تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الجنوبى «رؤوف حامد» وتقدمه الأُسّى
ما الذى يدفع عالما عالميا مثل الدكتور مجدى يعقوب إلى أن يترك زخرف الحياة وأضواءها الصاخبة، والشهرة العالمية فى أرقى مدنها، ويقرر إقامة مركز طبى لعلاج الأطفال بالمجان فى أسوان؟ وما الذى يدفع مهندس الاتصالات السوداني/ البريطانى (المصرى تعليما) مو إبراهيم لأن يتخلى عن أكبر شركة عالمية فى مجال التليفونات المحمولة (2005) ويبيع معظم ممتلكاته، ويتفرغ لأعمال الخير والحكم الرشيد فى إفريقيا؟ وما الذى يدفع «محمد رؤوف حامد» إلى فعل فعلته التى فعل، سوى أنهم كلَّهم رسل ربك وجنوده، يحملون قيم الرحمة والمحبة والإنسانية إلى العالم.. لقد اتفق هؤلاء العظماء على ترك الشمال بما حمل، والغرب بما وهب، واتجهوا جنوبا، نحو نقطة الميلاد، رجوعا إلى الأصل، وخدمة للأهل. الدكتور محمد رؤوف حامد (1948) هوأستاذ علم الأدوية المتفرغ بالهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية، وإحدى أيقونات علم الأدوية (الفارماكولوجي)، ومن علمائه الأفذاذ. تخرج فى كلية الصيدلة بجامعة الإسكندرية (1970)، أكمل الدراسات العليا للماجستير والدكتوراه فى معهد بحوث الدواء بوارسو (بولندا) (1977)، ودراسات ما بعد الدكتوراه فى معهد السموم بجامعة زيوريخ (سويسرا) (1984)..وشارك فى تحرير فصول الموسوعة الدولية للآثار الجانبية للأدوية (أعوام 1979 – 1980 – 1981)، وفاز بعديد من الجوائز الدولية المرموقة، أخرها جائزة «أول هانسون» الدولية (2022) اعترافا بإسهاماته المميزة فى المعرفة المتعمقة بالاستخدام الآمن للأدوية.. كان من اليسير على رجل هذه إمكانياته أن يستقر فى الغرب؛ حيث تعلم ودرس، وحيث مصانع الأدوية الكبرى بميزانياتها الكبرى وبمميزاتها ومزاياها المغرية، أو أن يستغرق فى صناعة الأدوية محليا، ويصبح من أباطرتها، وحيتانها، وهو القادر على ذلك.. غير أنَّه اختار طريقاً آخر؛ يبدأ من الجنوب العربى والإفريقي.. واختار أن يكون له مشروعه الفكرى الثقافى الحضاري، مع الناس، وبينهم، بعيدا عن معامل الأدوية، ومختبرات العقاقير..
مشروع رؤوف حامد الفكرى الإصلاحى يتجلى فى ستة عشر كتابا فى مجالات المعرفة العامة، والمستقبليات، والتغيير الاجتماعي، والتطور الحضاري، منها:«التقدم الأُسى: إدارة العبور من التخلف إلى التقدم» (1998)، التوافقية: منهج علمى تكنولوجى جديد» (1998)، «إدارة المعرفة: رؤية مستقبلية» (1999)،«المستقبل بين فكر القوة وقوة الفكر» (2000)،«الاقتصاد الرقمى» (2001)،«التفكير بطريقة استراتيجية» (2002)، «حقوق الملكية الفكرية: رؤية جنوبية مستقبلية» (2002)،»القفز فوق العولمة» (2003)،«قصة الدواء: علم وتحديات» (2004). «إدارة المعرفة والإبداع المجتمعي» (2006)،»الوطنية فى مواجهة العولمة» (2010)، «ثورة يناير: من أين؟ وإلى أين؟» (2011)،«الرقص مع الفساد» (2011)، «التفكير العلمي» (2012).. إضافةإلى عشرات المقالات والدراسات، آخرها تللك السلسلة الرائعة من الدراسات على موقع «الحوار المتمدن»:»ثقافة التغيير: تكنولوجياتها ومستقبلياتها عند العلماء والمفكرين» (2020)، «هل تستطيع الدول العربية اللحاق بالمستقبل الجديد للثورات؟» (2021)، و«تضاريس المسافة بين النظرية والممارسة» (2022)، وأخيرا «مكانة المؤامراتية فى المستقبليات» (2023)..
المشروع الفكرى الحضارى للدكتور رؤوف حامد كبير لا يمكن اختصار معالمه فى مقال. وأبعاد نظريته فى التغيير الحضارى من العمق بحيث لا يمكن اختزالها فى توصيفات عامة..غير أنَّ أهم الأفكار التى طرحها هى فكرة «التقدم الأسي»؛ وهى فكرة مشتقة من الرياضيات (الأُس هو عدد مرات ضرب الأساس)، فحواها أننا كعرب، ومن أجل سد الفجوة الحضارية والعلمية بيننا وبين الغرب، لابدَّ أن نقوم بجهد مضاعف ومتكرر ومضروب فى نفسه عدة مرات. وعلى حد تعبيره، فالتقدم الُأسيّ يعنى «الاستخدام الأمثل للزمن والجهد فى تركيب القدرات البشرية والمادية والمعلومات والمعارف والعلاقات المتاحة مع بعضها البعض بطريقة تحقق تقدم الإنجاز كميا وكيفيا بسرعة أُسية».. والأكثر أهمية فى هذه الفكرة هى آليات التنفيذ التى أوردها تفصيلا فى مؤلفاته المختلفة على مدار العقدين الأخيرين.. ويعتقد الدكتور حامد «أن خصوصية المنطقة العربية (وبالتالى خصوصية شعوبها) تجعلها على الدوام الأكثر تأهلا للتحول الى مارد إنسانى استنهاضى كبير، متى تهيأت لها الظروف، الأمر الذى يدركه الغرب الاستعماري، ولايريده، ويعاديه بشكل مطلق».. من الأفكار المهمة فى مشروع الدكتور رؤوف حامد فكرته عن أنَّ «التاريخ ليس زائدة دودية» (يمكن التخلص منها دون آثار جانبية)، وأنَّ «بعض أحداث التاريخ، مهما بدا من تواضعية وزنها»، قد تحدث الفارق فى عملية التطور.. كذلك إشارته إلى أنَّه «من المهم الانتباه إلى أنَّ المستقبل يُصَنع الآن»، ومن ثمَّ فإنَّ محاولات تأجيل الإصلاح لها عواقبها الوخيمة علينا كعرب ولها ثمنها الفادح مستقبلا. وتأكيده على أنَّ «لثقافة التغيير مكانة مركزية فى صقل قدرات العلماء والمفكرين، وفى تمكينهم من (المساهمة) فى إنجاز التقدم الإنساني».ومن وجهة نظره فإنَّ «التغيير يدفع الى تغيير؛ وبالتالى يكون الاستقرار الحقيقى فى امتلاك القدرة المستمرة على التغيير؛ بينما يكون الثبات هو الموت».. مما يُروَى عن الإمام محمد عبده (1849- 1905) قوله: «الفساد يهبط من أعلى إلى أدني، والإصلاح يصعد من أدنى إلى أعلي».. وقد اختار رؤوف حامد الإصلاح من الأساس.. واختار أن يكون هو نفسه تطبيقا عملياً لمقولة ألبرت إينشتاين (1879- 1955): «من المهم وجود نوع جديد من التفكير، إذا كان مطلوباً من الإنسانية أن تستمر وأن تتحرك إلى مستويات أرقى»..
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية