تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

هذا العمدة.. وتلك الأخطار

تقول محررة جريدة النيويورك تايمز فى مقالتها الافتتاحية يوم الخميس الماضى إن تليفونها لم يصمت، ولم تتوقف الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعى المتعددة التى تستعملها، وهذه الاتصالات لم تأت من الداخل الأمريكى فقط، بل من أوروبا وأمريكا اللاتينية، بل إن صديقا من جنوب إفريقيا قال لها إن الشارع هناك لا يكف الكلام عن زهران ممدانى وفوزه فى انتخابات العمودية فى نيويورك يوم الثلاثاء الماضى، بل إن صديقا ألمانيا للكاتبة صور لها لمانشيتات كبرى الصحف الألمانية غداة الانتخابات، وهى تتصدر خبر فوز ممدانى، فى الحقيقة لم أندهش من هذا الاهتمام، فأثناء انتخابات هذا الثلاثاء 4 نوفمبر، تصادف وجودى بالقرب من نيويورك، ووجدت نفسى مشدودا للتليفزيون والراديو أتابع التصويت ساعة بساعة تقريبا، هناك سبب شخصى نوعا ما، فمنذ عدة سنوات قابلت فى مؤتمر علمى د. محمود ممدانى ـ والد زهران ـ وهو أستاذ متميز فى قسم العلوم السياسية والانثروبولوجيا فى جامعة كولومبيا العريقة، وعرفت منه أنه مسلم من الهند، ولكن عاش معظم حياته فى إفريقيا، وخاصة أوغندا، فى هذا الوقت كان ابنه زهران ـ عمدة نيويورك المقبل ـ لايزال صبيا، اهتمامى وتوافقى الشخصى نعم، ثم له أسبابه، كما ذكرت أعلاه، ولكن لماذا هذا الاهتمام بفوز زهران، وما هو إلا مجرد عمدة لمدينة أمريكية، صحيح أن مدينة نيويورك من أشهر المدن العالمية، فهى مقر الأمم المتحدة، كما أنها من كبرى المدن الأمريكية، بل إنها تعرف عادة «بالتفاحة الكبيرة big apple» وهى عاصمة المال، والذى جمع فيها ترامب أكبر ثرواته العقارية، كما يرمز إلى ذلك «برج ترامب» الشاهق فى أكبر أحيائها، كما أنها بالنسبة لنا فى هذه المنطقة أكبر مدينة لليهود خارج إسرائيل، نستطيع الاسترسال عن خصائص نيويورك المدينة هذه، ولكن يبقى السؤال : لماذا لم نهتم هكذا بانتخابات العمودية فى نيويورك قبل ذلك، وعلى العكس تماما مما يحدث الآن؟ بل والآن يشاركنا العالم هذا الاهتمام الكبير؟ الإجابة باختصار ليس فقط شخصية زهران ممدانى، بل أيضا، وهذا هو الأهم ما يرمز إليه، وفى ثلاث سمات رئيسية على الأقل : ـ

 

أولا الجيل الذى يمثله: فهو يبلغ من العمر 34 عاما أصغر عمدة يتم اختياره فى نيويورك منذ أكثر من قرن، هو إذن جيل التليفون المحمول، ووسائل التواصل الاجتماعى الحديثة الذى اعتمد عليها كثيرا فى حملته الانتخابية.

ثانيا : يمثل المهاجرين لأمريكا، فقد ولد فى الهند وعاش معظم حياته فى إفريقيا خاصة أوغندا، وتعرضت أسرته لمثالب الديكتاتور عيدى أمين الذى طارد الآسيويين فى بلاده، واضطرت الأسرة للهرب والتشرد بين جنوب إفريقيا، وتنزانيا، ثم عادت الأسرة لأوغندا بعد الانقلاب العسكرى الذى أطاح بالدكتاتور، وهناك قصة تقول إنه عندما كان زهران فى المدرسة الإبتدائية فى كمبالا عاصمة أوغندا، طلب أحد المدرسين من التلاميذ الهنود أن يرفعوا أيديهم، ولكن زهران رفض وأصر على أنه من إفريقيا، ولنقل إذن إنه خليط من هذا الجنوب العالمى الذى عانى أيضا التفرقة العنصرية،

ثالثا : هو مسلم، وفى الحقيقة زوجته من أصول سورية، وقد يشرح هذا معرفته بتفاصيل القضية الفلسطينية، والظلم الواقع على هذا الشعب، وقد أعلن أكثر من مرة أثناء حملته الانتخابية أنه يدين الإبادة الجماعية التى تقوم بها الحكومة الحالية فى إسرائيل، وأعتقد أن هذا التعاطف لا يرجع إلى الديانة فقط، بل إلى توجهه السياسى عامة، فهو يعرف نفسه أنه اشتراكى ـ ديمقراطى، وأن هدفه جعل الحياة ميسورة لعامة الشعب، خاصة الفقراء منهم، وذلك عن طريق وسائل مواصلات مجانية ومراكز رعاية للأطفال منخفضة التكاليف إن لم تكن مجانية، ومحلات بقالة تابعة للحكومة تبيع بضائعها بأسعار متهاودة، ثم زيادة الضرائب على الأغنياء، وكبرى الشركات لتمويل مشاريعه الاجتماعية هذه.

وهنا فى الحقيقة يكمن الخطر على زهران، لأن المعادين له يعملون بالفعل ضده، ويقومون بالحشد والتربص، سواء كانوا من السياسيين، أو من الرأسماليين وكبار رجال الأعمال، وبالطبع بالإضافة إلى اللوبى الصهيونى القوى الذى يتخذ من نيويورك مقرا له، فقد اتهمه ترامب صراحة بأنه عدو أمريكا لأنه «شيوعى»، وأن انتخابه هو انتقاص لسيادة أمريكا، وبالطبع يروج اللوبى الصهيونى التهمة الجاهزة دائما، وهى أن أى انتقاد لسياسة إسرائيل ما هو إلا جريمة معاداة السامية... وطبعا البقية تأتى، حيث سيقوم رجال الأعمال بالامتناع عن إتاحة الموارد المالية اللازمة لتنفيذ سياساته الاجتماعية، بل قد يهددون بمغادرة نيويورك نفسها حتى لا يحصل على الموارد المالية عن طريق الضرائب ـ بل سيكون هناك تجنيد للإعلام من هذه الجماعات القوية لتضخيم كل هفوة، وربط أى تطور سلبى ـ متعمد أو تلقائى ـ مثل ارتفاع معدلات العنف فى مدينة الجريمة بأنه نتيجة لوجود زهران كعمدة.

فى رأيى أن إحدى خطوات هذا العمدة الجديد، والتى قد تنقصه «التجربة»، وهو الاتصال والتواصل مع عمدة مدينة كبيرة أيضا، لندن، وهو كذلك من أصول إسلامية مهاجرة، صادق خان، الذى سخر منه ترامب عند زيارته الأخيرة لبريطانيا، التواصل ومشاركة التجارب قد تكون وسيلة لاكتشاف المخاطر المقبلة والاستعداد لمواجهتها، وقد يكون أكثر ما يحتاجه هذا العمدة الشاب للقيام بعمله على خير وجه وضمان المصداقية للرموز المتعددة التى يمثلها هو الفاعلية والنجاح فى عمله، ويثبت أن الوصول إلى عمودية نيويورك ليست نهاية الطريق، بل حقيقة بدايته.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية