تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

وقفة مع الصديق

أستعير هذا العنوان من الرئيس الراحل السادات، قال ذلك فى بداية السبعينيات من القرن الماضى بعد وصوله للسلطة بفترة بسيطة وكثرة الخلافات مع الاتحاد السوفيتى، خاصة فيما يتعلق بتوريد السلاح استعدادا لحرب أكتوبر، حاليا الوقت بالطبع مختلف، وكذلك الدولة، «الصديق» الذى أقصده هنا هو الولايات المتحدة، وخاصة رئيسها دونالد ترامب، الذى يقترح الآن بعد اجتماعه مع مجموعة الدول العربية الإسلامية فى نيويورك على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة خطة من 21 بندا لوقف الحرب وبناء غزة، تأتى هذه الخطة فورا بعد هجومه على حلفائه مثل فرنسا، أستراليا، كندا، وبريطانيا الذين قرروا، إعلان اعترافهم بالدولة الفلسطينية مع بعض الشروط، وهم بذلك جزء من نحو 145 دولة اتخذوا هذه الخطوة، بل إن السياسة التقليدية للولايات المتحدة نفسها هى قبول الدولتين كحل للصراع الفلسطينى ـ الإسرائيلى، يتنكر ترامب فقط للموقف الأمريكى التقليدى، بل يبرر موقفه بالموافقة مع منطق نيتانياهو، بل ترديد كلمات هذا الأخير حرفيا : اعتراف حلفائه الغربيين بالدولة الفلسطينية ما هو إلا مكافأة لمنظمة حماس الإرهابية، وفى الحقيقة، ومع الاختلاف فى اللغة فقط، فإن التأييد الأمريكى الكامل لإسرائيل نمط معروف، كما يدل على ذلك الفيتو الأمريكى الأسبوع الماضى ضد مشروع قرار فى مجلس الأمن لوقف إطلاق النار فى غزة، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين قدمته عشر دول من بينها دول غربية مثل الدنمارك، وكانت أمريكا الدولة الوحيدة التى أوقفت القرار، وهذا هو الفيتو الأمريكى السادس منذ بداية حرب غزة منذ عامين، يقبل ترامب العزلة الدولية المتزايدة مع مجرى الحرب فى إسرائيل ثم يقدم نفسه وسيطا لإنهاء هذه الحرب! لماذا إذن؟ بداية يجب أن نتذكر أن هذا الرئيس يغير رأيه بسهولة! وفى الكثير من الأحيان من النقيض إلى النقيض، ولنتذكر مثلا أنه منذ عدة شهور فى أثناء استقباله رئيس أوكرانيا فى البيت الأبيض مسح به الأرض علنا مجافيا أبسط قواعد الدبلوماسية، وقال له إنه يجب ألا يتوقع أن روسيا ستترك كل الأراضى التى استولت عليها منذ بداية الحرب، وإنه يجب أن يقبل أن التنازل عن بعض هذه الأراضى قد يكون ثمنا للسلام،ثم استمر فى التعبير عن الود والصداقة فى لقائه مع الرئيس الروسى بوتين، ولكن فى اجتماعه مع الزعيم الأوكرانى فى الأسبوع الماضى، أعلن أن من حق أوكرانيا أن تستعيد كل أراضيها، وأن روسيا ما هى إلا «نمر من ورق»، هذا التناقض فى سلوك هذا الرجل قد يصيبنا نحن أيضا، ولذلك وجب الحذر الشديد، وبداية يجب أن نعرف بدقة لماذا ينقلب موقفه الآن، ويقدم خطته لإنهاء حرب غزة؟ فى المقام الأول يجب تشجيعه على تقديم هذه الخطة رسميا التى صاغها رئيس الوزراء البريطانى السابق تونى بلير وزوج ابنة ترامب كوشنر الذى يفتخر بتقديمه الاتفاقات الإبراهيمية، وكلاهما يقوم بمشروعات اقتصادية مشتركة مع دول الخليج، من الناحية الاستراتيجية التشجيع الغربى سيغرى ترامب بالتباعد بعض الشىء عن التأييد المطلق للحكومة الإسرائيلية الحالية، وهو الوحيد الذى يقوم بدعمها سياسيا واقتصاديا وعسكريا، ولكن هذه الناحية الإستراتيجية هى البداية فقط لأننا يجب أن ندرس بنود هذه الخطة بعمق، والتعرف على هدف ترامب، أعتقد أن الهدف الأساسى هو رغبته فى التميز العالمى عن طريق الترشيح لنيل جائزة نوبل للسلام، وقد رشحه لهذه الجائزة صديقه مجرم الحرب نيتانياهو، ووجود مثل هذا الشخص امتهان لأهداف هذه الجائزة العالمية، ومع ذلك هذا لم يمنع تقدير ترامب هذه المبادرة، وكما نعرف فإنه فى خطابه فى الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضى قام بالدعاية لنفسه على هذا المستوى.

 

وأعلن أنه نجح فى إنهاء ستة صراعات من الهند وباكستان إلى مصر وإثيوبيا، وهو مجرد كذب صريح، وأضاف أنه نجح فى هذه المعجزات، بينما الأمم المتحدة عجزت عن هذا، بل تنتقل من فشل إلى فشل وتبدد الأموال، فعلا هناك اخفاقات فى عمل الأمم المتحدة خلال الثمانين عاما هذه من تاريخها، خاصة مع الأموال التى تبذلها ومستوى رواتب العاملين بها، ولكن هذا لا يعنى بالمرة أن ترامب يقول الحقيقة عن قدرته فى إنهاء الصراعات، وهو فى هذا يستمع إلى زوج ابنته كوشنر وإنجازه الاتفاقيات الإبراهيمية، ولنا فى الحرب الدائرة فى غزة الآن أكبر دليل على أن هذه الاتفاقيات عالجت جزءا فقط من الصراع العربى - الإسرائيلى، ولكن لم تتعرض لأساسه الفلسطينى،

كما أن كلام ترامب عن إنهاء الصراع بين إثيوبيا، ومصر حول سد النهضة مجرد افتراء على أبسط الحقائق، بل اننا نعرف أن هذا الصراع هو فى الحقيقة يستمر ويتصاعد، ورغم أكاذيب وأوهام ترامب هذه، فإنه من الممكن من الناحية الاستراتيحية أن يستغل العالمان العربى والإسلامى رغبته هذه فى أن يقدم نفسه للعالم كرجل سلام، ويتم إبعاده عن إسرائيل، وتقليل دعمه لها، بل وتشجيعه على تطوير خطته للسلام فى غزة ثم مناقشتها بندا بندا.

فإلى اللقاء إذن فى المقال القادم

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية