تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
كرة القدم.. ولعبة الأمم
انشغلت خلال الأسابيع الأخيرة بمتابعة السياسة الدولية والإقليمية كما هى العادة، بالإضافة إلى متابعة عدة نهائيات رائعة لمنافسات كرة القدم فى مصر والعالم. التنقل السريع بين قنوات الرياضة والأخبار؛ بين ليفربول وباريس سان جيرمان، وحرب أوكرانيا، ومقتلة غزة والحروب التجارية، وجولات الرئيس ترامب وتصريحاته، هيأ لى التفكير فى أوجه الشبه والاختلاف بين كرة القدم والسياسة الدولية.
مباريات الكرة تحكمها قوانين مكتوبة بعناية، يلتزم بها الجميع، وفيها حكام محترفون للتأكد من تطبيق القوانين بدقة.
فى بعض البلاد لا يجرى الالتزام الدقيق بقوانين كرة القدم مراعاة لجماعات مصالح وضغط الرأى العام، وفيها تكون كرة القدم شبيهة بالسياسة الدولية: مباراة بغير قوانين أو حكام.
اللاعبون الأقوياء على المسرح الدولى يكتبون قواعد اللعب وفقا لمصالحهم، ويتولون أيضا التحكيم وتطبيق القانون؛ بينما يرضى اللاعبون الصغار بالالتزام بالقواعد التى لا يكف الكبار عن تغييرها.
السياسة الخارجية مباراة لا تتوقف، فهى مستمرة طوال الوقت، بلا بداية أو نهاية.
لا يوجد فى السياسة الدولية صافرة حكم تعلن نهاية المباراة، فالجولة الجديدة تبدأ مباشرة من رحم الجولة السابقة.الانتصارات والهزائم فى السياسة الخارجية هى نتائج مؤقتة، لأن المباراة متواصلة. فى مباراة هذا حالها لا يصح الاستغراق فى الاحتفال، ولا إهدار الوقت فى البكاء على اللبن المسكوب. فالمطلوب دائما هو الاستعداد للمباراة التالية.
فى السياسة الخارجية لو دخل مرماك هدف فلن يمنحك أحد الفرصة للبدء ثانية من نقطة البداية. هذا يحدث فقط فى كرة القدم، أما فى السياسة الخارجية فعليك أن تكافح من أجل إخراج الكرة من مرماك، فالخصم يود لو أنها بقيت هناك إلى الأبد ولا تخرج منه أبدا.
كل دولة وكل فريق كرة يدخل المباراة ولديه خطة محددة، لكن ما أن تبدأ المباراة إلا وتتبدل الخطط، ويأخذ اللاعبون فى الاجتهاد. مهما تكن خطتك محكمة، فإن عدم اليقين هو الحالة الغالبة فى السياسة الخارجية، بالضبط كما هو الحال فى كرة القدم، فلا أحد يمكنه التنبؤ بنتيجة المباراة قبل صافرة النهاية.
فى السياسة الخارجية عليك أن تأخذ القرار حتى لو لم تكن متأكدا، لأنك انتظرت حتى تصل إلى اليقين التام، فعندها سيكون الوقت متأخرا جدا.
فى هذا شبه كبير مع مباريات الكرة، ففيها لاتستطيع الانتظار حتى يصبح زميلك أمام المرمى لتمرر له الكرة، فعندها سيكون متسللا. توقع تحركات الحلفاء والخصوم، وتصرف على أساس توقعك.
خذ القرار حتى لو كنت غير متأكد تماما، فهذا أفضل من التأخر فى اتخاذ القرار لأنه عندها سيكون بغير فائدة.
التحركات بدون كرة هى من أهم ما يميز اللاعب الموهوب، الذى يشغل المربع الخالى، يتلقى فيه الكرة، ويبدأ الهجمة من هناك. يحدث شيء من هذا فى السياسة الدولية، فبعض الدول تختار احتلال مربع التنمية الاقتصادية، بعضها الآخر يحتل مربع محاربة الاستعمار، بينما آخرون يحتلون مربع حقوق الإنسان والديمقراطية.
المهم أن يكون المربع المختارمركزيا واستراتيجيا وعليه طلب، لا أن يكون خاليا، لا يريد أحد الوقوف فيه، فالكرة لا تصل إلى المربع المهجور أبدا. كلما اختار اللاعب مربعا فى القلب وقريبا من الهدف، كان أفضل.
لاعب كرة القدم الماهر يفوز بالجوائز الفردية، فإلى النجوم تذهب جوائز أحسن هداف أو أحسن صانع لعب، وجوائز كثيرة أخرى. يدرك اللاعب الموهوب أنه يلعب ضمن فريق. نادرا ما فاز لاعب فى ناد مغمور بجائزة فردية كبرى، فموهبة اللاعب لا تظهر إلا ضمن فريق ممتاز، والفرق الناجحة تتسابق للفوز بخدمات اللاعبين المهرة.
اللاعب الموهوب يلعب لاقتناص الألقاب الفردية، لكنه يوظف مهاراته لمصلحة الفريق. كذلك هى السياسة الخارجية. لاعب السياسة الخارجية الماهر ينضم لفريق، أو حلف، قوي؛ أو يشكل فريقه بنفسه. المهم هو أن يكون ضمن فريق، رغم أن بعض أعضاء الفريق سيحسدونه على النجاح الزائد.
السياسة الدولية هى عدة دوريات إقليمية تجرى وقائعها فى الوقت نفسه.
المباريات فى هذه الدوريات الإقليمية لا تجرى وقائعها واحدة بعد الأخرى، وإنما تجرى جميعها فى الوقت نفسه. اللاعب الماهر يحافظ على مستوى الأداء نفسه رغم تعدد المباريات التى يشارك فيها.
قد يكون من الضرورى أحيانا ترتيب الأولويات، فيلعب بعض المباريات باللاعبين الاحتياطيين، أو يقرر الانسحاب من بعض المسابقات تماما، من أجل التركيز على البطولة والجائرة الكبرى.
لأنه لا توجد صافرة حكم تنهى مباراة السياسة الخارجية، فإن أهم ما يجب أن يحرص عليه اللاعب فى مباراة السياسة الخارجية الممتدة هو أن يبقى قادرا على اللعب طوال الوقت، وأن يكون لديه ما يكفى من الطاقة واللياقة وتشجيع الجماهير لمواصلة اللعب.
أسوأ ما يمكن أن يحدث للاعب السياسة الخارجية هو التحول إلى متفرج. لا يوجد مقاعد متفرجين فى السياسة الدولية، لكن بعض اللاعبين يتفرجون وهم يقفون على أرضية الملعب، بعد أن تنفد منهم الطاقة واللياقة. سيحاول الخصوم إرسالك إلى مقاعد المتفرجين، وعلى إبقائك هناك أطول وقت ممكن، فاحرمهم من هذا. فرصة الكسب تظل قائمة مادام اللاعب موجودا على أرض الملعب.يتبدد الأمل فى الفوز فقط عندما يتوقف اللاعب عن اللعب؛ فاحرص على توفير ما يكفى من الطاقة لمواصلة اللعب.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية