تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. أحمد يوسف أحمد > ملاحظات حول أطروحة استسلام المقاومة

ملاحظات حول أطروحة استسلام المقاومة

تناولت المقالة الماضية مطالبة بعض الجهات الفلسطينية والعربية للمقاومة فى غزة بإلقاء سلاحها بالتماهى مع المطالبات الإسرائيلية، وركَّزَت على مسألتين هما:
ـ الحاجة لتقييم نهج المقاومة فى الكفاح المسلح كما بلغ ذروته فى عملية «طوفان الأقصى»
ـ ومطالبتها بإلقاء سلاحها،

وناقشت المسألة الأولى، وبقى لهذه المقالة أن تناقش الثانية،

وذلك من خلال الإجابة عن سؤال: ما هو مقابل إلقاء السلاح، وبعبارة أخرى الاستسلام؟

فنحن نتحدث عن صراع ممتد تجاوز القرن وربع القرن عمرًا منذ بدايته أواخر القرن 19 بإعلان الحركة الصهيونية فى مؤتمرها الأول هدف إنشاء دولة يهودية فى فلسطين، ولذلك فإن أى تنازلات يقدمها طرف من أطرافه يجب أن تُقاس بقيمتها فى تحقيق أهدافه، ويُلاحظ فى الإجابة عن السؤال أن إسرائيل لا تَعِد حصرًا بأى مقابل للفلسطينيين وغيرهم كما سنرى، أى أنها تريد أن تُحقق بالتهديد ما فشلت فى تحقيقه عبر نحو سنة ونصف السنة بالقتال الفعلى،

فإسرائيل لا تمل من الحديث عن إلقاء «حماس» سلاحها وخروج قادتها من غزة، وتحرض أهلها على مساعدتها فى تحقيق هذا الهدف، وانتشت كثيرًا كما انتشى بعض الفلسطينيين والعرب بالمظاهرات المحدودة التى خرجت فى غزة ضد «حماس»،

ويجب أن يكون واضحًا منذ البداية أن أحدًا لا يتحدث عن إجماع فلسطينى حول «حماس»، فهى فصيل مهم بطبيعة الحال، بل ظهر بوضوح فى الانتخابات التشريعية 2006 أنه الأهم، فقد حصلت على 74 مقعدًا من مقاعد المجلس التشريعى مقابل 45 مقعدًا لـ«فتح»، وإن كان هذا الفارق الكبير لا يعبر بدقة عن شعبية الحركتين، فقد بلغت نسبة ما حصلت عليه «حماس» من أصوات 44.45% مقابل41.43% لـ«فتح»، ويعنى هذا من البداية أن الحركتين شبه متوازنتين من حيث التأييد الشعبى، علمًا بأن ممارسات «حماس» فى السلطة ربما تكون قللت من شعبيتها، وكذلك الاختلاف مع نهجها فى شن عملية «طوفان الأقصى»، فمعارضة «حماس» ليست بالأمر الجديد،

ولكن المؤكد أن معظم الفلسطينيين يد واحدة فى مواجهة إسرائيل المصدر الأصيل لمعاناتهم والإمعان فى انتهاك كرامتهم على أساس يومى، وباختصار فإنه كما أن هناك معارضة مشروعة لحماس هناك أيضًا نوع من التوحد ضد إسرائيل، ناهيك بتراجع شعبية السلطة الفلسطينية.

 

وأتحدى من خلال القراءة الدقيقة لكل التصريحات الرسمية على مستوى القيادات الإسرائيلية وعلى رأسها نيتانياهو أن يبرز الداعون لاستسلام المقاومة أى مكسب تَعِد به إسرائيل الفلسطينيين، فلا حديث فى هذه التصريحات من قريب أو بعيد عن إنهاء الحرب أو الانسحاب الكامل من غزة، ولا إمكانية وفقًا لنيتانياهو لـ«فتح» ستان أو «حماس» ستان، وإنما هى السيطرة الإسرائيلية ولا شىء غيرها،

وحتى عندما كان الحديث يثور أحيانًا عن قوات عربية أو دولية تشارك فى حفظ الأمن فى غزة فإن المفهوم الإسرائيلى لذلك هو أن تقوم هذه القوات بالمهام التى تريدها إسرائيل، وهو ما رفضته أكثر الدول العربية قربًا منها، ولقد بلغت درجة الصفاقة فى تهديد وزير الدفاع الإسرائيلى لأهل غزة ذروتها، فقد طالبهم بالتخلى عن «حماس» باعتبارها السبب فيما لحق بهم من كوارث (وكأن إسرائيل لا تُعْمِل فيهم القتل والتدمير منذ ثلاثة أرباع القرن)، والمقابل لديه هو السماح لهم بالخروج الطوعى من وطنهم،

أى أنك تطالب الناس بإلقاء السلاح ليس لكى ينعموا بحياة آمنة كانت «حماس» تعكر صفوها، ولكن لكى يُحرموا من وطنهم إلى الأبد، فأى منطق هذا الذى يمكن أن يدفع شعبًا للتخلى عن مقاومته مقابل فقدانه وطنه؟

ثم لنفترض أن هذا الكلام غير صحيح، وأن إسرائيل مستعدة لتقديم تنازلات إذا استسلمت المقاومة، وهنا يلاحظ أن إسرائيل فى تاريخ صراعها مع العرب لم تقدم أى تنازل إلا تحت ضغط القوة، فلم تنسحب من سيناء إلا بعد حرب أكتوبر 1973، ولم تنسحب من الشريط الحدودى المحتل فى لبنان إلا فى 2000 بعد تصاعد المقاومة اللبنانية إلى حد لم تعد إسرائيل تتحمله، ولم تنسحب من غزة 2005 إلا بعد أن عجزت عن مواجهة المقاومة فيها، وهذا يعنى أن إلقاء السلاح يساوى ضياع الحق.

ثم لنفترض أبعد الاحتمالات، وهو أن إسرائيل ستقدم تنازلات للفلسطينيين إن هم أخرجوا المقاومين من داخلهم، فما الذى يضمن التزامها بما وعدت به وتاريخها القريب والبعيد يشى بغير ذلك، ولنأخذ اتفاقية أوسلو 1993 مثالًا كما سبقت الإشارة فى المقالة الماضية، ثم نأتى للمواجهة الحالية فنجد أن إسرائيل انتهكت هدنتى نوفمبر 2023 ويناير 2025، وانتهكت اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان فى نوفمبر 2024، واتفاقية فض الاشتباك مع سوريا 1974 بمجرد سقوط الأسد، وانتهكت أصلًا ترتيبات محور صلاح الدين مع مصر،

ومعنى هذا أن إسرائيل اضطرت فى ظل موازين قوى معينة لتوقيع اتفاقات لم تكن جميع بنودها فى مصلحتها، فانقضت عليها بمجرد تغير الظروف باتجاه حالة من الضعف النسبى لخصومها، ومن هنا فهى حريصة دائمًا على تجريد هؤلاء الخصوم قدر استطاعتها من عوامل قوتهم، وإذا كانت معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية قد استقرت لما يقرب من نصف القرن حتى الآن فالفضل لقوة الجيش المصرى وليس لاحترام إسرائيل التزاماتها!

والخلاصة أن أى حديث عن تجريد المقاومة من سلاحها دون حل سياسى يستجيب للمطالب الفلسطينية المشروعة هو مساهمة مرفوضة فى تجسيد الحلم الصهيونى وأوهام الشرق الأوسط الإسرائيلى، ولذلك فإن معادلة جديدة مطلوبة للأمن العربى يكون فيها مكان للمقاومة، وفى هذا الإطار يمكن أن يدور حوار معها ينتهى باتفاق حول الأهداف والوسائل وتوزيع الأدوار على نحو مسئول ورشيد يساعد فى اتقاء موجة الجموح الإسرائيلى المستندة إلى دعم أمريكى غير مشروط!

 ولا شك فى أن المهمة معقدة والتفاصيل كثيرة والظروف ضاغطة، فلنبدأ على الفور بالخطوة الأولى فى رحلة الألف ميل.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية