تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. أسامة السعيد > عائلة «الأخبار» .. ورسالة الصحافة الوطنية

عائلة «الأخبار» .. ورسالة الصحافة الوطنية

منذ التحاقى بجريدة «الأخبار» كنت شغوفا بالذهاب إلى مكتبة الدار فى المبنى التاريخى الذى بناه العملاقان مصطفى وعلى أمين، ومن هذا المبنى (الأصل) خرجت كل الفروع الزاهرة من مبانٍ أو إصدارات صحفية.

أحرص على انتهاز أية فرصة لأطلع على الأعداد التاريخية للجريدة، وتغطياتها للأحداث الكبرى، وقادنى ذلك الشغف لاحقا إلى قراءة العديد من مذكرات كبار الكتاب لفهم أبعاد وكواليس تلك التجربة.

ومن أهم الوقائع التى توقفت أمامها حائرا، الوصية التى كتبها الأستاذ على أمين فى محبسه بعد القبض عليه مع توأمه «مصطفى» يوم 25 يوليو 1952 بوشاية رخيصة ثبت كذبها بعد تحقيقات موسعة أجرتها سلطات الثورة التى لم يكن قد مضى على قيامها أكثر من أيام معدودة. كانت الوصية تتضمن تنازل على أمين عن كل ما يملك إلى محررى وموظفى وعمال دار «أخبار اليوم».

توقفتُ مندهشا ومتسائلا: لماذا يتنازل إنسان عن كل ما يملك، فى لحظة تصور أنها قد تحمل نهاية حياته، للجريدة التى أسسها، وليس لأسرته وأبنائه؟! 

أليس الأمر غريبا أن ينشغل الرجل فى تلك اللحظات القاسية بمستقبل المكان الذى عمل به أكثر من انشغاله ببيته وابنته الوحيدة، بل يكتب صراحة فى الوصية أنه لا يجوز لزوجته ولا لابنته أو أىٍّ من الورثة الشرعيين الطعن فى هذه الوصية، مشددا على أن «دار أخبار اليوم لم تنشأ بمالى وإنما أنشئت بجهود هؤلاء المحررين والموظفين والعمال وتكاتفهم وإخلاصهم وسهرهم المتواصل».

لكن الإجابة جاءت من وحى تلك الفترة أيضا، عندما قرأت أن العمل فى صحف «أخبار اليوم» لم يتوقف لحظة واحدة رغم الحدث المزلزل بإلقاء القبض على مؤسسى ومالكى الدار وقيادتها العليا، وأن انتظام العمل وثبات جميع المحررين والموظفين والعمال كان مثيرا لدهشة الجميع، فأدركت أن وصية على أمين لم تكن مستغربة، فقد كانت الدار والعاملون بها أسرته الحقيقية التى انشغل بمصيرها وأوصى لها بكل ثروته.

وعندما أستعيد إصرار العملاق مصطفى أمين على عقد اجتماع أسبوعى يحضره جميع المحررين، بل وحتى لمن يرغب من العمال والإداريين كما روى الكاتب الكبير موسى صبرى فى مذكراته (50 عاما فى قطار الصحافة) يتأكد لدىَّ هذا اليقين، فهذا الاجتماع تحول على مدى سنوات إلى مدرسة فى الصحافة وفى الحياة وفى إرساء روح العائلة، يحرص خلاله الأستاذ مصطفى أمين على مناقشة التغطيات التى قامت بها «الأخبار» على مدار الأسبوع، ويطرح زوايا جديدة لمعالجة الأحداث، ويطلب من الصحفيين الذين عادوا من رحلات خارجية أن يلخصوا أبرز ما رأوه فى تلك الزيارات لزملائهم حتى تعم الفائدة على الجميع.

■■■

هذه هى الروح التى تأسس بها هذا الكيان العملاق، وتربت عليها أجيال من ألمع نجوم الصحافة المصرية على مدى ثمانية عقود. وفى كل يوم فى رحلتى بجريدة «الأخبار» من محرر تحت التمرين بقسم التحقيقات وصولا لتشرفى برئاسة التحرير، كنت أتيقن من أن روح العائلة والتماسك بين جميع أبناء هذا الصرح هى أهم أسرار النجاح والتميز، فضلا عن التمسك الذى لا يقبل تهاونا بأن نبقى جزءا من ضمير الوطن وصوتا للمواطن.

واليوم ونحن نحتفل بعيد ميلاد الأخبار الـ 73، نشعر بتعاظم تلك المسئولية فى محيط إعلامى وإقليمى ودولى صاخب، فأدوات المهنة تتغير واقتصاديات صناعة الإعلام تشهد تحولات جوهرية تفرض أدوات وتقنيات جديدة، علينا أن نواكبها دون أن نتخلى عن هويتنا وقيمنا المهنية.

هذا الواقع المتغير يفرض أيضا أعباء كبيرة على المؤسسات الاحترافية لكى تبقى فى مضمار المنافسة، فى زمن ما يسمى بـ«صحافة المواطن» أو إعلام «السوشيال ميديا»، الذى يمنح أى شخص القدرة على نشر ما يحلو له من معلومات، مهما كانت درجة صحته أو دقتها، فضلا عن موضوعيتها.

ورغم أهمية ذلك النمط وانتشاره لكنه يكرس لواقع إعلامى بالغ الصعوبة على المؤسسات الإعلامية وبخاصة الصحف المطبوعة القابضة على جمر المهنية والدقة والمصداقية، فى زمن يهرول فيه كثيرون وراء «التريند».

■■■

وإذا ما أضفنا إلى ذلك حجم وطبيعة ما يشهده العالم والإقليم من حولنا من متغيرات وتحولات، فإن المسئولية تتضاعف، وبخاصة على الصحف القومية، صاحبة الدور التاريخى والصفحات المشرفة فى مساندة الوطن فى كل مراحله، كى تعمل بكل ما أوتيت من قوة وأدوات لتواصل رسالتها فى تقديم خدمة تساند الوطن وتساهم فى بناء وعى حقيقى ومعرفة دقيقة بما يجرى من حولنا، وهو دور لا غنى عنه فى عصر صارت الحروب فيه ومحاولات تخريب الأوطان تدور عبر اختراق العقول وتزييف الوعي، دون إطلاق رصاصة واحدة!

اليوم تتعاظم مسئوليتنا المهنية والوطنية والتنويرية فى ظل أجواء إقليمية ودولية عاصفة، وفى مواجهة تحولات لا تقل صعوبة فى مجال الصناعة والموارد المتاحة للمؤسسات الإعلامية الاحترافية، وفى هذا المقام، لا يفوتنى أن أوجه الشكر للهيئة الوطنية للصحافة التى يقودها واحد من القيادات الوطنية المخلصة وهو المهندس عبد الصادق الشوربجي، الرجل الذى يؤمن بقيمة ودور ورسالة الصحافة القومية والوطنية، ولا يبخل بأى دعم كى تؤدى هذه المؤسسات واجبها الوطنى والمهنى على أكمل وجه.

■■■

 فى عيد ميلاد «الأخبار» نجدد العهد معكم بأن نحافظ على إرث مؤسسى «أخبار اليوم» ونتمسك بروح العائلة التى كانت أساسا لبناء هذا الصرح الشامخ، كما نجدد العهد على أن تبقى صفحات «الأخبار» حصونا لحماية الوطن وتعزيزا لوعى المواطن.. تحترم فكره وتلبى حقه فى المعرفة بمحتوى مفيد وجذاب.

كل عام و«الأخبار» وجميع العاملين فيها بخير، ومصر قوية عزيزة بفضل ربها، آمنة مطمئنة مستقرة بتماسك شعبها وبحكمة قائدها وببسالة وإخلاص جيشها.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية