تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

ترامب وكينيدي

فتحت محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس السابق دونالد ترامب، فصلا جديدا مظلما في قصة العنف السياسي الأمريكي خلال واحدة من أكثر الفترات توترا في تاريخها الحديث.

فاستهداف رئيس سابق في تجمع انتخابي قبل أيام فقط من قبوله الترشيح الجمهوري هو بحكم التعريف، هجوم على الديمقراطية التاريخية التي صنعتها الامة الامريكية علي طول تاريخها.
قبيل تسليم منصبه للرئيس الجديد جون كينيدي، وكان هذا في يناير عام ١٩٦١ من القرن الماضي، اطلق الرئيس الأميركي الأسبق دوايت آيزنهاور تحذيرا هاما ما زالت أصداؤه تتردد الي اليوم وربما الي المستقبل البعيد في الخطاب الوداعي الي الامة الامريكية، حين حذر من خطورة وتأثير شركات صناعة السلاح علي الديمقراطية الامريكية والمصالح العليا للبلاد… الغريب ان جون كيندي ، كان هو نفسه اول رئيس امريكي يدفع حياته ثمنا لمعارضة " مجمع الصناعات العسكرية" الامريكية حينما قرر انهاء حرب فيتنام وقتل علي مرأي ومسمع الملايين المتابعين لزيارته لولاية دالاس علي شاشات التليفزيون..وتلك قصة اخري.

لكن ما شهدته أمريكا يوم السبت الماضي، من محاولة اغتيال الرئيس السابق والمرشح عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب، يجبرنا علي استحضار المقارنة بين الجريمتين، اذا اخذنا في الاعتبار ان ترامب ومنذ ولايته الاولي كان يرفض التوسع في القواعد العسكرية خارجيا، او الانخراط في أي حرب قد تفرض علي الولايات المتحدة، ووصل الامر الي إعادة النظر في الأموال التي تدفعها واشنطن في حلف الناتو.

وبعيدا عن نظريات المؤامرة التي لابد ان تجد طريقها لهذا الحدث الجلل، فان مقارنة استهداف ترامب خلال حملته الرئاسية شبيهة الي حد ما باغتيال المرشح الديمقراطي روبرت كينيدي في عام 1968، الذي شهد أيضا مقتل زعيم الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ، وقبلها بسنوات وتحديدا عام ١٩٦١ عندما تم اغتيال الرئيس جون كيندي في ولاية دلاس علي مرآي ومسمع من الملايين الذي تابعوا الحدث لحظة بلحظة علي شاشات التليفزيون. وبعدها العنف السياسي لم يتوقف منذ ذلك الحين.

هذا التطور الصادم الذي جري يوم السبت اضفي المزيد من الضبابية علي العام الانتخابي الجامح الذي لا يمكن التنبؤ به، كما انه جاء بعد أيام فقط من مناظرة كارثية أطاح فيها ترامب بمنافسه الرئيس جو بايدن وتركه يقاتل لإنقاذ ترشيحه مع تصاعد مطالب الديمقراطيين بالتنحي عن السباق الرئاسي.. ومع الحالة السياسية المستقطبة بشدة في الولايات المتحدة، فإن صدمة محاولة الاغتيال ستسبب حتما تداعيات سياسية خطيرة. فضلا عن ان  محاولة الاغتيال نفسها تنهي فترة 40 عاما افترض فيها الكثيرون أن خبرة أجهزة الامن الامريكية والخدمة السرية فيها قد قللت إلى حد كبير من احتمال حدوث مثل هذه الجرائم التي ستلقي بظلالها علي المشهد السياسي والاجتماعي لسنوات عديدة قادمة.
بايدن ومنذ توليه السلطة قبل اربع سنوات وضع ترامب هدفا له ، وساعدته وسائل اعلام مؤيدة للديمقراطيين في شيطنة ترامب ، وربما كان هو الرئيس الوحيد في تاريخ أمريكا الذي يتعرض لكل تلك الحملات التي كان اغلبها مدبر، بداية من تشجيع مؤيديه ،أنصاره علي احتلال مبني الكبيتول، ومرورا بقضايا جنسية وقضايا تهرب وغش تجاري، وانتهاءا بقضايا سياسية مثل احتفاظه بوثائق سرية في منزله.

وجاءت جريمة يوم السبت، وبالثبات الانفعالي لترامب اثناء محاولة الاغتيال الفاشلة التي تابعها العالم علي الهواء مباشرة، خلق منه بطلا قوميا وصورته كمقاتل يتعرض باستمرار للهجوم من أعدائه. في لحظة واحدة تمكن فيها من الحفاظ علي رباطة جأشه وهو يتعرض لموت محقق، حرص الرئيس السابق على وضع صورته كبطل في الوعي الجمعي الأمريكي بابداع عندما رفع قبضته وصرخ لمؤيديه "قاتلوا، قاتلوا"  وهو ينظر مباشرة إلى كاميرات التلفزيون والمصورين.وستظل هذه الصورة هي ايقونة توامب والحزب الجمهوري لسنوات قادمة.

بالفعل هناك تحقيقات جارية حول الجريمة، وبايدن اول من اعلن انه سيخفف من لغة خطابه ضد ترامب، بل انه اعتذر عن حديث سابق قال فيه :" اجعلوا ترامب في دائرة الهدف". لكن مع استمرار التحقيقات الفيدرالية، قال المحققون إنهم وجدوا جهاز إرسال عن بعد في جيب المشتبه به ربما كان يهدف إلى تشغيل جهازين مفجرين موجودين في سيارة المشتبه به وواحد في منزله.

تدور الأسئلة حول كيف تمكن شخص بالغ من العمر 20 عاما من الصعود دون أن يتم اكتشافه إلى السطح قرب منصة ترامب، والحصول على خط رؤية مباشر وإطلاق عدة رصاصات على الرئيس السابق. ويبقي دافع المهاجم لارتكاب الجريمة غير معلوم وسيظل غير معلوم لانه ببساطة قتل… وهذا الامر شيبه الي حد كبير ما حدث بعد اغتيال الرئيس جون كينيدي، علي يد هارفي اوزوالد، الذي قتل هو الاخر بعد اقل من ٤٨ ساعة وقبل استكمال التحقيقات علي يد مجرم سابق ، جاك روبي، الذي مات هو بعدها بطريقة مثيرة داخل محبسه.. هكذا تتوه الحقائق لتبقي الرواية التي يريدها صناع الحدث.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية