تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. بهجت قرنى > عن المعلومة وحيرة الإبلاغ بها

عن المعلومة وحيرة الإبلاغ بها

حتى قبل ظهور هوجة الذكاء الاصطناعى، كان يتم التذكرة أننا فى عصر المعلومات، وبالتالى أهمية الاستناد إلى المعلومات هذه فى اتخاذ أى قرار مهنى أو شخصى، وفعلا قامت العديد من الجامعات، بما فيها الجامعة الأمريكية فى القاهرة، بتطوير أهمية المعلومة والاعتماد عليها بإنشاء قسم خاص بـ data analysis بل يطلب من جميع الطلاب - مهما كان تخصصهم - حضور الكورس الأساسى فى هذا البرنامج.

 

هذه المقدمة ضرورية لشرح معضلة نقابلها جميعا وغالبا: وهى تقديم خبر سيئ، فمن ناحية يشعر بعضنا بالتمزق بين أن يكون أمينا مع الأهل والأصدقاء، ويقول كل الأخبار، عندما يكون هناك ضرورة الاستعداد للتعامل معها حتى لا يؤخد على غرة. من الناحية الأخرى، نرغب فى تجنب إثارة القلق، وأن نخلق «النكد»، أو كما يقول التعبير الشعبى «ما تبشرش» أو «ما تفولش» - التعبير الإنجليزى واضح فى هذا الصدد kill the messenger والذى يمكن ترجمته إلى العربية بالتعبير الدارج «ما شتمك إلا اللى بيبلغك»، وهو ما قد يؤدى فى النهاية إلى عدم نقل الأخبار المطلوبة ثم نفاجأ بها، أتذكر فى هذا الصدد قصة خاصة من الراحل السفير تحسين بشير الذى كان فى بداية سبعينيات القرن الماضى المتحدث الرسمى باسم الحكومة أيام عبدالناصر، وخاصة السادات، وقد كان جزءا مهما من عمله استعراض ما تقوله الصحافة العربية والعالمية عن مصر والرئيس ليكون على علم بالرأى العام العالمى، ولكن بعض زملائه فى مكتب الرئيس السادات كانوا يتهمونه بالنكد و«عكننة» الرئيس، لأنه يضع فى تقريره الأخبار السيئة، أى كان المطلوب أن يكون انتقائيا فى الأخبار العالمية، ويركز على الأخبار الطيبة، بل أساسا الثناء على الرئيس، وهو ما كان يعتبر مثل هذا الانتقاء والتقرير الجزئى عدم أمانة بل تضليلا.

أقول كل هذا لأننى يجب أن أتكلم عن حرب محتملة، وأتمنى ألا تحدث، وهى بين العملاقين أمريكا والصين بخصوص دولة تايوان، وهى جزيرة مستقلة حاليا، لكنها تاريخيا جزء من الصين، الحرب فى هذه الحالة تتعدى بكثير حرب أوكرانيا المدمرة أو حرب الإبادة فى غزة بسبب هذين العاملين على الأقل، حجم هذين العملاقين ثم موضوع الخلاف الذى قد يؤدى إلى التصادم العسكرى المحتمل، هناك بالطبع تفاوت فى مقدرات هذين العملاقين أساسا فى النواحى التى تهمنا فى هذا الصدد: أى النواحى الاقتصادية والعسكرية، مثلا يزيد الناتج القومى الإجمالى الأمريكى أكثر من النصف على الصينى: 28 تريليون دولار مقارنة بـ 18 تريليونا، ولكن هذا الناتج الاجمالى الصينى هو 9 أضعاف الناتج الاجمالى الروسى، ومن الناحية العسكرية هناك أيضا التفاوت الأمريكى الصينى، فالإنفاق العسكرى الأمريكى، وخاصة سيطرتها على 800 قاعدة عسكرية فى أنحاء العالم هو أربعة أضعاف الصينى (900 مليار دولار مقارنة بـ 230 مليارا)، ولكن هذا الإنفاق الصينى هو ثلاث مرات ونصف ضعف الروسى «230 مليار دولار مقارنة بـ 90 مليارا»، وصحيح أيضا أن الولايات المتحدة لاتزال القوة التكنولوجية الأولى، ولكن الصين تلحق بها فى العديد من المجالات، وفعلا أكثر المؤشرات وضوحا بالنسبة لقوة الصين الصاعدة هو حجم جيشها الذى يفوق عدد كل من أمريكا وروسيا مجتمعين.

نحن إذن أمام عمالقة بمعنى الكلمة، وسيكون الصدام العسكرى بينهما كارثة فعلية للعالم ككل، خاصة إذا كان موضوع الصراع هو ما يسمى علاقة صفرية zero sum أى «يا إما أنا أو إنت» دون مجال للحل الوسط، وهو الوضع، فيما يخص دولة تايوان، خاصة من جانب الصين التى تستند إلى التاريخ فى إصرارها على أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها، وفى الحقيقة تتسق بكين مع نفسها فى مثل هذا الإصرار منذ نجاح الثورة الشيوعية فى الصين فى سنة 1949 وهروب المعارضين إلى جزيرة تايوان وتأسيس دولتهم تحت اسم الصين الوطنية، وبسبب التأييد الأمريكى، وعدم الاعتراف بتغيير نظام الحكم فى بكين، استمرت تايوان هذه فى تمثيل الصين فى المنظمات الدولية، وحتى التمتع بحق الفيتو فى مجلس الأمن كاحدى الدول الكبرى، بالرغم من أن عدد سكانها فى ذلك الوقت لم يتعد واحدا من المليون من سكان «الصين الشعبية» انتهى هذا الوضع الغريب مع زيارة الرئيس نيكسون للصين فى سنة 1972 لكى تحتل بكين وضعها الطبيعى فى تمثيل الصين، بل تفرض على واشنطن أن تقبل أنه ليس هناك إلا الصين الواحدة الذى يتكلم باسمها نظام الحكم فى بكين، وهكذا تغير اسم دولة المعارضين الذين هربوا من الحكم الشيوعى ليكون تايوان بدلا من الصين الوطنية، تايوان إذن جزيرة صغيرة نسبيا، ولكنها تتمتع بعلاقات عسكرية وطيدة مع واشنطن وحلفائها الغربيين مثل اليابان، والذى يستفز بكين، وتقوم برد فعل عسكرى متزايد، مثلا ازداد التحرش الصينى والتعدى على حدود تايوان من 1000 مرة فى سنة 2021 إلى 3600 فى سنة 2024، أى أكثر من ثلاثة أضعاف ونصف الضعف فى ثلاث سنوات.

قد نشعر بالتفاؤل النسبى لأن أمريكا لا تود حاليا الدخول فى حرب من أجل تايوان، ولكن التوتر المتزايد حاليا بين الصين واليابان هو مؤشر خطير بعد تصريح رئيسة وزراء اليابان أن أى هجوم عسكرى على تايوان هو تهديد عسكرى مباشر لليابان، وكان رد فعل الصين عنيفا، وأوقفت 40% من الطيران بين البلدين، وكذلك معظم السياحة، بل ألغت العديد من مظاهر التعاون الثقافى، وتزداد حدة التوتر، لأن المناورات العسكرية الصينية تقترب أكثر من المياه الإقليمية اليابانية، التى تعتبر الصين بعضها جزءا من أراضيها، هل يفلت العيار؟ وماذا يكون موقف واشنطن إذن فى حالة تهديد اليابان، أكبر حلفائها فى آسيا؟!.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية