تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

هل اتسع الخرق على الراتق؟

فى بدايات عملية «طوفان الأقصى» أجرت إحدى القنوات التليفزيونية واسعة الانتشار مصريًا وعربيًا لقاء معى وضعتُ فيه العملية فى السياق التاريخى لحركات التحرر الوطنى، بما يعنى أن النصر لابد وأن يكون فى النهاية من نصيب هذه الحركات وإن طال الزمن وعظمت التكلفة، وإن كان هذا لا يعنى بالضرورة أن هذه الحركات لابد وأن تكسب كل معاركها، ولكنه يعنى تحديدًا أن أى خسارة لها ستكون تكتيكية تنهض بعدها مجددًا، وتواصل النضال فى منحنى صاعد حتى النصر، ولقد كان للقاء صداه الإيجابى بحمد الله، لكن بعض التعليقات اتهمنى بالشعبوية! ووصف تحليلى بأنه أيديولوجى الطابع، مع أن تاريخ حركات التحرر الوطنى بعد الحرب العالمية الثانية لم يشهد استثناء واحدًا لهذه القاعدة إلا الحالة الفلسطينية، التى بدأ الاستعمار الصهيونى فيها متأخرًا، ومن ثم كان من الطبيعى أن تبدأ فيها حركة التحرر متأخرة كذلك، وقد كان، وبعد الإرهاصات الأولى للمقاومة فى خمسينيات القرن الماضى أطلقت فتح أولى رصاصاتها فى بداية عام 1965 ثم تصاعدت حركة المقاومة الفلسطينية مع التطورات اللاحقة، وأهمها استكمال احتلال فلسطين فى عدوان 1967، وحققت إنجازات لافتة عبر محطات مهمة كمعركة الكرامة 1968، وانتفاضة الحجارة التى استمرت لسنوات منذ تفجرت فى أواخر 1987، وانتفاضة الأقصى التى بدأت فى 28 سبتمبر 2000، ودامت بدورها لسنوات كان أبرز إنجازاتها إجبار القوات الإسرائيلية على الانسحاب من غزة فى 2005، وتفكيك المستوطنات القريبة منها، ومنذ ذلك الوقت وحتى تفجرت المواجهة الراهنة أخفقت إسرائيل فى القضاء على المقاومة، بل لقد كان واضحًا من أدائها فى مواجهة الاعتداءات المتكررة على غزة أن تطورها مستمر، وصولًا إلى ما نشاهده فى المواجهة الحالية منذ 11 شهرًا، فليس الحديث عن حتمية انتصار الشعوب فى معارك تحريرها شعبويًا أو تعبيرًا عن حالة أيديولوجية، وإنما هو حقيقة علمية ليس هناك ما هو أكثر من البراهين التاريخية عليها.

 

ولم يكن أشد أنصار المقاومة يحلمون بهذا الصمود الأسطورى الممتد المصحوب بالقدرة على إيقاع الخسائر الموجعة عسكريًا واقتصاديًا بالعدو، وإحداث الانقسامات داخله سواء بين القيادة السياسية والمؤسستين العسكرية والأمنية، أو بين الحكومة والرأى العام، وكذلك إحداث تحولات مهمة فى الرأى العام العالمى، بما فى ذلك داخل حصون الدعم الغربى لإسرائيل، وبالذات الساحة الأمريكية التى أفضى فيها تفاعل توجهات قطاعات من الرأى العام الأمريكى المؤيد للقضية الفلسطينية مع احتدام السباق الرئاسى الأمريكى إلى حالة غير مسبوقة أصبحت فيها هذه القضية إحدى القضايا التى يُحْسَب حسابها فى هذا السباق، ومع هذا لم تنجح كل هذه التطورات فى إجبار نيتانياهو على تغيير هدفيه الرئيسيين من الحرب، وهما القضاء على حماس وتحرير الأسرى والرهائن، مع أنه فشل فشلًا ذريعًا فى تحقيق أى منهما، غير أنه يمكن القول إن الأسابيع القليلة الأخيرة شهدت تطورات نوعية عززت من صمود المقاومة، لعل أهمها تطوران يتعلق أولهما بامتداد المقاومة المسلحة للضفة الغربية، وقدرتها المتزايدة على إلحاق خسائر بالقوات الإسرائيلية لدرجة أجبرتها على القيام بأوسع عملية عسكرية فى الضفة منذ 2002 قيل إن فرقة كاملة شاركت فيها، وهو ما يعنى أن مقاومة الضفة أصبحت رقمًا فاعلًا فى المواجهة الحالية بقدر ما تخفف الضغط عن غزة، أما التطور الثانى فهو تفاقم الانقسام داخل إسرائيل على نحو غير مسبوق تمثل فى بعدين. أولهما الخلاف الشديد بين نيتانياهو ووزير دفاعه الذى يؤيد الصفقة، ويراها ضرورية لتحقيق أهداف إسرائيل فى هذه المواجهة، على العكس تمامًا من نيتانياهو الذى لا يمل من تكرار الفكرة الفاشلة بأن تحرير الأسرى والرهائن لن يأتى إلا بزيادة الضغط العسكرى، والغريب أنه فى مؤتمره الصحفى يوم الإثنين الماضى صرح بما يثبت عقم هذه السياسة تعليقًا على مقتل الرهائن الست عندما ذكر أن القوات الإسرائيلية كانت على وشك إنقاذهم، لكن حماس قتلتهم، وهى مسألة متوقعة مفادها أنه لو وصل الأمر إلى تحرير الرهائن بالقوة فما أسهل قتلهم لتحقيق مزيد من إرباك العدو، وقد اعترف أبو عبيدة الناطق باسم حماس بأنه بعد حادثة النصيرات صدرت تعليمات لحراس الأسرى بخصوص التعامل معهم حال اقتراب جيش الاحتلال، أما البعد الثانى للانقسام الداخلى فى إسرائيل فهو بين حكومتها والرأى العام، وفى البداية كان واضحًا أن الآراء المعارضة لسلوك نيتانياهو فى إدارة القتال، وبالذات فيما يتعلق بموقفه من صفقة التبادل، كانت شبه مقصورة على عائلات الأسرى والرهائن، غير أن الدائرة بدأت تتسع بالتدريج حتى قُدر عدد المشاركين فى مظاهرة الاحتجاج على نيتانياهو فى تل أبيب يوم الأحد الماضى بما يتراوح بين 300 ألف ونصف مليون، فضلًا عن تظاهرات أخرى خارج تل أبيب، ثم كانت النقلة النوعية بدعوة اتحاد العمال (الهستدروت) إلى إضراب عام يوم الإثنين الماضى، ورغم أن الهستدروت لم يعد يمثل كل الحركات العمالية الإسرائيلية كما كان الحال سابقًا قبل أن يضعفه نيتانياهو، ورغم أن المحكمة العليا أمرت بإنهاء الإضراب فى الثانية والنصف ظهرًا باعتبار أن دوافعه سياسية وليست مهنية، فإن دلالة أحداث الأحد والإثنين الماضيين لا تخفى على أحد من منظور تصاعد رفض الرأى العام لسلوك نيتانياهو، ومع ذلك فإنه من غير المتوقع أن يؤدى هذا إلى تغيير فى هذا السلوك إذا تذكرنا عدم انصياع نيتانياهو لمطالب المظاهرات الشعبية الهائلة المعترضة على خططه لتحجيم دور المحكمة العليا لحساب الكنيست الذى يتمتع بالأغلبية فيه، ومع ذلك فمن المهم أن منحنى الرأى العام المعارض لنيتانياهو والانقسام عمومًا فى صعود، ويعنى هذا أن استمرار صمود المقاومة وتوسيع نطاقها يمثل المدخل الأساسى لزيادة الخرق فى المشهد الإسرائيلى الراهن حتى يُسَلم نيتانياهو أو يسقط.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية