تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

بشارة الجزيرة الخضراء!

انشق فالق عميق فى أزمان غابرة، فاندفع طوفان من الماء، فظهر البحر الأحمر فاصلا بين إفريقيا وآسيا.
ولكن صخرتين ـ وسط البحر الأحمر ـ تركتا مجال الجيولوجيا والجغرافيا واقتحمتا تاريخ مصر الحديث وهما الجزيرة الخضراء وجزيرة شدوان. شهدت الجزيرتان الصغيرتان بصخورهما الحادة المدببة مشاهد عظمى تنتظر من يوثقها دراميا حتى تستقر حقائق اساسية فى عقل القادمين من شباب وشابات مصر.
فلقد اختارت إسرائيل أن تنقض على الجزيرة الخضراء الصغيرة يوم ١٩ يوليو ١٩٦٩، قبل أيام من خطاب جمال عبدالناصر التقليدى فى الثالث والعشرين من يوليو، حتى تهد القائد المصرى العنيد المهيب.
ثم مرة أخرى جزيرة شدوان فى يناير ١٩٧٠، فلقد كانت مصر قد مضت بعيدة فى عنادها وعناده، فلقد حاربت مصر كل يوم وفى أى مكان وفى أصعب الظروف منذ ١٩٦٧.كانت امام مصر عشرات المبررات لقبول مفهوم اللاسلم واللا حرب ولكنها رفضته بحسم قاطع طيلة حياته.
تُقَدِّم إسرائيلُ نفسها دوما للعالم على أنها دولة متقدمة عصرية عظيمة ذات كفاءة، وقدرات عسكرية ديناميكية ذاتية. ولكن الحقيقة هى أن إسرائيل كانت وما زالت جيبا عرقيا وثقافيا دخيلا فى الشرق الأوسط كما كانت جنوب إفريقيا.
وهكذا فلقد تم اختيار تاريخ غزو (الجزيرة الخضراء) بتدقيق وتنسيق مع حدث أمريكى كبير جدا ألا وهو رحله السفينة أبوللو ١١، وهبوط أول إنسان على سطح القمر..
وكانت العملية العسكرية ستتم بينما كانت عيون العالم وأجهزة إعلامه تتابع وتسمع وتشاهد الإنسان الأمريكى يضع أولى خطواته على القمر. وهكذا فلقد كان التفوق الإسرائيلى سيحظى بدعاية كونية بهبوطها هى الأخرى على الجزيرة الصغيرة.
ورغم أن المد ينصاع لجاذبية القمر تبعا لقوانين الفيزياء والفلك، إلا أن التاريخ ينصاع لإرادة الإنسان إن جد العزم وتحدد الهدف بدقة. فلقد كانت تلك الليلة ليلة للمصريين وليلة الرائد مجدى بشارة، وكانت كذلك ليلة البطل إبراهيم الرفاعى وليلة جمال عبد الناصر.
كانت الجزيرة الخضراء الصغيرة هى الأقرب فى المواقع المصرية لسيناء المحتلة، ولذلك كانت ذات مميزات كموقع استطلاع واستشعار، وكانت تحت قياده الجيش الثالث من الضفة الأخرى للقناة. كان لموقعها مناعة مميزة؛ فهى كتلة صخرية صغيرة لا تتجاوز الكيلومتر المربع وتظهر من الماء شبه عمودية فيصعب تسلقها. كان بها عدد قليل من القوات المصرية لا يتجاوز الـ ٦٠جنديا مع أسلحة محدودة.
أُرسلت مجموعة محدودة من جنود مصريين لدعم زملائهم على الجزيرة الصغيرة حينما تم رصد نية إسرائيل أن تباغت الجزيرة. لم يدرك الاستطلاع المصرى اتساع العملية وحجمها بداية، ففوجئت القوة الصغيرة بالمئات من القوات الخاصة والضفادع البشرية. استشهد أغلب المدد المصرى الذى رصدته إسرائيل وبقى الآخرون ومنهم مجدى بشارة متشبثين بموقعهم المرتفع، يقتنصون المتسللين على صخور الجزيرة بعد أن غاب عنهم عنصر المفاجأة. بدا أن الجزيرة الصغيرة لم تسقط ولكنها محاصرة وحيدة قبل ضوء فجر لم يهبط بعد عليها.
كان مجدى بشارة باسلا وسط تلك المعركة؛ فهو من التحق بزملائه المقاتلين وكان هو من عرض على قيادة الجيش الثالث أن تُدَكَّ الجزيرة كلها فقصفت مدفعية الجيش الثالث الجزيرة مما اضطر الإسرائيليين للانسحاب.
تهدمت المواقع المصرية كثمن لهذا النصر الأولى، وبقى وسط المشهد جنود مصريون يتحركون بعزم وإرادة كالأشباح وسط ضباب الجزيرة التى هربت القوات الخاصة الإسرائيلية منها. كان بين هؤلاء الجنود جندى مصرى انحبست يده تحت صخرة عملاقة وشقت بطنه فخرجت أمعاؤه، ولكنه بقى حيا، تدور عيونه وتتعلق بقائده مجدى بشارة الذى كان متحيرا؛ كيف ينقذ زميله؟.
ولكن نجاته أتت على يد مصرى آخر تجاوز كل حدود القدر والشجاعة، وهو (إبراهيم الرفاعي) الذى اخترق الحصار فى عمل جنونى بلنش بحرى سريع، قاده الرفاعى وحيدا فهبط على الجزيرة وحيدا وتسلق صخورها وحده ليلتقى ببشارة الذى يستشيره فيما يفعل فى الجندى (زكى عبده) على برزخ الموت؟ فما كان من الرفاعى إلا أن بتر يده وحمله معه عائدا، فيعيش ليلتقى ببشارة لاحقا يعانقه بذراعه الواحدة فى منزل بشارة ذاته ويزوره فيه لسنوات.
حسم المصريون وحولوا النصر النسبى إلى نصر مطلق فيما بقى من معركة يطاردون العدو بأسلحة وصفها الإسرائيليون بأنها مجرد (رشاش واحد). فلقد أطلق جندى مصرى معاند (الدرديري) رخات من مدفعه الرشاش على طائرة مقاتلة ميراج تغير على الجزيرة فأسقطها بعمل يشبه المعجزة، وأسقط آخرون قبله هليكوبتر إسرائيلية بجنودها وبمن اعتقدت أنها أنقذتهم.
التزم جنود مصر بالعهد الذى قطعوه على أنفسهم، فلم تفقد مصر أرضا جديدة وانضمت ذكرى الجزيرة الخضراء لبطولة رأس العش ثم شدوان بعدها. كانت حياة الرئيس عبد الناصر كلها ومجمل أنفاسه مرتبطة بجنوده، فكان يتابع تفاصيل كل المعارك لحظة بلحظة، يتسمع مخاطبات الجنود باللاسلكى فيحفظ أسماءهم ورتبهم.
وهكذا فلقد أصدر ناصر شكرا وترقية لجنوده وسط القتال المستعر.
أما مجدى بشارة فلقد أدى واجبه كما فعل مئات الآلاف من المصريين اثناء حرب الاستنزاف الوطنيه العظمى، كان مجدى بشاره جزءا من سبيكة وطنية مصرية تستعصى على الانقسام والهزيمة. إن بطولات المصريين حولنا فى كل مكان ولا تستدعى إلا أن تقدم بما يليق بها من إصرار وشرف.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية