تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. حسام بدراوي > الجامعات.. بناة حضارة أم مقدمو خدمة؟

الجامعات.. بناة حضارة أم مقدمو خدمة؟

ما الأغراض التى ترجى من التعليم العالى فى أى أمة؟
... وماذا نطلب منه وله؟..

وقد يخيل لنا أن الأمور واضحة فى أذهان الجميع، وهى غير ذلك حتى فى أذهان بعض المتخصصين. إن التعليم العالى له منافع متعددة، تتجمع فى كونه قاطرة التنمية فى أى مجتمع.. فهو تعليم لا يأتى كرد فعل لحالة سوق العمل، أو نسب البطالة أو حال مهنة من المهن فى لحظة زمنية بعينها.. ولكنه هذا النوع من التعليم الذى يرسم ملامح المستقبل، ويبنى البشر القادرين على صنع التنمية وليس ملء فراغ الاحتياجات.. يبنى الإنسان صانع الفرصة ومحققها وليس فقط المستفيد منها.

 

يأتى دور التنوير فى التساؤل حول ما يحدث فى الجامعات ومؤسسات التعليم العالى فى العالم كله، هل نحن مقدمو خدمة تعليمية أم بناة حداثة وصانعو حضارة؟

التساؤل الخطير التالى هو كيف تموت الجامعات لتجنب احتضارها. تحتاج كل الجامعات إلى «التكاثر» و«الانتشار» و«التطور» فى ذات الوقت، كما أنها تحتاج إلى معرفة أسباب التغير أو أسباب التمسك بالتقاليد. ولكى يتسنى لها القيام بهذا عليها أن تتشكك فيما تم اكتسابه، وتختبر أيضا أنماط التفكير المختلفة الموجودة فى المجتمع.

كما أن على الجامعة أن تقوم بالمخاطرة بتقديم كل ما هو غير متوقع للمجتمعات التى تستسهل بقاء الأمر كما هو عليه، بل وتحارب التجديد والتغيير حفاظا على الواقع الذى تم التعود عليه حتى ولو كان منتقدا.

وتجسد الجامعات عمليات التغيير، حيث إن دورها فى المجتمع هو ابتكار الجديد واستيعابه، ونقل وصنع المعرفة، وتحقيق التناغم والتكيف ما بين المعرفة، وكيفية الحصول عليها واستخدامها فى وقتنا الحاضر، ومتطلبات المستقبل.

وبناءً على هذا فإن دور المؤسسات الأكاديمية يتأكد فى البحث والتدريس وتقديم العون لكل الأنشطة على أساس قدرتها على المعارضة (البعد الانتقادي) والموافقة (الحاجة إلى الالتزام). وظائف الجامعة: مرصد الماجنا كارتا يستخدم نموذجا لفهم كيف يمثل الإصلاح توازناً للاتساق والتطابق فى مجال التعليم العالي، فهو يفترض أنه فى كل مكان تحاول الجامعة تلبية أربعة أهداف ألا وهى الرفاهة والنظام والمعنى والحقيقة، ومن ثم تمثل هذه الأهداف مجتمعة سبب تأسيس ووجود هذه الجامعات.

فالجامعة تركز على رفاهة المجتمع إما بإعداد طلابها للتكامل البناء داخل سوق العمل، وذلك من خلال اكتساب المعرفة والمهارات التى تشكل أداة لإحراز التقدم وتحقيق التطور، وإما تنمية مجال البحث والابتكار لديها لتعزيز القوة الاقتصادية لأمة بعينها..

أما بخصوص النظام الاجتماعى فإن الجامعة، تساعد المجتمع كى يكون «مجتمعا متناسقا» تتبادل فيه المجموعات المختلفة المراجع وتجعل من العلم والمعرفة والمهارات الفنية أمراً ملائماً ومناسباً. وهذا يتطلب وضع المهارات ومجالات المعرفة المتصلة بالتكامل المدنى واستخدامها فى التدريس وتكييفها مع الاحتياجات الاجتماعية الحالية.

وكذلك يحدد التعليم العالى «مؤهلات» الأشخاص وتصبح شهادات التعليم العالى والدراسات العليا بأنواعها المختلفة جواز مرور هؤلاء إلى المناصب المحترمة ذات الرواتب المناسبة الموجودة على درجات السلم الاجتماعى المختلفة، فالجامعات أهم مصدر لتنظيم المؤهلات العليا. وتتناول الجامعة فى قضية المعني، مسلمات الحياة كما يعرفها المجتمع وتبحث فى وجهات النظر العالمية المختلفة، القديمة والجديدة، وتعيد النظر فى المراجع الفكرية المستقرة والمقبولة، وتعيد تنظيم البيانات وفقاً للمعايير الجديدة والمختلفة، سواء كانت فكرية أو أخلاقية أو جمالية.

ويكمن إثراء المعنى فى الإلمام الشامل والكامل لهذه المعارف ووجهات النظر المختلفة والتشكك فى المسلمات وإعادة تنظيم العالم كما نعرفه فى ضوء ذلك..ويترتب على هذا قدرة الجامعة على الإشارة إلى الإصلاحات الممكنة فى المجتمع، وهو ما يعتبر الأساس لأى نقلة حضارية تقوم بها الأمم.

وعند تناول الجامعة لمسألة البحث عن الحقيقة فإنها تستكشف المجهول بوصفه النظام الطبيعى الذى تُشكل الإنسانية جزءاً منه. ولا يكمن الهدف فى هذا محاولة هدم أسوار الجهل فحسب بل، للتساؤل العميق فى مدى فهم الإنسان للكون المحيط به. البحث عن الحقيقة يظل مدخلا أساسيا لوظيفة الجامعة.

وتعد عملية التحديث هى الوظيفة المنوطة بالجامعات فى المجتمعات النامية، كما تم إسنادها لهم فى كثير من الاقتصادات المتقدمة. ويشمل هذا الهدف الوظائف الأربع للجامعة كما جاء فى هذه المقالة، وحتى يتسنى لنا تعريف الحداثة وفهم مضامينها المؤدية إلى التغير الاجتماعى والتطور العلمى ينبغى للجامعات بوصفها من المؤسسات الضرورية للأمة ولبنة للتطور الثقافى للمنطقة أن تقوم بمسح البيئة التى تنشأ فيها، وأن تدرك تعقيدات التغيير المحتملة (وهذا يعنى الحرية الأكاديمية).

ويجب على الجامعات أن تضع رؤيتها تجاه التزاماتها نحو هذا التحول، وأن تحدد كيفية استخدام أصولها بأفضل السبل الممكنة (وهذا يعنى الاستقلالية المؤسسية). وعمليا يعنى ما تقدم تحديد الإستراتيجيات متوسطة الأمد والتى تؤدى بها إلى وضع سياسات مؤسسية يمكن اختبارها وقياسها والتثبت منها (ويفرض هذا توافر المساءلة).

تحدى الحاضر والمستقبل بملاحظه ما تفعله إدارة ترامب فى خلافها مع أفضل جامعات العالم، وفرض رؤيتها السياسية عليهم وما تفعله الحكومات فى العالم النامى من تدخل وتحكم فى الجامعات، فإن الجامعة المعاصرة تمرّ بمرحلة تحوّل جذرى بلغ حدّ تهديد وجودها الرمزي، إذ غيّر منطق السوق والقياس الكمى وعسكرة الإدارة وتدخل الحكومات ، بنية المؤسسة الجامعية، وأعاد تشكيل علاقة الأكاديمى بعمله، والجامعة بمجتمعها، والبحث العلمى بوظيفته.

وتعكس هذه الأزمة العالمية تصدعات مشابهة فى جامعات دول الشمال والجنوب، بما يجعل دراسة مستقبل الجامعة ضرورة معرفية وسياسية فى آن واحد .

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية