تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. بهاء حسب الله > لغتنا الفريدة وأزمة القراءة والكتابة!

لغتنا الفريدة وأزمة القراءة والكتابة!

احتفلت جهات ثقافية عديدة طيلة شهر ديسمبر المنصرم باليوم العالمى للغتنا العربية الفريدة ، ومنها جامعاتنا العريقة وقصور الثقافة والهيئات الفكرية العامة ومراكز الإبداع وصحافتنا الحكومية والخاصة، واختلفت الاحتفالات والمنتديات فى مناقشة قضايا اللغة وفنونها وأدبها وطبيعتها من زوايا متشابكة، منها زوايا (مستقبل اللغة فى ضوء المتغيرات العلمية المتلاحقة والتكنولوجية الحديثة)، ومنها زوايا (عصرنة اللغة) بقصد الدفع بمفردات اللغة ومُعجمها العام إلى مسايرة عصرنا المتحول تحولا سريعًا فى إطار أنساقه الاجتماعية ، وقد رأينا فى الفترة الأخيرة كيف أن مجمع اللغة العربية قد وافق على تعريب بعض الألفاظ الأجنبية تماشيًا مع ذوق العصر ومتطلباته، ووصلت المناقشات والمنتديات إلى قضايا ( صعوبة لغتنا الجميلة ) فى ضوء المتغير الجمعى الحالى للأمة المصرية، وكان أكثر ما لفت انتباهى فى ضوء هذه الاحتفالات والمنتديات تصريح فى إحدى هذه المنتديات لوزير التعليم الدكتور رضا حجازى من أن أزمة لغتنا العربية الحقيقية هى أزمة القراءة والكتابة بين الأجيال الجديدة، وهو التصريح المبنى على جولات الوزير المدرسية – وهوما يحسب له – ومشاركته فى فعالياتها التعليمية بشكل دائم ومستمر، وقد فسر الوزير تصريحه بقوله إن 30% من طلاب مصر عاجزون عن القراءة الصحيحة والكتابة السليمة، وهو تقدير قائم على طبيعة جولات الوزير الميدانية من ناحية، والدراسات والإحصاءات البحثية للوزارة من جهة أخرى، وهذه النسبة التى حددها الوزير هى نسبة تمثل هرم الخطورة ومركزه، باعتبار أنها تمثل أكثر من ربع طلاب مصر، ولو أردنا أن نضيف لهم طلاب الجامعات المصرية الذى يعانى جزء – ليس بالقليل منهم – أزمة التعبير السليم والمقبول، والقراءة الصحيحة لاتسعت النسبة ودوائرها كثيرًا .

 

وهذا الواقع الذى تحدث عنه الوزير، وناقشته المنتديات المختلفة يمثل لب قضية لغتنا الجميلة والفريدة والمرنة والتى لم تكن فى يوم من الأيام لغة صعبة أو مُعقدة على الإطلاق بشهادة القدماء والمحدثين والمتمرسين، ولكن تبقى الأزمة الحقيقة فى التعامل مع لغتنا العريقة - والفصحى منها تحديدًا - محصورة فى الرؤى التعليمية الحديثة التى تتعامل مع اللغة باعتبارها ( مادة تعليمية ) تنطبق عليها خواص المواد الأخرى كالمواد العلمية تحديدًا ، وهو التعامل الذى يُخضعها لقوانين التعليم الحديث والمعاصر، والمقصود به التعليم الرقمى أو التكنولوجى أو الفضائى، والذى دفع بطلابنا فى المراحل العليا الخطيرة إلى التعامل مع اللغة من خلال الأدوار التكنولوجية والحاسوبية ومن خلال أجهزة التابلت ، والشاشات الاصطناعية والبرامج الفضائية، وفكر التعليم عن بعد، مما أفقد اللغة أدوارها الحقيقية كلغة سماعية من الطراز الأول ، وأفقد المدرسة نفسها أدوارها التعليمية، وفى الصميم منها دور المعلم، الذى تقوم على أكتافه العملية التعليمية فى الأصل، وأصبح أبناؤنا يتعاملون مع اللغة المرئية أكثر من تعاملهم مع اللغة المسموعة (وهو الأصل)، مما سلبهم هويتهم اللغوية سماعًا وبالتالى كتابةً وقراءة ومعايشة وتجربة، وهذا الذى أفرز فى النهاية جيلا لا يجيد كثير منه القراءة والكتابة – على حد واحد –وعلى حد تعبير الوزير نفسه، بل ويعجز عن فهم مفردات اللغة، وأدوارها المُعجمية، وهو الجيل الذى انتقل إلى التعليم الجامعى الآن وازدادت معاناته بمواجهة الواقع الجامعى ومتطلباته وطبيعة دراسته.

ومن النظم التى أفقدت اللغة تأثيرها فى الأجيال الطلابية على جميع المستويات نظم التقييم لطلابنا من المراحل التعليمية الأولى وحتى المراحل الجامعية، والمعتمدة على طريقة الاختبارات الحديثة والإلكترونية، والمسماة – اصطلاحًا – بالبابل شيت، أو الاختيار من المتعدد، والذى ساعد – بطبيعة الحال – على تهميش مهارات اللغة ومنها المهارات الكتابية والتحليلية ومهارات التعبير والشرح والتفصيل والنقد والتلخيص والإطناب وغيرها من مهارات الكتابة المعروفة والمهارية لدى طلابنا فى مختلف المراحل، ومن هنا وجب علينا إعادة النظر فى طبيعة التعامل مع لغتنا الفريدة فى وزارتى التعليم والتعليم العالى ، وتطوير طرق تعليم اللغة نفسها وأصولها، والعمل على عودة الأدوار المدرسية ومن أهمها دور المعلم ودور الأنشطة المدرسية فى خدمة اللغة، كأنشطة الخطابة والمسرح والإلقاء والإذاعة المدرسية، والأمر ذاته بجامعاتنا المختلفة التى كانت معروفة فى يوم ما بفرق الخطابة والتمثيل والمسرح والشعر والغناء والقصة، والتى أفرزت أجيالا من الأدباء والكتاب والمفكرين.

إن إنقاذ أدوار لغتنا الجميلة لن يخرج مُطلقًا عن دوائر التجريب، ودوائر التجريب فى اللغة هى دوائر التطبيق والممارسة سماعًا وقراءة وكتابة وفهمًا وتفاعلا، ولو حرصت الوزارتان (التعليم والتعليم العالى) على تقنين مناهج اللغة عبر مهاراتها، ومزاوجة هذه المناهج – إلى حد ما – بالخط التكنولوجى والرقمى الحديث لكنا الآن أمام أجيال تدرك للغتها الفريدة جمالياتها وحيويتها وقداستها، وتتعامل معها من روح الانتماء والحب والزهو.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية