسري لسكاني القطاع، وتنصيب سلطة تابعة لإسرائيل, وفي الأخير إعادة احتلال غزة, وعمل على هذا الهدف في سياق مؤامراتي دقيق عبر محطات من الخداع تتدارى وراء عناوين مرة إنسانية و مرة محاربة إرهاب حماس, منها مثلا حديثه أن خطته تتضمن إقامة إدارة مدنية جديدة في غزة بعد هزيمة حماس، شرط ألا تكون "حماس ستان" ولا "فتح ستان"بمعنى لا تكون تابعة لحركة حماس ولا للسلطة الفلسطينية, وهذا يعني عمليا احتلال غزة ولكن بصيغة مختلفة.

ميدانيا استهدفت إسرائيل المدنيين، والمستشفيات، والمدارس والأسواق بذريعة ملاحقة المقاومة، ونفذت تكتيكات خداع عسكرية جديدة تقوم على إبلاغ السكان بوجود "مناطق آمنة" ثم قصفها، والترويج لفتح "ممرات إنسانية" لا تلبث أن تتحول إلى مساحات مستهدفة, أو الدعوة إلى الإخلاء نحو الجنوب ليُكتشف لاحقا أن القصف يلاحق النازحين حيثما ذهبوا, و في الأيام الأخيرة، ومع الهجوم المدمر على حي الزيتون، برزت فكرة "مدينة الخيام" قرب رفح كخطة جديدة تُسوَق كإغاثة إنسانية، لكنها في الواقع تمهيد لتهجير جماعي منظم, حتى تحول حديث إسرائيل عن حماية المدنيين جزءا من أدوات الحرب نفسها.

استُخدمت إسرائيل سياسة الأرض المحروقة لإزالة أحياء كاملة، ومع تفاقم الدمار في غزة وتصاعد المظاهرات والانتقادات الدولية، وجدت إسرائيل نفسها معزولة, وتحت هذا الضغط، لجأت إلى خطوات شكلية كإعلان "هدن إنسانية" أو فتح ممرات آمنة، لكنها كثيرا ما قصفتها أو جعلت المرور عبرها شبه مستحيل, و صرح نتنياهو بأن هدفه إعادة رسم المشهد الديمغرافي لغزة بما يخدم مشروع "إسرائيل الكبرى"، وهو ما يتقاطع مباشرة مع خطة الخيام التي تهدف إلى حشر مئات الآلاف في الجنوب؛ تمهيدا لإفراغ الشمال والسيطرة عليه.

أكثر من مرة صرح نتنياهو بوضوح أن الحرب لن تنتهي قبل "هزيمة حماس" كاملة، والحقيقة أنه أول من يعلم أن موضوع القضاء على حماس هذا مجرد وهم لن يتحقق, لتتحول المفاوضات حول الهدن والمساعدات إلى أدوات تكتيكية وغطاء لانتزاع تنازلات لكسب الوقت وتخفيف الضغط، فيما يبقى الهدف الإستراتيجي ثابتا وهو مواصلة العمليات حتى تحقيق المشروع الإسرائيلي.

نتنياهو وجد في 7 أكتوبر 2023 ضالته المنشودة لتحقيق أهدافه الاستعمارية, فلم يكن معنيا منذ البداية بقضية الأسرى والمحتجزين واستخدمهم فقط  كورقة سياسية لا إنسانية وهذا النهج بات مكشوفا لدى عائلات الأسرى والمحتجزين التي اتهمت الحكومة بالتضحية بأبنائهم لحسابات سياسية, 

نتنياهو لم يكن معنيا بشيء غير نتنياهو, فرأى في استمرار الحرب تجميد الحياة السياسية الداخلية, وتأجيل المطالب بانتخابات مبكرة أو لجان تحقيق, وتعمد المماطلة والمراوغة لأسبابه الخاصة ومنها مثلا  تفادي المحاسبة على إخفاقات حكومته، والحفاظ على تماسك ائتلافه اليميني المتشدد الرافض أي تنازل، والسعي وراء صورة نصر عسكري قبل أي صفقة, و يحاول إقناع الإسرائيليين بأن التصعيد العسكري وحده كفيل بإعادة الأسرى والمحتجزين وتأمين المستقبل.

ليست هذه المرة الأولى التي نرى فيها نتنياهو يلوح باقتراب صفقة ثم يتراجع عنها في اللحظة الأخيرة , وليس هذا مستغربا على العقلية الإسرائيلية فمنذ عقود، استخدمت إسرائيل المفاوضات واتفاقيات السلام كواجهة دبلوماسية تخفي وراءها سياسات التوسع والتهجير على الأرض, ففي اتفاقية أوسلو 1993، وُعد الفلسطينيون بحق تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة بعد 5 سنوات، لكن على الأرض استغلت تل أبيب الاتفاق لتكريس الأمر الواقع ولا يزال مسلسل الخداع الإسرائيلي مستمرا في غزة. 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية