تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
ميناء للمساعدات أم مركز للتجميل وقاعدة للاحتلال؟
على مدى أكثر من خمسة أشهر من العدوان الإسرائيلى الهمجى على غزة، الذى دمر مقومات الحياة فيها وأوقع أكثر من مائة ألف من أهلها بين شهيد ومصاب، لم يستفزنى خبر كذلك الذى بشرنا بأن الرئيس الأمريكى أمر جيشه بإنشاء ميناء فى غزة لإيصال مزيد من المساعدات الإنسانية بحرًا إلى القطاع الفلسطينى المحاصر، ونُقل عن المسئول الأمريكى الذى أعلن الخبر أن إنشاء الميناء لن يتطلب قوات أمريكية على الأرض، وأن القوات ستظل فى سفن قبالة الساحل، وأن إنشاءه سيستغرق أسابيع وأن التنسيق سيتم مع إسرائيل فى هذا الشأن!
وسبب استفزازى أن الإدارة الأمريكية شريك كامل دون أدنى مبالغة فى جرائم الحرب الإسرائيلية، أى فى كل ما حدث لغزة وأهلها من قتل وتدمير بكل الوسائل والأدوات، بدءًا بصفقات السلاح التى كشفت صحيفة واشنطن بوست أن الإدارة الأمريكية وافقت على أكثر من١٠٠صفقة سلمتها لإسرائيل منذ بداية حربها الحالية على غزة، وأكدت الصحيفة أن المبيعات تضمنت آلاف الذخائر الموجهة والقذائف الخارقة للتحصينات وغيرها من الأسلحة الفتاكة، كما لفتت إلى أنه لم يتم الإعلان سوى عن اثنتين فقط من هذه الصفقات، وأن الإدارة جزأت المبيعات إلى أجزاء صغيرة حتى تتم ضمن السقف المالى المسموح الذى لا يشترط موافقة الكونجرس!
أما على الصعيد الدبلوماسى فسلاح الفيتو شاهد فى مجلس الأمن على إجهاض الولايات المتحدة لكل مشروعات القرارات التى طالبت بوقف فورى ودائم لإطلاق النار، ومن هنا يبدو القبح البالغ فى السياسة الأمريكية، فهى تتبنى السردية الإسرائيلية دون مناقشة، وتقر بأن كل ما تفعله إسرائيل هو دفاع عن النفس، وتزودها بالأسلحة الفتاكة، ثم تلقى بالوجبات على أهل غزة جوًا، وهاهى تزمع إنشاء رصيف بحرى تزودهم بالمساعدات من خلاله، أى أن الإدارة الأمريكية تشارك فى قتل الفلسطينيين فى غزة باليمين، وتوصل المساعدات لهم باليسار، فأى سقوط أخلاقى ينطوى عليه هذا الموقف؟ وهل الأجدر بها أن تعمل على وقف قتل الفلسطينيين أم تزويد الباقين منهم على قيد الحياة بالوجبات؟
ليس هذا الموقف بغريب على سياسة الإدارة الأمريكية، فهى لا تنصح إسرائيل بوقف القتل وإنما بالإقلال منه، وهى لا تعارض اجتياح رفح الفلسطينية برًا ولكنها تشترط إخلاءها من السكان قبل تدميرها، وهو إخلاء لا يعرف أحد اتجاهه ولا كيفية تدبير سبل معيشة آمنة للنازحين بعد تدمير منازلهم ومقومات حياتهم، ناهيك بأن إسرائيل تمعن فى قتل أهل رفح بالفعل بقصف الطائرات!
ولو افترضنا جدلًا أن الشفقة الأمريكية بالفلسطينيين قد بلغت مبلغها فإن أول ما يتبادر إلى الذهن أن ثمة نهجًا بديلًا وأكيدًا بمقدوره أن يقلل من التألم الأمريكى لمحنة الفلسطينيين بقليل من الضغط الحقيقى على إسرائيل لقبول وقف إطلاق النار، فإن سلمت الإدارة الأمريكية بعجزها عن ممارسة هذا الضغط فعليها أن توقف على الفور طريقة «ودنك منين يا جحا»، وتضغط على إسرائيل لإدخال المساعدات عن طريق المعابر البرية المؤهلة لذلك وعلى رأسها معبر رفح، الذى تصطف فيه مئات الشاحنات انتظارًا للدخول بسبب التعنت الإسرائيلى وإجراءات التفتيش المعقدة!
ومعروف أن عبور قوافل المساعدات برًا أسرع وأكثر قدرة على نقل المساعدات وفقًا لتصريحات مسئولين وخبراء أمميين، ولذلك فإن البعض يتشكك فى النيات الحقيقية للإدارة الأمريكية وإسرائيل التى تنطوى عليها فكرة الرصيف البحرى!
ويشير بعض المحللين إلى أن هذا الرصيف سيكون موجودًا بالقرب من حقول الغاز المكتشفة فى مياه غزة، مما قد ينطوى على خطط للسيطرة عليها، وهو ما يتسق مع السلوك الأمريكى فى أماكن أخرى كسوريا على سبيل المثال، كذلك أعرب البعض عن مخاوفه من أن تكون فكرة الميناء البحرى فى غزة مقدمة لوجود عسكرى دائم، وكلها أفكار يجب أن تخضع لنقاش موضوعي.
ومن الطريف أنه بينما لن يستغرق زيادة تدفق المساعدات برًا إلى غزة عبر معبر رفح سوى ساعات قليلة فإن إنشاء الميناء أو الرصيف البحرى الأمريكى سيستغرق وفقًا للمسئولين الأمريكيين أنفسهم ما بين شهر وشهرين، وإذا حسبنا أن نحو١٠٠ألف فلسطينى قد راحوا ضحية العدوان الإسرائيلى ما بين شهيد ومصاب خلال خمسة أشهر من العدوان فإن معنى هذا الرصيف البحرى سيشهد لا قدر الله قبل اكتماله نحو٢٠ألف ضحية جديدة، وقد اجتهدت كثيرًا محاولًا إيجاد تكييف لهذه الفكرة التى وصفها مسئول أممى بارز بأنها خبيثة، فوجدت أنها قد تكون أقرب إلى إنشاء مركز للتجميل تحاول فيه السياسة الأمريكية بواسطتها عمل ماكياچ إنسانى لجرائمها، فصحيح أننا نقتلكم، ولكننا نمسح دماءكم فى الوقت نفسه بيد حنونة، وصحيح أننا نتسبب بدعمنا لإسرائيل فى مجاعة لكم، لكننا نقدم لكم الفتات الذى يؤجل موتكم، وقد آن لهذا الاستخفاف بعقولنا أن يتوقف، فلا شىء يمكن أن يغفر للسياسة الأمريكية مشاركتها فى جرائم الحرب الإسرائيلية بما فيها جريمة الإبادة الجماعية!
وأود فى هذا السياق أن أقدم نصيحة مخلصة للسياسة الأمريكية من أفواه مسئوليها. لقد حذر وزير الدفاع الأمريكى إسرائيل فى مطلع ديسمبر الماضى من أنها تخاطر بهزيمة استراتيجية بسبب ارتفاع عدد الضحايا المدنيين، وأعتقد أنه من الممكن الآن تطبيق المبدأ نفسه على السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، فهى تخاطر بهزيمة استراتيجية لأنها لا تلتفت إلى أنها تخسر بوتيرة متسارعة مؤيديها المحدودين أصلًا فى الوطن العربى بسبب انحيازها المطلق لإسرائيل، ولن ينجح مركز التجميل البحرى للسياسة الأمريكية فى مواجهة هذا الخطر بكل تأكيد.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية