تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

تأملات فى الحب

منذ أيام احتفلنا بعيد الحب. وهذا العيد تقليعة ظهرت مؤخرا. المتحمسون لهذا العيد يرون أن عاطفة الحب هى الأهم فى حياتنا ويعتمد عليها شعورنا بالوجود وبالسعادة، ولهذا فهى تستحق أن يكون لها عيد. أما الرافضون فيرون أننا أمام توجه منحرف ظهر فى العقود الأخيرة يحوّل كل شعور نبيل إلى استراتيجية تسويقية الهدف منها تحفيز الناس على الاستهلاك وبالتالى تحقيق أرباح لبعض الشركات.والدليل على ذلك هذه الدببة الوردية وهذه القلوب البلاستيكية الحمراء وهى علامات لا تشير إلا إلى نوع واحد من الحب وهو ما يمكن أن نطلق عليه الحب الرومانسى.

ولقد أشار الفيلسوف الفرنسى رولان بارت إلى تغير طريقة التعبير عن الحب بين القرن التاسع عشر والعشرين. فالعاشق الأول كان يستطيع التعبير عن شعوره بكلمات بليغة ومؤثرة . أما العاشق فى عصرنا الحالى فيصعب عليه ذلك، ليس لأن عاطفته أقل ولكن لأن اللغة المتداولة فى القرن التاسع عشر كانت غنية بالمفردات التى يتمكن من خلالها العاشق أن يعلن حبه، أما فى عصرنا الحالى فقد صار التعبير يتم عن طريق الأشياء بدلاً من الكلمات. وحتى الأشياء الصنمية التى كانت ترمز للحب فى الحالة الأولى مثل المنديل وخصلة الشعر والصورة الفوتوغرافية لم تعد اليوم ذات قيمة إذ حلت محلها أشياء باهظة الثمن مثل الحلى والعطور والملابس والعزومات.

 

ولكن هل للحب أنواع؟

يجيب الفلاسفة بنعم. فكلمة الحب مثلها مثل كلمات أخرى كالخير أوالحقيقة أوالحرية تبدو بسيطة ومفهومة يستخدمها كل الناس دونما تردد، ولكن حينما تتناولها الفلسفة تظهر لنا أبعاد ودلالات بالغة التعقيد والتشابك.

فى محاورة المأدبة ينقل لنا أفلاطون الحديث الذى جرى ببن سقراط وسائر المدعوين وكان موضوعه عن إيروس أى الحب العاطفى الذى يتضمن الانجذاب الجسدي. وبدأ كل متحدث بمديح الحب؛ فهذايجعله الدافع لتحقيق الانجازات وذاك يميز بين الحب العامى الموجه للجسد والحب السماوى الخاص بالروح، أما سقراط فكان يهمه أولاً البحث عن حقيقة الحب أكثر من مديحه. احتفظت ذاكرة القراء من هذا الكتاب بخطاب أرستوفان الذى ذكر أسطورة تحكى أن الإنسان فى البداية كان كائنا كرويا ومزدوجا له وجهان وأربع أياد وأربع أقدام، كان قوياً وشجاعاً وذاتى التوالد فغارت الآلهة منه وقسمته إلى نصفين، وهكذا حُكم على كل فرد أن يمضى عمره بحثاً عن نصفه الآخر وما أن يجده حتى تكون السعادة الغامرة.

هنا تتحدد غاية الحب فى الوصول إلى الوحدة الكاملة وتحقيق الانصهار وفناء الذات فى الآخر. وهنا يعترض سقراط معتبرا أن هذا الانصهار وهم. فنحن لا نحب إلا ما نفتقد إليه وما أن نمتلكه حتى نكف عن حبه. فالعاطفة لا تدوم بعد السعادة والملل يخيم حينما يختفى الفقد، ويكفى أن نسمع شكاوى الأزواج: لم يعد هو الشخص الذى كنت أحلم به.

النوع الثانى من الحب هو الفيليا ويقصد به الصداقة وهو حب متخلص من اللوعة والأشجان لأنه حب متبادل يقوم على التضامن والتعاون كما أنه يؤدى إلى السرور، فالإنسان يشعر به حينما يجد نفسه مسروراً لأن خيراً حدث لصديق له. وقد اهتم أرسطو بهذا الحب بل جعله ركناً أساسياً إلى جانب القانون فى نشأة المجتمعات واستمرارها. كما يطلق أيضاَ على الحب الموجه للحيوانات والأشياء والمعانى المجردة وهو ما تدل عليه كلمة فلسفة ذاتها، فهى فيلو صوفيا أى حب الحكمة.

النوع الثالث هو أجابى وهو الحب المنزه عن الغرض المتخلص من الطمع، ويمكن أن نقول إنه حب الخير للجميع، أو بتعبير آخر الإحسان. وهو حب من لا نعرفهم ولا ننتظر منهم شيئاً، وهو الحب الذى وصل به السيد المسيح إلى أقصى مداه عندما قال أحبوا أعداءكم وأكرموا لاعنيكم. ولكن هل يمكن للإنسان حقاً أن يحب عدوه؟ لا يريد المسيح أن تُخمِد العداوةُ جذوةَ الحب المتقدة فى النفوس لأنها هى التى يمكن أن تؤدى إلى الغفران والتسامح.

هذه الأنواع المختلفة من الحب تقوم على ركنين أساسيين. الأول هو حب النفس فالوصية السامية تقول حب قريبك كما تحب نفسك. فإن لم تكن تحب نفسك فلن تكون لديك محبة لشخص آخر. الركن الثانى هو أن تحب الحب نفسه، إذ يشير القديس أوغسطين متحدثاً عن شبابه قائلاَ: فى هذه الفترة، لم أكن أحب، ولكننى كنت أحب أن أحب.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية