تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

أترك مؤقتا اعترافاتى لأعلق على التحدى الذى تواجهه أوروبا منذ وصول الرئيس ترامب إلى سدة الحكم فى واشنطن، وأشير بداية إلى أننى كتبت هذا المقال يوم السبت أى قبل القمة الأوروبية المقررعقدهاالأحد فى لندن، وبما أن الرئيس ترامب فاجىء العالم يوميا منذ بداية ولايته الثانية قد يكون حديثى «خارج الموضوع» تماما عندما يتم نشره.

بداية وقبل الخوض فى قضايا السياسة العليا علينا ألا نقلل من جسامة ما حدث يوم الجمعة فى البيت الأبيض، عندما تعمد الرئيس الأمريكى ونائبه وسيناتور وصحفى ينتميان إلى معسكرهما إهانة الرئيس الأوكرانى بطريقة غير مسبوقة، فيما بدا أنه تنمر تم التخطيط له قبل بداية المحادثات، قيل لرئيس دولة هو حليف تكافح بلده للبقاء على قيد الحياة ومستقلة وخسرت من أجل هذا مئات الآلاف من أبنائها فى مواجهة دولة لا تعترف لها لا بحقها فى الاستقلال ولا غالبا فى الوجود، قيل له إن لبسه غير مناسب، وإن كلامه دعائى، وإن عليه التوقيع صاغرا على عقد يتيح للولايات المتحدة استغلال ثروات بلاده وأن يقبل فورا بوقف إطلاق النار، وأن يكف عن المطالبة بضمانات وبدعم، وأنه لا يملك أوراقا ولا رجالا يسمحون له بالكلام، وأنه قليل الأدب لأنه لم يشكر الرئيس الأمريكى الذى يواصل شتيمته منذ سنوات، ويتهم بلاده بأنها التى بدأت الحرب، ويكرر مقولات يعلم أى متابع للملف كم هى كاذبة.

أتمنى أن يشاهد الشباب مرات ومرات ما حدث، ليعرف ما هو الاستعمار، وليعرف أهمية المعركة التى خاضها أجيال وأجيال من آبائنا وأجدادنا، وليدرك ضرورة وجود قوات مسلحة تجبر كل فاعل على احترام نفسه وبلدنا، وفى المقابل لا أريده يتصور أن كل الغربيين على مذهب الفريق الذى عبر عن نفسه فى هذا المشهد، وأطالبه بعدم الاستماع إلى من يقول إن أى غربى يتكلم عن القيم الإنسانية وعن الإنسانية المشتركة كاذب. أثار المشهد استياء الملايين فى أوروبا وفى الولايات المتحدة.

سيكون لهذا المشهد تبعات على مبدأ المفاوضات وعلى كيفية إدارتها وعلى أسلوب التعامل مع الإدارة الأمريكية الحالية، وعلى كيفية عرض حججنا، أتصور أن الكل سيجد نفسه مضطرا إما إلى تفادى واشنطن، وإما الذهاب إلى المفاوضات ومعه أعصاب فولاذية وجزرة أضخم بكثير وعصا أغلظ بكثير، وعلى من يتحاور مع هذه الإدارة أن يجد حليفا أو على الأقل أذنا متفهمة فى مجتمع الأعمال الأمريكى، وليس فقط فى الكونجرس وفى الأوساط الأكاديمية، وقد يكون تطوير العلاقات مع قادة ودول يتمتعون بعلاقة جيدة مع الإدارة الأمريكية أمرا مطلوبا.

وسيلحق هذا المشهد ضررا غير مسبوق بمصداقية القيادة الحالية للولايات المتحدة، وربما على الولايات المتحدة نفسها.

من المبكر جدا تحديد ما إذا كان هذا المشهد خطأ غير مقصود وإن كنت أستبعد هذا، أم إنذارا للكل، أو تتويجا لعملية التخلى عن أوكرانيا وربما عن أوروبا، أم ابتزازا مفضوحا سيعقبه مزيد من الابتزاز الهادف إلى تقليل النفقات وتعظيم الربح من منظومة التحالفات التى تقودها أمريكا. ما نعرفه أن كل الدول الأوروبية – بما فيها ألمانيا وربما باستثناء المملكة المتحدة - تعتقد أن الولايات المتحدة قررت أن تتخلى عن أوروبا، وأن تتعامل معها إما على أساس أنها منافس تجارى مزعج، أو مستعمرة يجب إخضاعها، أو زبون تجب سرقته، أو اتحاد هش يجب تفكيكه، أو مجموعة أنظمة سياسية لم تعد ديمقراطية وسيتم تغييرها. وقد يكون هذا الاعتقاد خاطئا.

ننحى جانبا التكهنات حول دوافع الإدارة الامريكية على أهميتها لنذكر على عجالة الملفات الخلافية، هذه الإدارة ترى أن ملف أوكرانيا ومصيرها لا يهمان، وأنه أرهق الميزانية الأمريكية، ومنع التقارب مع روسيا ورمى موسكو فى أحضان بكين العدو الحقيقى والخطير، كل هذا كلام فارغ فى نظرى، لأسباب قد أعرض لها فى مقال لاحق، مكتفيا بالقول إن موسكو لن تنفصل عن الصين من أجل عيون واشنطن، ما يهم هنا هو أن مصير أوكرانيا مسألة وجودية بالنسبة لأوروبا.

الملف الآخر هو أمنى دفاعى، تتهم واشنطن الدول الأوروبية بأنها راكب لا يدفع التذكرة، أهمل جيوشه طوال ثلاثة عقود وأكثر، مفضلا الاعتماد على مال ودم الأمريكيين، وهذا الاتهام فى محله، لا سيما فيما يخص ألمانيا، ولكنه ظالم لعدد من الدول، أهمها بولندا وفنلندا. ولكن أغلب الدول الأوروبية استيقظ مؤخرا، وكثف من شراء أسلحة أمريكية، وعلى العموم ستظل أوروبا عاجزة عن الدفاع عن نفسها دون دعم أمريكى قبل 2035 على أحسن تقدير.

الملف الثالث اقتصادى يتعلق بالميزان التجارى، وبمنع استيراد بعض السلع والمنتجات الأمريكية، وبتعامل الاتحاد مع بعض الشركات الأمريكية العملاقة، ولأوروبا مآخذها على الولايات المتحدة، منها قيام واشنطن بإصدار تشريعات من شأنها دفع الشركات الأوروبية على ترك بلادها الأصلية للتجذر فى أمريكا، ومنهامنح القوانين الأمريكية ولاية قضائية عالمية، مما يسمح بتوقيع عقوبات قاسية على شركات أوروبية لتصرفات لم تتم على الأراضى الأمريكية، ومنها استخفاف الإدارات الجمهورية بملفات التحول البيئى.

الملف الرابع هو الموقف من الأحزاب الشعبوية، لا سيما تلك المحسوبة على أقصى اليمين، ومن حرية التعبير، وهنا تحديدا لموقف كل الأطراف جانب من الصواب وجانب من الخطأ والعوار. فى هذا الملف تحديدا أغلب الاتهامات المتبادلة فى محلها، وقد أعود إلى هذه النقطة.

السؤال... هل تستطيع أوروبا النهوض والصمود؟

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية