تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. أسامة السعيد > الحكومة الجديدة.. وإعادة بناء النخبة !

الحكومة الجديدة.. وإعادة بناء النخبة !

لم يكن خطاب الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء بالأمس أمام البرلمان، مجرد إجراء دستورى لطلب ثقة نواب الشعب فى حكومته الجديدة، لكنه - فى تقديرى- كان إعلانًا ساطعًا عن مرحلة جديدة من العمل الحكومى وبناء سياسات أكثر مرونة، وقدرة على مخاطبة التحديات الراهنة، وملامسة لواقع المواطن المصري.

بيان الحكومة أمام البرلمان ترجم بشكل جاد تكليفات القيادة السياسية والتى ركزت على الحفاظ على الأمن القومى فى ظل تحدياتٍ غير مسبوقة تعيشها المنطقة ويعانيها العالم، فضلاً عن الاستمرار فى مسار بناء الإنسان والإصلاح الاقتصادي، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير فرص عادلة لجميع أبناء الوطن للمساهمة فى البناء والعمران.

وأتصور أن ترجمة التكليفات الرئاسية للحكومة سبقت إلقاء البيان أمام «النواب»، فقراءة متعمقة للتغييرات الوزارية، والتغييرات الواسعة فى التشكيلة الحكومية بإضافة نحو 20 وزيرًا جديدًا يمثلون خبرات وكفاءات وطنية ذات قيمة كبيرة، وتوسيع نطاق الاختيار لهؤلاء الوزراء الذين جاءوا من روافد مهنية متنوعة، تؤكد أن التغيير أعمق من مجرد كونه تغييراً للوجوه.


التغييرات الوزارية ليست سوى جزء من مسار ممتد بدأته الدولة المصرية منذ عدة سنوات، وتباينت سرعته وتنوعت أدواته من مرحلة إلى أخرى، بما يتوافق مع الظروف التى تمر بها البلاد، والأولويات التى تفرضها ظروف كل مرحلة، لكن ذلك التباين لم يعنِ فى أية لحظة تخليًا عن رؤية أراها حاكمة ومتواصلة فى منهج السياسة المصرية خلال السنوات العشر الأخيرة، وهي: إعادة بناء وتجديد النخب المصرية فى مختلف المجالات.

وخلال العقد الماضى، كانت فكرة إعادة بناء النخب المصرية شاغلاً أساسياً لدى الدولة المصرية، عبر ضخ دماء جديدة فى شرايين الحياة العامة، وإتاحة فرص اكتشاف النماذج القادرة على الإسهام فى العمل العام بكل تنوعاته، وتوفير فرص التأهيل والتثقيف والتدريب لتلك الكوادر، حتى تكون قادرة على تكوين فهم واقعى وشامل لما يجرى داخليًا وخارجيًا، وبالتالى تستطيع امتلاك أدوات التأثير الحقيقية والواقعية فى محيطها السياسى والاجتماعي.

وعلى مدى السنوات الماضية انطلقت مساعٍ جادة لبناء نخب شابة واعدة وقادرة فى مختلف القطاعات تجسد رؤية الدولة لقدراتها البشرية التى يغلب الشباب على تركيبتها السكانية، بحيث تكون النخبة المصرية أكثر تعبيراً عن تكوين المجتمع، لا أن تكون منفصلة ومنعزلة عن الواقع.

ويمكن الإشارة فى هذا الصدد إلى العديد من التجارب الملهمة فى الأكاديمية الوطنية للتدريب التى قدمت خدماتها لآلاف الشباب، الذين يمثلون اليوم طاقة دفع إيجابية فى مختلف مؤسسات الدولة، إضافة إلى تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين التى مثلت رافدًا لممارسة سياسية جديدة وجادة تقوم على أرضية وطنية، تحترم الاختلاف فى الرأي، وتعتبر التنوع  الفكرى والسياسى مصدر قوة، فضلاً عن الاستعانة بكوادر جديدة مُؤهلة ومدربة فى مواقع المسئولية بالمحافظات والوزارات.

يضاف إلى جهود إعادة بناء النخبة المصرية والاستعانة بقدراتها، منصة «الحوار الوطنى» التى انطلقت بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسى، واستطاعت أن توفر إطارًا جامعًا للقوى الوطنية السياسية والحزبية ومن الشخصيات العامة، يحقق التفاعل المنشود مع العديد من مستويات النخبة المصرية، ويتيح الفرصة لتقارب مطلوب من مختلف التيارات والأفكار، بما يحقق هامشًا أكبر من التوافق، وحتى إن ظل التباين فى وجهات النظر، فإنه يكون معتمداً على بينة ورؤية جادة لواقع الحال وطبيعة التحديات وسبل مواجهتها.

وأعتقد أن حالة الحراك التى تحدثها تغييرات حيوية وشاملة فى العديد من المواقع ذات الارتباط بأولويات المواطن مثل: الوزارات الاقتصادية والخدمية، هى حالة تدعو إلى التفاؤل والاستبشار، فعناصر الكفاءة والخبرة والتأهيل تصدرت معايير الاختيار، واستمرار تمكين كوادر وطنية قادرة وممتلكة لأدواتها يبشر بنخب وطنية قادرة على الإسهام فى بناء مستقبل أفضل.

 كما أن الحرص الذى أبدته الحكومة منذ تشكيلها، سواء عبر إضافة اختصاص الاتصال السياسى لوزارة الشئون القانونية، أو تعهد رئيس الوزراء بالحرص على عقد مؤتمر صحفى أسبوعى لمكاشفة الرأى العام والرد على كل الأسئلة والاستفسارات المطروحة من جانب الرأى العام، إضافة إلى تأكيد جميع الوزراء فى تصريحاتهم الأولى عند الوصول إلى مقار وزاراتهم بالتزامهم بالتوجيه الرئاسى المتعلق بالمصارحة والمكاشفة مع الرأى العام،

كلها مؤشرات مهمة ينبغى التنبه إليها والإشادة بها، فدور الوزير والمسئول اليوم لا يقتصر فقط على الإدارة الفنية لموقع مسئوليته، بل يمتد إلى ضرورة مكاشفة الرأى العام، وبناء ظهير شعبى متفهم وداعم لسياساته، فى مواجهة حملات استهداف وتشويه مغرضة نعرفها جميعاً، ونرصدها على مدار الساعة، وأفضل السبل لإجهاضها هو إتاحة المعلومات بشفافية وفى توقيت مناسب وعبر تواصل مستمر مع وسائل الإعلام ومبادرة دائمة لتوضيح الحقائق.

التحديات التى نواجهها فى منطقتنا وفى العالم كبيرة وخطيرة، ولا أحد بمنأى اليوم عن تداعياتها، وهو ما يتطلب منا جميعًا أداء غير تقليدى فى مواجهتها، ومرونة أكبر فى بناء سياسات أكثر فاعلية، فضلاً عن التسويق السياسى والاجتماعى لتلك السياسات، وهو أمر يحتاج إلى نخب تتحلى بالقدرة على فهم ما يجرى حولنا على النحو الصحيح، ومن ثم تقديمه للجمهور بطريقة تنير وعيه ولا تزيفه، وبأسلوب يدفعه إلى اتخاذ القرار الصائب لا أن يسقط فى فخ التشوش والاستقطاب.

حالة الحراك الإيجابى التى رافقت تشكيل الحكومة، تدعو للتفاؤل والاستبشار بأداء أكثر فاعلية، كما تدعونا جميعًا - نخبًا ومواطنين - إلى ضرورة تكوين إدراك أعمق لحقيقة ما يجرى من حولنا، وتقديم دعم أكبر لكل من يعمل بصدق وإخلاص لخدمة الوطن.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية