تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
لعبة «الشطرنج» الاستراتيجى فى القرن الإفريقى
والحقيقة أن إسرائيل بتلك الخطوة تؤكد سمعتها كـ«دولة مارقة»، فهى آخر دولة يمكن أن تفكر فى القانون الدولى، فوجودها بحد ذاته كان نوعًا من الاعتداء والسرقة غير المشروعة لأراضى الشعب الفلسطينى وحقه فى الحياة
هناك مقولة شهيرة لنابليون بونابرت نصها أن «الجغرافيا هى الثابت الوحيد فى السياسة»، وخبرة التاريخ تشير إلى أن جغرافية الدول لا تتغير إلا بفعل انهيارات كبرى لدول وإمبراطوريات، أو مؤامرات كبرى من دول وكيانات، أو بأحداث كبرى بفعل حروب وانقسامات.
وحدود العالم الذى نعرفه رسمتها بالدم والنار أحداث وحروب وانهيارات، من سقوط الدولة العثمانية مرورًا بالحربين العالميتين الأولى والثانية، وصولًا إلى تفكك الاتحاد السوفيتى. وربما نشهد تغيرات راهنة بفعل ما يعانيه العالم من موجة جديدة من الاضطرابات، التى قد تقود إلى تحولات فى بنية النظام الدولى، وما يصاحبها من تغيرات لقواعد اللعبة الدولية وخطوط الاشتباك الساخنة على الخريطة الإقليمية والعالمية.
ورغم التقدم التكنولوجى، والصواريخ العابرة للقارات، والفضاء السيبرانى، أثبتت أحداث عام 2025 أن الجغرافيا لا تزال تحكم السياسة، فالصراعات فى أوكرانيا، والشرق الأوسط، وبحر الصين الجنوبى تتمحور كلها حول «الأرض» و«الممرات» و«المجالات الحيوية»، مما يؤكد صحة رؤية نابليون، ومقولة الدكتور جمال حمدان بأن الجغرافيا هى التاريخ الثابت والتاريخ هو الجغرافيا المتغيرة.
■■■
ولعل التطورات المتسارعة التى حملتها الساعات الأخيرة من هذا العام المفعم بالتحولات تضعنا بصورة لافتة أمام فصل جديد من «لعبة الشطرنج الاستراتيجى» الجارية فى الإقليم خلال العقد الماضى، والتى تسارعت بوتيرة مقلقة خلال العامين الأخيرين، وها هى رقعة الشطرنج تشهد فتح جبهة جديدة، كانت دائمًا محل اهتمام اللاعبين الإقليميين والدوليين، وساحة للتنافس والبحث عن تعزيز النفوذ، ألا وهى جبهة القرن الإفريقى.
والقرن الإفريقى مسمى مجازى شائع الانتشار لدى الباحثين والدبلوماسيين والمخططين الاستراتيجيين، ويشير إلى واحدة من أكثر المناطق ذات الأهمية الجيوسياسية على المستوى الإقليمى والدولى، وهى المنطقة التى تضم الصومال وجيبوتى وإريتريا وإثيوبيا، وبعض المراجع تضيف إليها السودان وجنوب السودان.
هذه المنطقة التى تمتلك حضورًا استراتيجيًا فى كل معادلات النفوذ القديمة والمعاصرة، تزداد أهميتها أو بالأحرى خطورتها، مع تزايد التعقيدات الأمنية والسياسية فى تلك المنطقة الهشة، سواء بسبب تعقد تركيبتها السكانية، أو بتصاعد وتيرة المهددات الأمنية مثل انتشار التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، أو بفعل تنامى التدخلات الخارجية والتنافس الإقليمى والدولى فى ضوء ما تشهده المنطقة والعالم من تحولات.
وقد جاء اعتراف إسرائيل بإقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) فى 26 ديسمبر الحالى كدولة مستقلة ليمثل تطورًا جيوسياسيًا خطيرًا، وتحديًا إضافيًا يُعقد من الوضع فى تلك المنطقة بالغة التعقيد، ويفاقم من أزماتها، ويعزز نهج الفوضى الذى تحاول الحكومة اليمينية المتطرفة فى تل أبيب أن تفرضه على الإقليم، طمعًا فى تعزيز نفوذها وأملًا فى لعب أدوار إقليمية أكبر بزيادة أوراق تأثيرها فى المرحلة المقبلة التى قد تشهد انسحابًا أمريكيًا من معادلة النفوذ فى الشرق الأوسط وفق استراتيجية الأمن القومى الأمريكى الجديدة، والتى تحاول خفض تكلفة الوجود العسكرى الأمريكى فى المنطقة عبر الاعتماد على شبكة من الوكلاء لحماية مصالح واشنطن، وقد كانت إسرائيل - ولا تزال- أبرز هؤلاء الوكلاء.
■■■
هذه الخطوة الإسرائيلية بخلاف عدم مشروعيتها القانونية وفق قواعد القانون الدولى، تعد تطورًا خطيرًا يفتح المجال أمام مزيد من الارتباك والاضطراب فى منطقة لا تحتمل مزيدًا من سكب الزيت على النار، فهى بحكم تركيبتها السكانية القبلية والإثنية قابلة دائمًا للاشتعال، ومن شأن تلك الخطوة الإسرائيلية أن تفاقم من أزمات المنطقة، لا بفتح الباب أمام صراع جديد بين مكونات الدولة الصومالية التى يعد ذلك القرار اعتداء صارخًا على سيادتها، بل بمنح الكيانات الانفصالية فى المنطقة «قُبلة حياة».
والحقيقة أن إسرائيل بتلك الخطوة تؤكد سمعتها كـ«دولة مارقة»، فهى آخر دولة يمكن أن تفكر فى القانون الدولى، فوجودها بحد ذاته كان نوعًا من الاعتداء والسرقة غير المشروعة لأراضى الشعب الفلسطينى وحقه فى الحياة، والإجرام الإسرائيلى المتكرر عبر حقب زمنية متلاحقة آخرها المجازر الوحشية التى ارتكبتها ولا تزال بحق الشعب الفلسطينى خلال العامين الماضيين، أبلغ دليل على إصرار إسرائيل فى أن تبقى دولة «فوق القانون».
والاعتراف الإسرائيلى بإقليم «أرض الصومال» الذى يتسول ذلك الاعتراف الدولى منذ مطلع تسعينيات القرن الماضى يضع الإقليم برمته أمام فوهة الانفلات الإسرائيلى، صحيح أن تلك الخطوة لن تؤدى إلى تحول الإقليم الانفصالى إلى دولة مستقلة، وستبقى مجرد «قفزة فى الهواء» إذا لم تتكرر الاعترافات الدولية، لكن خطورة تلك الخطوة تكمن فى أنها قد تكون «بالون اختبار» لمواقف دول الإقليم والقوى الدولية المهتمة بمنطقة القرن الإفريقى، و قد يشجع الصمت فى مواجهتها آخرين على اتخاذ نفس النهج غير المشروع، لا سيما فى ظل ضبابية الموقف الأمريكى، إذ اكتفى الرئيس دونالد ترامب بالقول تعليقًا على القرار الإسرائيلى بأنه «لن يعترف - حاليًا - بأرض الصومال»، وضعوا تحت كلمة «حاليًا» ألف خط أحمر!
■■■
قراءة الخطوة الإسرائيلية، بخلاف إدانتها القانونية والأخلاقية والسياسية، يجب أن تؤخذ على محمل الجد، وأن توضع فى سياق أوسع ضمن محاولات إعادة هندسة الإقليم فى مرحلة ما بعد الحرب فى غزة، ومساعى إسرائيل لتحويل الإنجازات الميدانية فى الجبهات السبعة التى أشعلتها خلال حرب العامين، إلى مكاسب استراتيجية بعيدة المدى، وهذا هو الخطر الحقيقى الذى ينبغى التنبه له.
هذا فضلًا عن أن القرار الإسرائيلى المتعلق بالاعتراف بإقليم «أرض الصومال» كدولة، يمثل «نقلة» خطيرة فى لعبة «الشطرنج» الجارية فى تلك المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية، فنحن فى واقع الأمر أمام مشروعين يقفان على طرفى نقيض لواقع ومستقبل منطقة الشرق الأوسط عمومًا، والقرن الإفريقى على وجه الخصوص.
المشروع الأول يمكننا أن نطلق عليه مشروع «الفوضى والتقزيم»، ولنتخيل أنه الجيش الأسود، وهذا المشروع يعتمد على إبقاء المنطقة رهينة حالة من الفوضى الأمنية والسياسية العميقة، والاعتماد على الفاعلين دون الدولة (Non State Actors) من التنظيمات والمليشيات، وتشجيع الكيانات الانفصالية ودعوات إشعال الصراعات العرقية والطائفية والمذهبية، وهو ما يدفع دول المنطقة إلى اضطرابات داخلية واسعة وخطيرة، تتنوع فى صورها وأدواتها مثل الحروب الأهلية كما حدث فى سوريا، أو بإشعال الانقسامات بين مكونات الدولة الواحدة كما هو الحال فى ليبيا، أو بتفجير حرب داخلية كما هو الوضع فى السودان، أو عبر استهداف الدول بجماعات الإرهاب لإغراقها فى حرب استنزاف طويلة المدى كما يجرى الأمر فى الصومال، التى يُضاف إلى تحدياتها كذلك تشجيع الكيانات الانفصالية عن الوطن.
هذا النهج والمشروع «الأسود» يقود إلى أزمات اقتصادية وإضعاف لمؤسسات الدولة الوطنية، ومن ثم إحداث حالة من «الانكشاف الاستراتيجى» لتلك الدول أمام أية محاولة للتدخل الخارجى فى شئونها، وفى كثير من الأحيان يقود إلى انفصال أجزاء من الدولة رسميًا أو واقعيًا، أو سقوطها فى مستنقع الفوضى، بما يؤدى فى النهاية إلى «تقزيمها» سواء بتمزيق أراضيها أو بتلاشى دورها الإقليمى وقدرتها على الفعل، أو من خلال تحويلها إلى «دولة فاشلة» لا تستطيع مؤسساتها القيام بأدوارها وواجباتها السياسية والقانونية.
■■■
وهذا النهج للأسف الشديد استطاع أن ينال من بعض دولنا العربية، وتحول إلى «وباء» ينخر فى عظام قدرتها على القيام بمسئولياتها، سواء تجاه شعوبها أو المساهمة فى معادلات القوة والنفوذ على مستوى الإقليم، الأمر الذى يُضعف الحضور العربى فى مواجهة مشاريع إقليمية غير عربية تراهن على الهيمنة المستقبلية على الإقليم فى ظل تحولات عميقة للنظام الدولى.
ودون أى تجنٍ، ومن خلال تحليل لمسارات السلوك الإقليمى، يمكننا أن نضع الممارسات الإسرائيلية والإثيوبية، وبخاصة خلال السنوات الأخيرة باعتبارها اللاعب والمحرك الأبرز لقطع «الجيش الأسود» فإسرائيل وإثيوبيا تجمعهما علاقات تاريخية، سبق أن تطرقتُ إليها فى مقال سابق، وكانت إثيوبيا لاعبًا رئيسًا فى السياسة الإسرائيلية لـ«تطويق دول الطوق العربية» منذ ستينيات القرن الماضى، ولا تزال تلعب دورًا نشطًا كورقة ضغط على الدول العربية الفاعلة وفى مقدمتها مصر.
كما تكشف التطورات الأخيرة عن توافق فى الرؤية والمنهج بين تل أبيب وأديس أبابا بشأن التعامل مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالى، فقبل الخطوة الإسرائيلية، كانت الحكومة الإثيوبية هى من ألقت حجرًا فى بركة الاعتراف الدولى الآسنة بهذا الإقليم، عندما وقعت اتفاقًا مشبوهًا ومرفوضًا إقليميًا ودوليًا فى يناير 2024 للحصول على منفذ بحرى تقيم به ميناء تجاريًا وقاعدة عسكرية على ساحل منطقة «بربرة» فى إقليم «أرض الصومال»، وكانت فكرة «الاعتراف الدولى» جزءًا من الصفقة الخبيثة، واليوم يأتى نتنياهو ليتم ما بدأه آبى أحمد!!
■■■
فى المقابل يقف المشروع الآخر، والرؤية النقيضة لما سبق، ويمكن أن نتخيله بـ«الجيش الأبيض»، الذى يعتمد استراتيجية «الأمن والتنمية»، ويستند إلى حقيقة واضحة وهى أن استعادة قوة الدولة الوطنية وإعادة بناء مؤسساتها لتتمكن من القيام بأدوارها تمثل الحصن الأول والأهم فى التصدى لمخططات الفوضى ومساعى إشعال الاضطراب والانقسام.
ويتخذ هذا المشروع «الأبيض» من الخبرة المتراكمة على مدى السنوات الماضية سبيلاً لإقناع مختلف الأطراف بخطورة الاعتماد على الكيانات والفاعلين دون الدولة، وأهمية تقوية مؤسسات الدولة الوطنية، بما فيها الجيوش الاحترافية والأجهزة الأمنية الفاعلة، للتصدى لموجات الإرهاب والعنف وزعزعة الاستقرار.
كما يتخذ ذلك المشروع من التنمية سبيلًا ليس فقط للوفاء بمتطلبات واحتياجات الشعوب، بما يُحصنها من عمليات الاستغلال والاستخدام لتخريب أوطانها بأيديها، وبناء «شبكة أمان» ضد محاولات الاختراق الخارجية، بل يعتمد على تلك التنمية كوسيلة للتعاون الإقليمى، بما يحقق مصالح مشتركة، تعزز من العلاقات والدعم المتبادل بين دول الإقليم بعيدًا عن دعوات الشقاق والصراع، ويستند إلى التعاون بديلًا عن التعارك، والتكامل سبيلًا لتفادى التنافس.
هذا المشروع «الأبيض» يرتكز على رؤية تاريخية عميقة لواقع المنطقة، ترى أن شعوب الشرق الأوسط استطاعت أن تواجه كل مشاريع الاستعمار الخارجية بقدرتها على التماسك والتعاون، وأن مشاريع التفكيك الخارجية لا تدوم بأكثر مما يدوم زبد البحر الهائج.
كما يستند هذا المشروع إلى احترام لحقوق الشعوب فى العيش المشترك، والحفاظ على مقدراتها، وبناء صيغة مشتركة من التعاون الآمن والمستدام فيما بينها، مع احترام والتزام بقواعد القانون الدولى، ومشاركة نشطة فى ترتيبات الأمن والاستقرار الإقليمى والدولى، والحفاظ على المصالح الحيوية وبخاصة الاستراتيجية عبر آليات للتعاون وليس إملاءات ومناورات غير مشروعة.
■■■
والواقع أن مصر وإلى جوارها العديد من الدول العربية الوازنة تصلح لتكون أبلغ تجسيد لمشروع «الأمن والتنمية»، فقد انخرطت مصر ومنذ 2014 فى دبلوماسية نشطة سواء فى منطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية عمومًا، أو فى القرن الإفريقى على وجه الخصوص، استجابة لالتزامات تاريخية تمسكت بها الدولة المصرية، واستعادت تفعيل دورها فى القيام بها مع انطلاق مشروع البناء الوطنى الذى يقوده الرئيس عبد الفتاح السيسى، والذى يعتمد على التكامل بين بناء قدرات الدولة الداخلية، وامتلاك أدوات الفعل والتأثير الخارجية، وكلاهما لا ينفصل أبدًا عن الآخر.
ومن يراجع وقائع التاريخ سيجد ارتباطًا عميقًا بين مصر وبين منطقة القرن الإفريقى، منذ عصر حتشبسوت التى أطلقت مسارًا تجاريًا للتعاون مع بلاد «بونت» الصومال حاليًا، وصولًا إلى لعب دور محورى فى الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية للصومال عبر إنشاء المراكز الثقافية، وإيفاد بعثات تعليمية مصرية، ووضع خطط لإصلاح الاقتصاد الصومالى سواء فى المرحلة التى سبقت الاستقلال أو بعده.
ويكفى أن نستعيد اسم أول شهيد للسلك الدبلوماسى المصرى فى العصر الحديث، وهو كمال الدين صلاح (1910 - 1957) ، الذى اغتيل فى 16 أبريل 1957 أمام مدخل القنصلية المصرية فى العاصمة الصومالية مقديشو أثناء نضاله لدعم استقلال الصومال وإنهاء الوصاية الدولية عليه، بعدما اختاره الرئيس جمال عبد الناصر عام 1954 ليكون مندوب مصر فى «المجلس الاستشارى للأمم المتحدة» المشرف على الوصاية الإيطالية فى الصومال، وتشير المصادر إلى أن عملية الاغتيال كانت بتدبير من القوى الاستعمارية التى سعت لإفشال جهوده فى تحقيق استقلال الصومال وإبعاده عن النفوذ المصرى.. فما أشبه اليوم بالبارحة!!.
واليوم تريد القوى الاستعمارية إبعاد الصومال عن محيطه العربى عبر تفكيكه وإضعافه، لكن الرؤية المصرية تقف حصناً منيعاً مستندة إلى علاقة وطيدة مع الشعب الصومالى الشقيق، وتعاون وثيق مع مؤسسات الدولة الصومالية، حيث جرى ترفيع العلاقات بين البلدين إلى المستوى الاستراتيجى فى يناير 2025، وقبلها بعدة أشهر (أغسطس 2024) وقّع البلدان اتفاقيات دفاع مشترك، تشارك بموجبها مصر فى تدريب الكوادر الصومالية للتصدى للإرهاب، كما وافقت مصر على المشاركة فى بعثة الاتحاد الإفريقى لدعم واستقرار الصومال (AUSSOM) لعام 2025 بهدف مكافحة الإرهاب واستعادة التوازن الاستراتيجى فى المنطقة التى تمثل أهمية كبرى للأمن القومى المصرى وللسلم والأمن فى الإقليم والعالم.
■■■
ومن الواضح أن الخطوة الإسرائيلية تحاول أن تأخذ زمام المبادرة على رقعة الشطرنج الإقليمية، وبالأخص فى القرن الإفريقى، فعلى المستوى التكتيكى تفتح تل أبيب جبهة إشغال جديدة للدول المعنية بإنهاء الحرب فى غزة، أملًا فى تنصل إسرائيل من التزاماتها بشأن المرحلة الثانية من اتفاق شرم الشيخ، وطمعًا فى مواصلة لعبة استنزاف الوقت التى يجيدها نتنياهو، وربما أملًا فى أن تكون «أرض الصومال» وطنًا بديلًا للفلسطينيين بعدما عجز عن تهجيرهم نحو دول الجوار.
كما تحاول إسرائيل كسب المزيد من أوراق الضغط عبر الحصول على موطئ قدم ثابت فى المدخل الجنوبى للبحر الأحمر، إضافة إلى وجودها فى شماله عبر ميناء إيلات على خليج العقبة، الأمر الذى يجعلها لاعبًا محوريًا فى تأمين هذا الشريان التجارى الحيوى، والذى تمر من خلاله نحو 15 فى المائة من التجارة العالمية.
كما يجعل التواجد الإسرائيلى فى تلك المنطقة الحيوية تل أبيب على مقربة من ترتيبات الأمن فى باب المندب، حيث تتواجد أساطيل عالمية عدة من الولايات المتحدة التى تقود تحالف «حارس الازدهار» وأوروبا التى تقود عمليات «اسبيدوس»، فضلًا عن الاقتراب من دول مهمة على الساحة الدولية مثل الصين والهند واليابان وفرنسا وروسيا تتواجد فى هذه المنطقة عبر أساطيل متحركة وقواعد عسكرية ثابتة.
هذا فضلًا عن اقتطاع أجزاء من السواحل الصومالية وهى الأطول عربيًا والثانية إفريقيًا (3333 كم)، وتخصيص مساحات من تلك السواحل باعتبارها مسرحًا نشطًا للتواجد العسكرى والتنافس الإقليمى، وهو ما يهدد بعسكرة البحر الأحمر، أى تحويله إلى ساحة قابلة للاشتعال فى أية لحظة، وهو ما يرفع تكلفة المرور عبر هذا الشريان الحيوى الذى يمثل المدخل الجنوبى لقناة السويس.
الوجود الإسرائيلى فى تلك المنطقة أيضًا يوفر لتل أبيب تواجدًا بالقرب من مناطق حيوية مثل منطقة حوض النيل، والخليج العربى، وهو ما تعتقد حكومة نتنياهو أنه سيزيد من أوراق الضغط التى تمتلكها فى هذه المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى لمعظم الدول العربية سواء مصر والسودان ودول الخليج العربية، وقد تعتقد أنها بذلك تزيد من قيمتها لدى الولايات المتحدة التى لم تعد تخفى ضيقها بتكلفة الحضور المباشر فى الشرق الأوسط، لكن الأمر لا يخلو أيضًا من أعباء وتكلفة على تل أبيب أن تفكر فيها، فى ظل التحول الأمريكى نحو اعتبار «الأمن والدفاع» سلعة قابلة للبيع والتصدير، حتى بالنسبة لحلفاء واشنطن أنفسهم، وما يجرى مع الحلفاء الأوروبيين خير مثال.
■■■
الرفض العربى والإسلامى والدولى للخطوة الإسرائيلية يجب أن يقترن هذه المرة بإجراءات واضحة وفعالة، فالتحدى الاستراتيجى لقرار الاعتراف بـ«أرض الصومال» كبير وخطير، لأنه قد يقود إلى التهام مزيد من أراضى الدول العربية، فى زمن باتت النظرة إلى جغرافية الأوطان لدى بعض قادة الدول الكبرى فى العالم مجرد «مشروع عقارى» لا علاقة له باعتبارات التاريخ أو بحقوق الشعوب!!
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية