تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
يد تبنى ويد تحمى
يد تبنى ويد تحمى رسائل مهمة من قلب البحر وعلى مائدة القائد العام للقوات المسلحة
بينما كانت المروحية تقترب بنا من الهبوط على سطح حاملة المروحيات «جمال عبدالناصر»، كان مشهد أبراج مدينة العلمين الجديدة يلوح فى الأفق البعيد مخترقا غمامات الخريف التى أحاطت بالأجواء فى تلك الساعة المبكرة من صباح يوم الثلاثاء الماضى.
أخذت أتنقل ببصرى بين المشهدين، على الشاطئ البعيد تلك المبانى الشاهقة التى تمزق بعمرانها الحديث الضباب، لتقف شامخة وشاهدة على إرادة المصريين فى تحويل الموت إلى حياة، وبناء مدينة تمثل رمزا للسلام على بقايا واحدة من أعنف الحروب التى عرفها العالم خلال تاريخه المعاصر (الحرب العالمية الثانية).
وفى قلب مياه البحر المتوسط، تقف مدينة من نوع آخر تمثل وجها آخر للقوة والقدرة المصرية، هى حاملة المروحيات «جمال عبدالناصر»، التى تمثل واحدة من فرائد عقد وحدات البحرية المصرية، والتى تعكس كذلك تمسك الدولة بإعادة بناء قدراتها الشاملة فى مختلف المجالات.
تصطف بالقرب من الميسترال - جمال عبدالناصر ـ العديد من الوحدات البحرية الحديثة استعدادا لبدء النشاط التدريبى «ردع 2024»، لكن المشهد كان أكبر من كونه استعدادا للمشاركة فى عمل تدريبى، فقد كان اصطفاف الوحدات فى عمق المياه الإقليمية ووحدات غيرها عدة تشارك فى التدريب لا نراها أمامنا، أشبه بقوس متقدم للحماية، وجدار ردع حقيقى يولى صدره فى مواجهة الخطر، كى يبقى من على الشاطئ فى أمان، وهم لا يكادون يدركون ما يجرى من نشاط كبير على بعد كيلومترات فى عمق البحر كى يحظوا هم بتلك النعمة التى لا نتذكرها كثيرا ولا نحمد الله عليها بما يكفى، وهى نعمة الأمن والاستقرار.
■■■
ينطلق النشاط التدريبى الذى شاركت فيه الأفرع الرئيسية ومختلف الإدارات التخصصية بالقوات المسلحة، وشهده الفريق أول عبد المجيد صقر القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى، بتنفيذ النشاط التدريبى «ردع 2024»، وذلك بحضور الفريق أحمد خليفة رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقادة الأفرع الرئيسية وعدد من قادة القوات المسلحة فى مقدمتهم الفريق بحرى/ أشرف عطوة قائد القوات البحرية، ليكشف مدى التطور الذى بات يتمتع به المقاتل المصرى فى البر والبحر والجو، ومدى الاستيعاب الكبير لمنظومات الأسلحة الحديثة التى انضمت للعمل فى صفوف القوات المسلحة، من تصنيع دول عدة، وهى ميزة كبيرة لا تتوافر للعديد من الجيوش فى العالم.
امتلاك القوة لا يعنى التهديد باستخدامها، بل ضمانة ضرورية لردع من يفكر فى استخدامها ضدنا، هكذا تقول حقائق التاريخ والواقع فى هذا العالم، الذى لا يحترم سوى الأقوياء، فامتلاك القوة هو أفضل سبل الردع لمن يريد أن يتجرأ على مقدرات أية دولة، والمتجرئون فى إقليمنا ومن حوله - للأسف الشديد- كُثر، والتنمية ومقدرات الشعوب تحتاج إلى قوة تحميها، فما يجرى بناؤه فى سنوات قد تعصف به قذائف الغدر فى لحظات، لذلك لا بديل عن امتلاك القوة التى تحمى ولا تهدد .. تصون ولا تبدد.
وخلال العقد الماضى كنا على موعد مع تحول هائل فى مشروع إعادة بناء القدرة الشاملة للدولة المصرية، مشروع وطنى جاد يقوده الرئيس عبد الفتاح السيسى، ويملك الطموح وشجاعة اتخاذ القرار الذى يحقق المصلحة العامة مهما كانت صعوبته، وفى الوقت ذاته، يمتلك ذلك المشروع قراءة عميقة وواقعية لطبيعة التحولات الإقليمية والدولية، بما يضمن له عدم الانزلاق نحو الفخاخ والمستنقعات التى باتت تمتلئ بها خريطة الشرق الأوسط.
ترافق مشروع البناء الذاتى لقدرات الدولة مع العديد من التحديات، أعتقد أن الدولة استطاعت أن تحسم الكثير منها لصالحها، ويتبقى التحدى الاقتصادى عاملا ضاغطا نتيجة ظروف خارجية مضطربة، تلقى بأعباء داخلية تزداد مع تنامى الأزمات المحيطة بنا رغم كل ما يبذل من جهود وعمل مضنٍ.
■■■
واليوم، أتصور أن الواقع المشتعل حول حدودنا فى مختلف الاتجاهات يقدم إجابات حاسمة عن أسئلة ظل كثيرون يرددونها حول مغزى ذلك التحديث الكبير لقواتنا المسلحة.
اليوم تتجلى أهمية التدريب المستمر والمتواصل بغير انقطاع فى مختلف أفرعها، لضمان استعداد قتالى وكفاءة عالية للمقاتل والسلاح على حد سواء، وهو ما كان واضحا خلال مراحل تنفيذ العديد من المشروعات التدريبية التى حظيت بشرف متابعتها عن قرب، ومنها المشروع التدريبى «ردع 2024».
الرسائل خلال ذلك اليوم لم تقتصر على ما تضمنه المشروع التدريبى من قوة ردع حقيقية ومتكاملة بين مختلف الأفرع والأسلحة، بل تكاملت مع رسائل أخرى لا تقل أهمية، حفلت بها الدقائق الثمينة التى سعدت خلالها بالتواجد على مائدة الغداء مع الفريق أول عبد المجيد صقر القائد العام للقوات المسلحة، بعدما أصر على الجلوس بيننا وتبادل حديثا وديا لكنه مفعم بالرسائل الوطنية التى يجب أن تبقى واضحة فى أذهاننا، فى وقت يشوش فيه دخان الصراعات والاضطرابات فى المنطقة على كثير من الحقائق.
التأكيد على أن حدودنا آمنة بنسبة 100% كان أكثر ما حرص الفريق أول عبد المجيد صقر على تأكيده بلغة حاسمة وبنبرة لا تقبل التأويل لطمأنة المصريين جميعا، وكذلك تشديده على أن كل جندى وضابط فى القوات المسلحة مستعد للتضحية بحياته من أجل أن تبقى مصر آمنة مرفوعة الهامة، وأن القوات المسلحة هى «جيش الشعب» وستظل درعا واقية وسيفا باترا فى مواجهة أى تهديد للدولة المصرية.
الحديث على مائدة القائد العام تطرق كذلك إلى تنامى هجمات الشائعات خلال الآونة الأخيرة، والتى حاول بعضها النيل من الجيش المصرى، عبر إثارة وقائع مختلقة تستهدف تشويه الدور المصرى الحيوى فى وقف الحرب الدائرة فى قطاع غزة، والحقيقة أن القائد العام كان صريحا وواضحا فى تفنيده لتلك الشائعات، خاصة ما يتعلق بدخول سفينة محملة بأسلحة لإسرائيل أو بمرور إحدى القطع العسكرية الإسرائيلية فى قناة السويس، مؤكدا أن القوات المسلحة ومصر كلها ليس لديها ما تخفيه، وأنها أعلنت الحقائق كاملة فيما يتعلق بالشائعتين، وأن مصر ملتزمة بثوابتها القومية وبالقوانين الدولية وأنها أعلنت مرارا وتكرارا رفضها للممارسات الإسرائيلية فى المنطقة، وتحركت بجهد كبير من القيادة السياسية واحترافية فائقة من المفاوض المصرى لخلق مسارات سلمية لإنهاء الحرب ووقف التصعيد.
■■■
لا يبدو جديدا القول إن الشائعات هى جزء من حرب تتعرض لها مصر منذ سنوات، وهى سلاح خطير يعتمد على تضليل الداخل، وخلق تهديدات داخلية، بعدما فشلت الضغوط الخارجية فى كسر إرادة المصريين، وأتصور أن استمرار مشروع البناء الداخلى ومع كل خطوة يخطوها إلى الأمام أو اجتياز لعقبة وضعت فى طريقه، ستتنامى حرب الشائعات.
واليوم ومع ثبات الموقف المصرى الذى نجح فى إجهاض مخطط تهجير الفلسطينيين، وكذلك العمل الدءوب لفضح مخططات إشعال المنطقة، تتجه فوهة الشائعات نحو قلب الدولة المصرية النابض وعمود الخيمة الذى ترتكن عليه دائما وهو القوات المسلحة، لكن هيهات أن تنال تلك الشائعات الخائبة من مؤسسة لها فى قلب كل مصرى وطنى رصيد كبير من الثقة والمصداقية، وفى ظل عمل لا يتوقف من أجل خدمة الوطن، بيد تبنى ويد تحمى، وعيون وقلوب يقظة وضمائر حية، ودائما الزبد يذهب جفاء، وما ينفع الناس يمكث فى الأرض.
الأزمات التى تشهدها المنطقة لا يبدو أنها تقترب من نهاية مريحة، على الأقل فى المدى المنظور، لا سيما وأن المنطقة تدفع ثمنا فادحا لمشروعات إقليمية غير عربية وتدخلات دولية ترى فى المنطقة ساحة لتبادل الرسائل الساخنة والباردة على حد سواء، وربما تشهد تطورات إضافية مع تغير الإدارة الأمريكية فى البيت الأبيض الذى يستعد لاستقبال الرئيس دونالد ترامب مجددا، بكل ما يحمله من أفكار وسياسات مختلفة، وبعضها يحتاج إلى فهم عميق، خاصة ما يتعلق برؤيته لمنطقة الشرق الأوسط، وإدارة الأزمات داخل وحول المنطقة.
إنها فترة مليئة بالتحديات، ولا يأمن فيها إلا من يمتلك عقلا واعيا، ورؤية ثاقبة، وقوة حامية، وجبهة داخلية متماسكة، وعلاقات إقليمية ودولية وازنة، وقبل كل ذلك وبعده قيادة حكيمة ورشيدة وواقعية، قادرة على قيادة دفة الأمور بحنكة وسط محيط صاخب متلاطم الأمواج.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية