تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
هل يحتاج نيتانياهو سنة أخرى؟
كنت أنوى الأسبوع الماضى البدء فى سلسلة مقالات بمناسبة مرور سنة على عملية «طوفان الأقصى»، وذلك لإلقاء نظرة فاحصة على حصادها بحلوها ومُرها، غير أنه لم يكن ممكنًا تجاهل الذكرى الخالدة لحرب أكتوبر، وهأنذا أتراجع فى هذا الأسبوع أيضًا لأنى رأيت أن صمود المقاومة فى لبنان بعد الضربات الموجعة التى وُجهت لحزب الله، واستمرار حيوية المقاومة فى غزة رغم التصعيد المجنون الذى يقوم به نيتانياهو على الجبهتين يحتاج إلى وقفة تأمل.
وبداية فإن تصعيد المستعمِر (بكسر الميم) فى حروب التحرر الوطنى يرتبط عادة بضراوة المقاومة، فكلما اشتدت ضرباتها طاش صوابه، لأن عقليته الاستعمارية تجعله عاجزًا عن فهم منطق التحرر الوطنى، بحيث يتخيل أن مزيدًا من الإفراط فى استخدام القوة دون تمييز يمْكِن أن يُمَكنه من هزيمة الحركات التحررية غير مدرك لخبرة التاريخ ودروسه، ويذكرنى هذا بالمقولة الشهيرة لألبرت أينشتين: «الغباء هو فعل نفس الشىء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة»، وليس نيتانياهو نسيج وحده فى هذا العمى التاريخى، فقد سبقه إلى ذلك معظم القيادات الاستعمارية التى عجزت عن فهم منطق التحرر الوطنى. حتى أُجبرت على التسليم باستقلال المستعمرات إلا من أبى، فكان جزاؤه انهيار نظامه السياسى، وحلول من تمتعوا برؤية مغايرة محله، كما حدث فى فرنسا 1958 إبان حرب التحرير الجزائرية، والبرتغال 1974 فى حرب تحرير المستعمرات البرتغالية فى إفريقيا،
وتمر إسرائيل الآن ومنذ عقود بمرحلة العجز عن إدراك استحالة هزيمة الشعب الفلسطينى، ويبدو أن هذه المرحلة باقية معنا بسبب الطبيعة المتطرفة للمجتمع الإسرائيلى والقوة الباطشة التى يملكها، وسوف يتوقف أمد هذه المرحلة على عوامل فلسطينية وعربية وإقليمية وعالمية، بحيث يصل حده الأدنى بوحدة وطنية فلسطينية وظهير عربى وإقليمى قوى وتحولات دولية فَجَّر «طوفان الأقصى» إرهاصاتها.
وقد سارع خصوم المقاومة كما هو معروف عندما تلقت ضربات موجعة فى لبنان، وخفت أداؤها نسبيًا فى غزة إلى رفع راية الرشادة وشعار «كفى للمقاومة» على أساس أنها لم تأت إلا بالقتل والخراب، وقد سبقت مناقشة هذه الفكرة فى مقالة الخميس 3 أكتوبر الحالى، والدفع بأن القتل والخراب يحدثان من المستعمِرين (بكسر الميم) سواء وُجِدَت المقاومة أو بدونها، كما تشهد التجربة الفلسطينية ذاتها منذ 1948 بل وقبلها، حين تعرض الشعب الفلسطينى لأبشع أنواع الإرهاب والقتل لإجباره على الخروج من وطنه باعتراف المؤرخين الجدد فى إسرائيل!
ومن ناحية أخرى فقد جربت منظمة التحرير الفلسطينية الحل السياسى بتوقيع اتفاقية أوسلو 1993 والاعتراف بإسرائيل، فضاع ما يزيد على 30 سنة من عمر النضال الفلسطينى دون جدوى بالبقاء فى المربع رقم صفر بعد كل هذه السنوات، وثبت عقم الحل السياسى فى الحالة الصهيونية، فكيف نلوم من يخرج على المحتل شاهرًا سيفه طلبًا للحرية والخلاص من الحصار والإذلال؟ لكن خصوم المقاومة يطالبون برأسها، وباستغلال الانتصارات التكتيكية التى حققتها إسرائيل فى رسم خريطة جديدة تتناغم ملامحها مع الرؤية المتطرفة لقادة الكيان الصهيونى، ونذكر بطبيعة الحال الأفكار السخيفة التى تحدثت عن مستقبل غزة منذ الشهر الثانى لعملية المقاومة، ومن يتولى حكمها بعد اجتثاث المقاومة!
وقد كتبت على هذه الصفحة بتاريخ 9 نوفمبر 2023 تحت عنوان «6 ملاحظات حول مستقبل غزة» ما مفاده أن الحكم بهزيمة المقاومة مبكر للغاية حتى نبنى عليه رؤىً للمستقبل، وهاقد مرت قرابة السنة على مسارعة إسرائيل والإدارة الأمريكية وكل خصوم المقاومة بالحديث عن هزيمتها والانشغال بترتيب الأوضاع بعد اختفائها من المسرح وهى لاتزال صامدة وقادرة على إيقاع الخسائر بالقوات الإسرائيلية!
بعد مضى أكثر من سنة على الممارسات الممنهجة للقتل والتدمير بحق الفلسطينيين فى غزة أولًا ثم الضفة ثانيًا، وهو صمود لا يُصَدَّق فى وجه آلة القتل والتدمير الإسرائيلية المدعومة على نحو مطلق بالإدارة الأمريكية كما عودتنا تقاليد السياسة الخارجية الأمريكية.
وقد تكرر الأمر بحذافيره فى الحالة اللبنانية، إذ إنه بعد الضربات الموجعة التى تلقاها «حزب الله» بدأ الحديث من دوائر معروفة على رأسها الدوائر الأمريكية بطبيعة الحال عن انتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان، والمنطق الكامن وراء هذه المسارعة أن الحزب قد هُزِم، وبالتالى يمكن تجاوزه فى عملية انتخاب الرئيس الجديد فى تغافل تام عن تجربة الغزو الإسرائيلى للبنان فى يونيو 1982، وانتخاب بشير الجميل رئيسًا فى 23 أغسطس، ثم اغتياله بعد أقل من شهر فى 14 سبتمبر قبل أن يتسلم منصبه، وقد مرت حتى الآن قرابة الشهر على بدء الضربات الموجعة الموجهة لحزب الله بتفجير أجهزة الاتصال التى يستعملها أفراده، والتى وصلت ذروتها باغتيال أمينه العام فى 27 سبتمبر الماضى، ومع ذلك مازال الحزب صامدًا فى الميدان يواجه القوات الإسرائيلية التى تحاول اختراق الجنوب اللبنانى، ويواصل ضرباته الصاروخية وبالطائرات المسيرة على بنك أهدافه فى إسرائيل، وصولًا إلى أكثرها إيلامًا ليل الأحد الماضى بنجاح طائرة مسيرة أطلقها فى ضرب قاعدة عسكرية إسرائيلية مما أدى وفقًا للأرقام الإسرائيلية المشكوك فى صحتها دائمًا إلى مقتل 4 جنود وإصابة ما يزيد على 60 من أفراد القاعدة، وهو ما اعتبر أشد ضربة يوجهها الحزب لإسرائيل، ويدل على استعادته توازنه، وينبئ باحتمال أنه مازال يملك المزيد فى جعبته، وقد تنكسر المقاومة فى هذه الجولة لا قدر الله، لكن الانكسار فى تاريخ حركات التحرر الوطنى يكون مؤقتًا دائمًا، لتنهض من جديد، وتصل لغايتها مهما كانت الصعاب، فهل يحتاج نيتانياهو سنة أخرى كى يحقق أهدافه؟ بل هل يحققها أصلًا؟
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية