تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

رمضان.. جذريا ودوليا

هذا الأسبوع متميز، لأنه يشهد - قراء وكتابا - توحدنا فى الشعور مع بداية شهر رمضان الكريم. بعضنا - مثلى ترجع به الذكريات إلى الطفولة ومحاولة التشبه بالكبار، ويبدأ فى الصيام والمعاناة من العطش فى شهر الصيف الحارق أيامها، والجميع يردد مع الرائع عبدالمطلب «جانا رمضان، أهلا رمضان».

فعلا توحد رائع فى الشعور حتى مع أجانب لا نعرفهم، وهنا نقطتان مهمتان عن هذا الشهر الكريم يجب التذكرة بهما.

الأولى، أن الامتناع عن الأكل أو الشرب.. ليس هو كافيا بل وليس المقصود الأساسى، وإلا أصبح هذا الشهر الكريم ما هو إلا نوع من الرجيم لفقد الوزن. وفى الحقيقة فى القرن الخامس الميلادى كان هناك الامتناع عن الطعام ويطلق عليه أيامها الصيام الطبي. الامتناع عن الطعام هو أيضا فى بعض الحالات المعاصرة إحدى وسائل الإضراب أو الاحتجاج السياسى. ولذلك فإن التعريف الحقيقى والمعنى الأساسى لهذا الشهر الكريم هو الامتناع عن كل ما هو محرم. هذا هو المعنى السلبى، أى تأدية الممنوع. ولكن شهر الصيام هو القيام بالإيجابي: أى التقوى بكل معانيها وليس الصيام والصلاة فقط، خاصة الصلاة الجمعية. كذلك الكرم زيادة عن المعتاد فى ممارسة الصدقة والسلوك العام تجاه الآخرين. كما أن جزءا أكبر من الصيام الذى يرتبط بهذا الشهر هو القيام بالتأمل الشخصى والتوبة عما قد فعلناه من سوء والتعهد مع الرب والنفس بتحسين السلوك.

 

الصيام هو فعلا علاقة خاصة مع الرب، ولكنه يتعدى الناحية الشخصية البحتة ليصبح علاقة جماعية، خاصة داخل كل أسرة وفيما بينها. فالجميع يتذكر أنه منذ طفولتنا، تتميز لحظات الإفطار بالتجمع حول ترابيزة السفرة، والدهشة أو خيبة الأمل إذا غاب أحد أفراد الأسرة الممتدة أو الأصدقاء القريبين عن هذه اللحظة المهمة. والحقيقة أن لحظات التجمع هى أيضا سمة حتى عندما يكون بعضنا خارج ديار الإسلام للدراسة أو العمل. ورأيت شخصيا احترام هذا التجمع فى بلاد أجنبية لا تمارس بالطبع توقيتات رمضان ونحن نسرع للإفطار جماعة بعد يوم وصيام أحيانا لمدة 18 ساعة حيث لا تغرب الشمس حقيقة فى بلاد مثل السويد إلا عند منتصف الليل. فعلا نستمتع بالإفطار الجماعى فى هذه الحالة عندما لا نكون أسرة بالمعنى الحرفى، ولكن مع زملاء من بلاد متعددة من آسيا إلى إفريقيا جنوب الصحراء أو أوروبا.

بالتأكيد لا نتكلم نفس اللغة الوطنية، وحتى لا نكون إلا معارف فقط، ولكن ما يجمعنا أننا كلنا مسلمون، لا ننتمى إلى نفس الجنسية أو الدولة، ولكن نشعر أننا فى هذه اللحظة جزء مما هو أكبر: الأمة.

الكلام عن هذه الأمة الإسلامية، يجرنى للكلام عن السمة الثانية لشهر الصيام، والتى لا نؤكدها كما يجب: السمة الدولية. ينقسم المليار ونصف المليار المسلمين الذين يسكنون هذا العالم إلى عدة دول، ويطبقون كلهم تقريبا فى حياتهم اليومية والمهنية التقويم الميلادى، ولكن يتقدم شهر رمضان كل عام عن السنة الميلادية 11 يوما، ومع ذلك يتحدى شهر رمضان الحدود الجغرافية والثقافية، ويقوم بتجميع الجنسيات المختلفة حسب التقويم الهجرى، وفى ممارسة الإفطار والسحور أيضا. وفى الحقيقة مكانة الإسلام والأديان عموما من أهم النقد الذى نستطيع توجيهه إلى نظرية العلاقات الدولية المعاصرة.

وبدون الدخول فى الأصول التاريخية لهذه النظرية، فهى قامت على إهمال العامل الدينى وتأكيد العلمانية، لأن أصولها الحديثة تقوم على معاهدات وستفاليا فى سنة 1648 فى ألمانيا، هذه المعاهدات أنهت ما يسمى حروب الثلاثين عاما الدينية، وقامت على رفض سيطرة سلطة البابا على الحكم الداخلى للأقطار واعتناق بديل مبدأ السيادة الوطنية لكل دولة، وبالتالى تأكيد مبدأ العلمانية كأساس للتنظيم الدولى، ثم جاءت الثورة السلوكية فى العلوم الاجتماعية الحديثة وتعصبها للمنهجية العلمية المتزمتة وتطبيق الأساليب الكمية ومعادلاتها وجداولها إلى إهمال العامل الدينى، لأنه يعتمد على التحليل الكيفى والفكرى والفلسفى ولا يخضغ بسهولة للمنهجية الكمية.

ولكننا نعرف أن العامل الدينى فى العلاقات الدولية لا يمكن بالمرة التغاضى عنه. فالعديد من الدول أساسها دينى، مثل إسرائيل كدولة يهودية منذ بداية إنشائها والتى تصر على أن العالم يجب أن يعاملها كذلك.

كما أن ملايين المسلمين انفصلوا عن الهند عند استقلالها عن التاج البريطانى فى سنة 1947 ليكونوا دولتهم: باكستان. كما أن الدين أساسى فى سلوكيات العديد من الدول: ألا يعرف ملك السعودية رسميا على أنه خادم الحرمين؟ وتعتبر رعايتها للأماكن المقدسة فى مكة والمدينة من أهم أسس القوة الناعمة للمملكة.

هنيئا للجميع بقدوم شهر رمضان المبارك، شهر الكرم والخير فعلا للكل، فى الداخل والخارج.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية