تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. أحمد يوسف أحمد > ملاحظات على القرار الإسرائيلى بشأن الدولة الفلسطينية

ملاحظات على القرار الإسرائيلى بشأن الدولة الفلسطينية

أيدت الحكومة الإسرائيلية الأحد الماضى بالإجماع قرارًا برفض الإملاءات الدولية بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين، وقال نيتانياهو فى بداية اجتماع مجلس الوزراء إنه سيطلب إجراء تصويت رسمى فى ضوء التصريحات الأخيرة حول محاولة فرض دولة فلسطينية بشكل أحادى الجانب على إسرائيل، ورفض بيان صدر عن مكتبه رفضًا قطعيًا الإملاءات الدولية بهذا الصدد، وأضاف البيان أن أى تسوية سيتم التوصل إليها فقط من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين دون شروط مسبقة، وقد جاء القرار بعد أن تردد أن الولايات المتحدة ودولًا أوروبية وازنة تفكر فى الاعتراف بدولة فلسطينية،

ويثير هذا القرار عددًا من الملاحظات لعل أهمها الثلاث التالية:

تشير الملاحظة الأولى إلى أنه لا يتضمن أى جديد بشأن الموقف الإسرائيلى من إقامة دولة فلسطينية، وعلى الرغم من التطرف غير المسبوق للحكومة الحالية فإن رفض الدولة الفلسطينية لا يمكن أن يُنسب لها وحدها، فهو موقف يحظى بتأييد واسع فى الساحة السياسية الإسرائيلية، ونلاحظ أن إسرائيل حتى فى أوقات التفاوض حول تسوية كما فى المفاوضات التى أفضت لاتفاق أوسلو١٩٩٣لم تقبل بدولة فلسطينية، وإنما اكتفت بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، بينما اعترفت المنظمة بإسرائيل، وبالتأكيد فإن الاعتراف بالمنظمة كممثل للشعب الفلسطينى كان خطوة بالغة الأهمية، لكن هذا الاعتراف شىء، وترجمته إلى ترتيبات قانونية تضمن له حقوقه المشروعة شىء آخر، وكل ما نص عليه اتفاق أوسلو كان مرحلة انتقالية مدتها ٥ سنوات يتم فيها حسم قضايا الوضع النهائى، وهو الهدف الذى لم يُنجز بعد مضى أكثر من٣٠ سنة على الاتفاق، وبعد تأكيد أن رفض إقامة الدولة الفلسطينية ليس موقفًا جديدًا فإن الحكومة الحالية هى آخر من يمكن أن يوافق على إقامة هذه الدولة، ليس فقط لوجود هؤلاء الوزراء المتطرفين المنتمين لليمين الصهيونى الدينى المغرق فى عنصريته، ولكن أساسًا لأن رئيس الحكومة نيتانياهو نفسه صاحب سجل قديم وطويل فى التطرف بدأه قبل توليه المسئولية التنفيذية بكتاب «مكان تحت الشمس» الذى صدر عام ١٩٩٣ أى قبل وصوله للحكم للمرة الأولى فى ١٩٩٦، وبغض النظر عن التفاصيل العنصرية العديدة البغيضة فى الكتاب فإن ما يعنينا منها أن نيتانياهو يرفض فيه أصلًا التخلى عن الضفة الغربية وغزة، فكيف يوافق على إنشاء دولة فلسطينية؟  كما أنه عبر السنوات الطويلة التى تولى فيها رئاسة الوزارة كصاحب المدة الأطول فى هذا المنصب فى تاريخ إسرائيل تولى تقويض اتفاق أوسلو تمامًا، وهو يفخر بهذا دائمًا كما افتخر مؤخرًا بأنه صاحب الفضل الأول فى الحيلولة دون إنشاء دولة فلسطينية، فما الذى دعا الحكومة الإسرائيلية إذن إلى إصدار قرارها الأخير برفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية مادام موقفها وموقف رئيسها من هذه الدولة شديد الوضوح والحسم؟ ينقلنا هذا للملاحظة الثانية.

توضح الملاحظة الثانية أن الدافع لقرار الحكومة الإسرائيلية رغم الموقف القديم والراسخ من فكرة الدولة الفلسطينية هو الحراك الدولى الأخير الذى يرجع الفضل فيه دون شك لإنجازات المقاومة فى عملية ٧ أكتوبر، وقد تُرجم هذا الحراك مؤخرًا فى أمرين مهمين أولهما تبنى عدد من حلفاء إسرائيل وعلى رأسهم الولايات المتحدة حل الدولتين، والثانى ما تردد مؤخرًا فى تقارير عديدة من أن هذه الدول تبحث فى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد تكون هذه مناسبة للتعليق على عبارة الاعتراف من جانب واحد، وهى عبارة لا معنى لها لأن الاعتراف بدولة ما لا يكون إلا من جانب واحد، فالاعتراف بطبيعته عمل سيادى يتعلق بدولة ما تعترف بموجبه بدولة جديدة ناشئة، ولا يشترط موافقة آخرين، ولكن رسالة قرار الرفض الإسرائيلى مفادها التحذير من أن يتم هذا الاعتراف دون تفاهم معها، أو بعبارة أوضح دون موافقتها، وهنا أحسب أن القرار يترجم شعور إسرائيل بالقلق من تصاعد الضغط الدولى عليها بسبب التحولات الملحوظة فى اتجاهات قطاعات يُعتد بها من الرأى العام فى الدول الحليفة لها، والتى أدت بالفعل إلى تغيير فى لهجة الخطاب السياسى ومحتواه فى هذه الدول، وإن كنت أتصور أن الأمور لم تنضج بعد إلى حد إغضاب هذه الدول وتحديدًا الولايات المتحدة لإسرائيل بعملٍ كهذا، وإذا كانت الإدارة الأمريكية مازالت حتى ساعات سبقت كتابة هذه المقالة تعتبر أن وقف إطلاق النار فى غزة يقوض فرص السلام!

وتستخدم حق الاعتراض فى مجلس الأمن لإجهاض مشروع القرار الجزائرى بهذا الصدد فكيف لنا أن نتصور أن تتحدى إسرائيل فى قضية يعتبرها حكامها خطرًا على وجودها كقضية إنشاء دولة فلسطينية،

وتحيلنا الملاحظة الثالثة والأخيرة إلى الأسلوب الإسرائيلى السخيف الذى آن لنا فضحه، وهو ذلك الذى يبدى الاستعداد للتسوية كما ورد فى بيان مكتب نيتانياهو ولكن بشرط المفاوضات المباشرة ودون شروط مسبقة!!

والحقيقة أن عهدنا بهذا الأسلوب قديم، ومن العيب الاستمرار فى الانخداع به، فدونه أهوال تفرضها إسرائيل تقوض أى أمل فى التوصل لأى نتيجة، وأول الأهوال أن الحكومة الإسرائيلية لا تعترف الآن تقريبًا بأى طرف فلسطينى، فهى تعادى السلطة الفلسطينية وتريد اجتثاث الفصائل المعارضة لها، فعن أى مفاوضات مباشرة تتحدث؟ بل وما موضوع هذه المفاوضات أصلًا إن كانت الحكومة الراهنة تعتبر حل الدولتين خطرًا على وجود إسرائيل ذاته؟ وأليس هذا شرطًا مسبقًا ينسف إمكانية التسوية أصلًا؟ فهل نعود إلى صيغة الحكم الذاتى التى نص عليها إطار كامب ديفيد للسلام ١٩٧٨بعد كل هذه التضحيات؟ وهو الإطار الذى لفظته مصر بعد أن أوضحت مفاوضاتها مع إسرائيل بهذا الشأن أن هدفها منها ليس سوى إدامة الاحتلال فى ثوب جديد.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية