تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

كأن شيئاً لم يكن

المنتصر هو من يكتب التاريخ، ليس هذا فحسب، بل انه هو من يفرض روايته على الجميع بحكم طبائع الاستبداد ومنطق موازين القوي.

بعد حرب ال ١٢ يوما التي خاضتها إيران من جانب وإسرائيل والولايات المتحدة الامريكية على الجانب الاخر، خرج ثلاثتهم يدعون الانتصار، كأنه المهزوم هو الذي لم يشارك فيها.

لكن شخص واحد فقط يمكنه فعليا ان ينسب لنفسه هذا الانتصار بكل اريحية، فهو الذي نجح من خلال هجوم هوليودي خاطف لا يتعدي الساعتين ودون ان تسيل قطرة دم امريكية ان يحسم الصراع ويأمر بعدها الطرفين الاخرين بالتوقف.. وهو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب..

وقد كان.

ولأنه رجل اعمال لا سياسة، لديه حسن استغلال الفرص، سعي ترامب استغلال هذا النصر المشكوك فيه - تقارير الاستخبارات الامريكية - وتحويله الي زخم وقوة فعل للاستفادة منه في بعض القضايا التي مازالت عالقة، منها انهاء الصراع في قطاع غزة، وإيجاد مخرج جديد لحل الدولتين يتوافق مع المعطيات الجديدة التي افرزتها احداث السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، بالإضافة الي توسيع الاتفاق الابراهيمي ليشمل دولا مثل السعودية وسورية، وهو حلم الرجل الذي بدأه في نهاية ولايته الاولي بالبيت الابيض.

ما حدث بعد ذلك..

كان استكمالا للطريقة الهوليودية التي اختارها الرئيس ترامب لانهاء الحرب مع إيران، والحديث هنا عن التغريدة التي تحولت الي صفقة وطوق نجاه.. وكأنها تجسيدا للمقولة التي قالها أحد ابطال رواية "الاخوة الأعداء" للكاتب الروسي الشهير فيودور دوستويفسكي: "إذا لم يكن الله موجود فكل شيئ مباح حتى أكبر الجرائم". 

فقد دعا ترامب إلى العفو عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإلغاء محاكمته بتهم الفساد، وقال في منشور على تروث سوشيال مدافعا عنه، وكتب ترامب: "نتنياهو يعيش مأساة.. هذه هي المرة الأولى التي يحاكم فيها رئيس وزراء إسرائيلي في منصبه.. انها قضية ذات دوافع سياسية تلك المتعلقة بالسيجار، ودمية باجز باني، والعديد من التهم غير العادلة الأخرى.. إنه يستحق أفضل من هذا بكثير، ويجب إلغاء محاكمة نتنياهو فورًا، أو منح عفو لبطل عظيم، لقد كانت أمريكا هي التي أنقذت إسرائيل، والآن ستكون هي التي ستنقذ نتنياهو".

واقامت التغريدة الدنيا ولم تقعدها في إسرائيل، واعتبرها الكثير من الكتاب والسياسيين والمفكرين تدخلا سافرا غير مسبوق من رئيس أمريكي في إجراءات قانونية لدولة -حليفة وديمقراطية- أخرى. الا انه مع الوقت بدت الصورة تتضح في شكل صفقة من تلك التي يفضلها الرئيس الأمريكي، يتم من خلالها منح نتنياهو قبلة الحياة وانقاذه من براثن محاكمة توصم كل تاريخيه او ما يوصف بانجازاته للدولة العبرية، مقابل تمريره لصيغة معدلة من خطة "حل الدولتين" بما يمنح ترامب سببا قويا لحصوله على جائزة "نوبل للسلام" أحد اهم آماله في فترة الأخيرة بالبيت الأبيض.

وبالفعل كشفت وسائل اعلام إسرائيلية عن وجود توافق داخلي في الآراء بشأن بعض المبادئ الأساسية لإنهاء حرب غزة. تتضمن انهاء الأعمال العدائية في غضون أسبوعين، ونقل إدارة القطاع لجهات إقليمية ودولية، لتحل محل قيادات حماس الذين سيتم نقلهم الي الخارج. الافراج عن الرهائن. السماح لدول باستقبال سكان غزة الذين يسعون إلى الهجرة.

انضمام سوريا ودول عربية وإسلامية أخرى الي الاتفاق الابراهيمي والاعتراف بإسرائيل والبدء في تطبيع اقتصادي وسياسي مع تل ابيب، وفي المقابل ستعلن إسرائيل عن استعدادها لحل الصراع الفلسطيني في المستقبل في ظل مفهوم "الدولتين"، فيما ستعترف واشنطن بالتطبيق المحدود للسيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية.

في اسرائىل يري الكثير منهم نتنياهو كبطل، فهو الذي سحق حزب الله في لبنان، ودمر قدرات الإيرانيين وكشف حقيقتهم، وقام بتفكيك كل اذرعتها التي سببت الكثير من الازعاج لهم، وهو على وشك الإطاحة بحركة حماس في قطاع غزة. وهناك شيء يجب أن نذكره لانه يربط بين الرجلين فيما آلت اليه الأمور في المنطقة: فنتنياهو، وترامب كان لهما الفضل في اقتراب الإيرانيين من صنع قنبلتهم النووية الاولي، وصحيح ان الاتفاق النووي الذي وقعته طهران سابقا مع الرئيس باراك أوباما، لم يكن مثاليا، وبه الكثير من العيوب، لكن بشهادة جميع منظمات الأممية والاستخبارات على مستوي العالم، بما في ذلك الموساد، فأن الإيرانيين طبقوا الاتفاق بصرامة لدرجة ابعدتهم سنوات عن انتاج القنبلة النووية.

وعندما وصل ترامب الي البيت الأبيض في فترته الاولي أقنعه نتنياهو بالانسحاب من الاتفاق، بالرغم من تحذيرات المؤسسات الأمنية في إسرائيل من خطورة الخطوة التي ستخلص الإيرانيون من القيود الدولية وتمنحهم الشرعية للتقدم نحو رفع معدلات تخصيب اليورانيوم وصولا لانتاج القنبلة النووية..

وهذا بالضبط ما حدث، لدرجة انه وقبل الهجوم الإسرائيلي، كان امام طهران ١٨ يوما لصنع قنبلتهم الاولي نتيجة تخلصهم من قيود الاتفاق النووي السابق منذ أكثر من ٤ سنوات.

ويبدو بالفعل أن هناك التزام بين ترامب ونتنياهو على تلك الصفقة التي تم دمجها مع تطورات الازمة الإيرانية واعتبار ان مفتاح أي مفاوضات مع النظام الإيراني مرهون بتغيير سلوكه في الإقليم وعدم تدخله في الشؤون الداخلية لدول الجوار، فضلا عن حرمانه من القدرة على تخصيب اليورانيوم للأغراض العسكرية.

الآن، ووفقا لتلك الصفقة، سينهي نتنياهو الحرب في غزة (لكنه سيفعل ذلك تدريجيا). وسيسعى إلى التوصل إلى اتفاق مع دول خليجية ومع لبنان وسوريا. ثم سيدعو إلى انتخابات مبكرة في إسرائيل، حتى يتمكن من تجديد شرعيته وغسل مواقفه السابقة طمعا في الحصول مع ترامب على جائزة نوبل للسلام.
عندها لن يتمكن أي نظام قضائي في إسرائيل من توجيه تهم او محاكمة الرجل الذي ينتقده العالم ويصفه بالسفاح لقتله الالاف من الأبرياء، وكأن شيئا لم يكن!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية