تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

قيامة المسيح حياة للإنسانية

كل عام وأنتم بخير، نحتفل فى هذه الأيام بشهر رمضان وقرب حلول عيد الفطر المبارك، ونحتفل أيضًا بعيد القيامة المجيد. أيامٌ مباركة يعيشها كل المصريين، يتقربون فيها إلى الله بالدعاء والصلوات لأجل رعاية الله لبلادنا الغالية، وحمايتها من كل شر وحفظ سلامتها وأمنها، ومباركة شعبها بالخير. هذه الأجواء الجميلة ليست مجرد مناسبات دينية واجتماعية، بل هى فرصة للتأمل فى معانيها ودلالاتها السامية. رحلة فى طريق الآلام: وفى عيد القيامة، نتذكر قيامة السيد المسيح من الأموات، والتى أرى فى معانيها الكثير من الأفكار والتأملات. لكن ونحن نتذكر القيامة أحيانًا يغيب عن بالنا أنها رحلة وطريق ذو معالم، هو طريق الآلام، وفى غمرة الفرح بالقيامة وبهجتها، لا ننسى أنها مرحلة تالية لموت وآلام. وهى تشبه حالة من مخاض الولادة؛ فهو ينطوى على آلام وأوجاع شديدة، لكنه ينتهى بفرحة كبيرة. هذا التشبيه استخدمه السيد المسيح فى حديثه مع تلاميذه عندما كان يبصِّرهم بما ينتظرهم من اضطهادات وآلام، فقال: اَلْمَرْأَةُ وَهِيَ تَلِدُ تَحْزَنُ لأَنَّ سَاعَتَهَا قَدْ جَاءَتْ، وَلكِنْ مَتَى وَلَدَتِ الطِّفْلَ لاَ تَعُودُ تَذْكُرُ الشِّدَّةَ لِسَبَبِ الْفَرَحِ، لأَنَّهُ قَدْ وُلِدَ إِنْسَانٌ فِى الْعَالَمِ (إنجيل يوحنا 16: 21). نتذكر القيامة لكننا لا نغفل الموت، ويزداد الحديث عن الموت فى الفترات التاريخية التى تشهد تقلبات كعصرنا الراهن؛ فحالة الركود الاقتصادى التى يعيشها العالم جراء تأثيرات وباء كورونا، والحرب الأوكرانية الضروس. هذه الظروف تنطوى على موت جسدى حقيقي، وموت داخلي، يتمثل فى انعدام الرغبة فى الحياة وغلبة اليأس والخوف فى نفوس الناس.

 

إذن بأى قيامة نحتفل؟ وهل من أمل فى قيامة من هذه الآلام؟ هل من رجاء فى عالم أفضل؟

وفى هذا السياق يلهمنى كثيرًا ما ورد فى الرسالة إلى العبرانيين 2: 14- 15: «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِى اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِى لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولئِكَ الَّذِينَ­ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ­ كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ». يشير هذا النص الكتابى إلى أفكار كثيرة حول حالة العبودية للموت واليأس، ويشير أيضًا إلى مشاركة السيد المسيح للإنسانية فى هذه الحالة المأساوية، ويشير إلى النصرة على الشر، وهو ما يفتح أمامنا طاقات الأمل والرجاء.

مبدأ المشاركة: وفقًا لما قرأناه فى النص السابق، نفهم أن أول خطوة اتخذها المسيحُ نحو الإنسانية هى أنه تشارك معها فى اللحم والدم، والنص يعنى بذلك أن السيد المسيح أصبح متَّحدًا بالإنسانية فى ظروفها. فرغبة المسيح وهدفه كانا واضحين ومباشرين: أن ينقذ الإنسانية من كل ما بها من موت بأشكاله المتعددة. أراد كاتب الرسالة إلى العبرانيين بقوله «تشارك فى اللحم والدم»، أن يؤكد التضامن الكامل من السيد المسيح وتوجُّهه نحو الإنسانية. تشارك كلى فى كل شيء، ماعدا الخطية. تأثير المشاركة: لا يمكن إلا أن يكون لهذه المشاركة أثر عميق فى الهوية الإنسانية، وما يقوله الوحى المقدس هنا مهم للغاية، لأنه يعلّم أن قيامة المسيح تعطى بعدا جديدا للإنسان؛ فلا يعود الإنسان بعد عبدًا، بل ابنًا، وشريكًا، فينشر الحياة والأمل والرجاء بين البشر بدلا من جرح البشر بالأنانية وهى أصل كل الشرور والخطايا. هذه الهوية الجديدة يستمدها الإنسان من وعيه بحقيقة القيامة. قيامة المسيح تضامن وانفتاح نحو الإنسانية: أدعوكم اليوم ونحن نفكر فى القيامة أن نتأمل فى أشكال الموت من حولنا. هل هناك فقير من حولنا؟ هل هناك مظلوم من حولنا؟ هل نعرف مسكينًا سحقت به الحياة للدرجة التى يأس منها فأصبحت الأخلاقيات مجرد رفاهية؟ هل نعرف جائعًا لا يجد قوت يومه فلا توجد لديه الفرصة أن يفكر فى ملكوت الله؟ إن احتفالنا الحقيقى بالقيامة ليس فقط بترديد العبارات الدينية، بل هو سعى لتغيير المجتمع نحو الأفضل. أدعوكم أن نمد يد العون لكل من يقاسى صعوبات التحديات الاقتصادية. فى كل مرة تمتد أيدينا لإنقاذ إنسان فنحن ننفذ روح الوصية الإلهية. لهذا فإن قيامة المسيح هى إعلان تضامن عظيم بين الإنسان وأخيه الإنسان، مبنى فى الأساس على تضامن إلهى مع الإنسانية. التضامن بين الإنسان وأخيه الإنسان يبنى الحياة، ويحفظ الكرامة، ويؤسس لعهد جديد لا فرق فيه بين رجل وامرأة، غنى وفقير، قوى وضعيف. التضامن الإنسانى هو ما يمكننا من مواجهة التحديات والشر، وبه نستطيع الوقوف فى وجه الموت الداخلى واليأس والإحباط. بهذا تصبح عبادتنا وتقربنا إلى الله ليست مجرد دعوات وصلوات لتحسين وضع الإنسانية بل تنفيذ وصية الله فى العمل والخير الذى فى خطته للإنسان. ختامًا، لا أقول نصلى فقط، بل نصلى ونعمل لأجل بلادنا وسلامها وازدهارها، نصلى ونعمل معًا مع المسئولين فى بلادنا، رئيسًا وحكومةً ومجتمعًا

-----------------------------------

رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية