تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. بهجت قرنى > المسكوت عنه فى اغتيال هنية.. وبصراحة

المسكوت عنه فى اغتيال هنية.. وبصراحة

ماذا بعد الحزن والإدانة والشعور بالمهانة؟ هل نستطيع ـ خاصة إيران وحماس ـ استغلال هذا الاغتيال لاستخلاص النتائج الكلية وبالأسلوب العلمى لمنع تكراره ومنع الموساد والنظام الإسرائيلى من التغنى بأمجادهم؟

اغتيال إسماعيل هنية ـ رئيس الوزراء الفلسطينى السابق ورئيس المكتب السياسى لمنظمة حماس ـ يؤشر على مرحلة مفصلية فى الحرب الحالية، كما هو متوقع جاءت الإدانات العربية والتوعد بالانتقام، خاصة من جانب الأطراف المباشرة مثل حماس ، حزب الله خاصة إيران التى انتهكت سيادتها وبطريقة غاية فى المهانة، وإظهار أن نظامها مخترق، بحيث أنها عاجزة عن حماية أكبر ضيوفها الرسميين، ليس المهانة فقط، ولكن التساؤل أيضا عن اعتماد إسرائيل على عملاء محليين يقومون بإمداد إسرائيل بهذا النوع والكم من المعلومات المفصلة والدقيقة حتى تقوم بالتخطيط والتنفيذ على أكمل وجه تجاه كبار الضيوف المقيمين فى أماكن ذات حراسة مشددة، هناك إذن حاجة ملحة من جانب إيران وحلفائها للقيام بالدراسة العلمية الدقيقة لعملية الاغتيال هذه واستخلاص الدوافع والنتائج من سماتها المتعددة:

 

1ـ الدقة: اغتيال هنية ـ سواء عن طريق صاروخ من الخارج، كما تقول طهران أو قنبلة مزروعة فى الغرفة منذ أكثر من شهرين، كما تقول المصادر الغربية ـ تركز على الغرفة نفسها دون المبنى ككل، كأن المنفذ شخص يعيش فى هذه الغرفة منذ شهور، نتذكر أنه منذ شهور فعلا نشرت إسرائيل بعض الوثائق السرية الإيرانية عن تطور برنامجها النووي، وكذلك اغتالت عددا من كبار علماء الذرة الإيرانيين فى داخل معاملهم أو منازلهم، يحتاج كل هذا إلى تحليل دقيق وشرح.

2ـ اختيار المكان، أى وجود هنية فى إيران، الهدف ليس فقط إهانة إيران فى عدم قدرتها على حماية كبار ضيوفها، بل استفزاز إيران لكى ترد، وبالتالى الضغط على واشنطن للوجود العسكرى المباشر والوقوف بجانب إسرائيل المهددة فى وجودها من جانب «العدو المشترك»، وكما قال نيتانياهو فى خطابه فى الكونجرس إن إسرائيل هى التى تقف فى وجه عدو أمريكا فى المنطقة، ويجب على واشنطن على الأقل أن تقوم بواجبها فى هذا الصدد، بل من الموثق الآن أن إسرائيل هى التى ضغطت على ترامب لكى يلغى الاتفاق النووى الذى عقده أوباما مع إيران، مواصلة التأكيد على إيران كعدو مشترك كان حقيقة من أهم أسس التوصل للاتفاقات الإبراهيمية، هدف إسرائيل مهم حاليا من الناحية الإستراتيجية هو ألا تكون إسرائيل بمفردها أمام إيران أو حتى الاكتفاء بمشاركة واشنطن اقتصاديا وعسكريا، ولكن تكون أمريكا طرفا مباشرا على الأرض فى حرب إقليمية تزداد وتزداد تصعيدا.

3ـ توسيع الحرب وتصعيدها له سبب شخصى كما يؤكد الآن العديد من المحللين الإسرائيليين ـ وليس فقط أعضاء الأحزاب المعارضة، مقالات متعددة فى كبرى الصحف الإسرائيلية: هاآرتس أوجيروزاليم بوست تؤكد أن هدف نيتانياهو هو البقاء فى الحكم أطول مدة ممكنة، لأن البديل هو استئناف محاكمته بتهمة الفساد وإدانته بل ودخوله السجن، ولذلك فى أثناء المفاوضات مع حماس لوقف إطلاق النار بمشاركة كل من مصر والولايات المتحدة وقطر، وكلما اقترب الاتفاق يقوم نيتانياهو بتسريب بعض المعلومات المغلوطة، ويقدم طلبات جديدة وحتى يعرف أنه لن تقبل حماس وذلك لمنع إبرام اتفاق لوقف النار، وها هو يقوم باغتيال هنية الذى يُعتبر من المعتدلين فى منظمة حماس بل ورئيس مكتبها السياسي، والذى كان يقوم بتمثيل المنظمة فى المفاوضات، أى أن نيتانياهو لكى يفلت من المحاكمة والعقاب يستغل كل وسيلة لإطالة الحرب، الوزير السابق فى الحكومة ـ جانتس ـ قال ذلك كمبرر لاستقالته، كما أن بعض القادة العسكريين الإسرائيليين يؤكدون ذلك أيضا، بل إن بايدن نفسه عندما تم إحراجه بهذا السؤال علانية من أحد الصحفيين، لم يرغب أن يتورط فى السياسة الداخلية الإسرائيلية، ولكنه كان مضطرا للموافقة والقول إن هذا «احتمال كبير»، وها هو يُصبح أكثر صراحة ويُنذر نيتانياهو بأن يتوقف عن تخريب كل محاولات الوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار.

وهنا تكمن الكارثة من هذا التصعيد والدمار المتزايد كل يوم، وحتى عدم القدرة على التحكم فيه، وقد تطول الكارثة إسرائيل نفسها التى قد يصعب عليها مواجهة الحرائق التى تشعلها، والتى تنتهى بمحاصرتها على عدة جبهات فى نفس الوقت، وتعانى الاستنزاف العسكرى بعد الاقتصادي، وحتى مع إنجرار أمريكا للحرب المباشرة ضد «العدو المشترك» إيران، كما يخطط لذلك نيتانياهو، سيصعب على واشنطن ضمان التأييد الداخلى لإرسال جنود لمثل هذه الحرب، وحتى استخدام الروبوت سيكون له حدود.

أصبح نيتانياهو مثل نيرون الذى أهلك إمبراطوريته الرومانية، فهو يتصرف ويعمل على أن أولويته أن يبقى هو ومجموعته فى الحكم حتى لو كانت الوسيلة لهذا احتراق إسرائيل نفسها، وبالطبع احتراق منطقة الشرق الأوسط ككل، هى فعلا مجموعة فى الحكم خطيرة كهؤلاء المجانين ـ المجانين حرفيا ـ الذين يقومون بإشعال النيران فى المبانى حولهم، ويحاول علماء النفس البحث عنهم والسيطرة على أعمالهم لحماية المجتمع.

المطلوب إذن ليس الصياح والتنديد ثم الوعد بالانتقام، بل الدراسة العلمية لتخطيطهم كما فعلوا فى اغتيال هنية، والتعامل العلمى الدقيق مع مخططاتهم لمنعها قبل أن تحدث أو السيطرة على نتائجها إذا لم يكن فى الإمكان تجنبها، بوضوح هنا دعوة للكلام والصياح أقل من جانب حماس أو إيران، واستخدام حادثة إغيتال هنية لدراستها بدقة وعلميا للوقوف على أسباب نجاح تبدو مذهلة للعالم من حيث التخطيط والتنفيذ، بحيث أن تُنقذ إسرائيل من تدنى سمعتها ـ ولو لبعض الوقت، هناك حاجة من طرف إيران وحماس لاستخدام الأسلوب العلمى الدقيق فى إدارة هذا الصراع حتى لا يساعدوا هذا الخصم على تكرار ضرباته الحاسمة والمهينة، إذا أصبح هذا الاغتيال وسيلة لتغيير طريقة العمل والتفكير، فلم تذهب حياة هنية هباء.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية