تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
ملاحظات حول أطروحة استسلام المقاومة
لا أقصد بذلك ما تطلبه إسرائيل من المقاومة بإلقاء سلاحها وخروج قادتها، وما يستتبع ذلك من تفكيك بنيتها بالكامل، وإنما أعنى المطالبات المماثلة التى تأتى من بعض جهات فلسطينية وعربية، وبداية فإن التماهى بين المطلبين يثير التأمل، ويفضى إلى استنتاجات لا مفر منها!
وتهدف هذه المقالة إلى مناقشة موضوعية لفكرة استسلام المقاومة وإلقاء سلاحها، ولديَّ فى هذا الصدد ملاحظتان أساسيتان :
تتعلق الأولى بالتفرقة بين الحاجة لتقييم نهج المقاومة فى الكفاح المسلح كما بلغ ذروته فى عملية «طوفان الأقصى» وبين مطالبة البعض لها فلسطينيًا وعربيًا بإلقاء سلاحها،
والثانية بالمقابل الذى يحصل عليه الشعب المقاوم إن ألقى سلاحه،
وتناقش مقالة اليوم الملاحظة الأولى، وبالنسبة لتقييم نهج الكفاح المسلح من الحقيقى أن وسائل النضال التحررى متنوعة، من النضال السلمى المطلق كالحالة الهندية، إلى الجمع بين الكفاح المسلح والنضال المدنى كحالة جنوب إفريقيا، إلى الكفاح المسلح كما فى حالة الجزائر، ومن المهم تأكيد أنه لا جدارة لأسلوب بحد ذاته، فما يصلح لحالة قد لا يصلح لغيرها، وأن التنقل وارد بين أساليب النضال طبقًا للمردود العملى للأسلوب المتبع وتغير الظروف،
وقد لجأ الفلسطينيون للنضال المسلح مع اتضاح أبعاد المشروع الصهيوني، غير أنه نجح فى إقامة إسرائيل في 1948 بسبب التواطؤ الدولى والانقسام الفلسطينى وطبيعة الأداء العربى،
ثم ظهرت إرهاصات لعودة النضال المسلح فى النصف الأول من خمسينيات القرن الماضى انطلقت من قطاع غزة عندما كان تحت الإدارة المصرية، كما أطلقت «فتح» أول رصاصة ضد إسرائيل مع بداية 1965، وبعد استكمال احتلال إسرائيل أرض فلسطين فى عدوان 1967 تصاعد النضال المسلح، ثم أبدع الشعب الفلسطينى فى أساليب نضاله كما تبدى فى انتفاضة الحجارة التى دامت لسنوات من نهاية 1987، كذلك أدت التطورات الإقليمية الفارقة المتمثلة فى غزو الكويت 1990 وتداعياته إلى عقد مؤتمر مدريد 1991 الذى أفضى بدوره إلى اتفاق أوسلو 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والذى على الرغم من سوءاته الكثيرة وضع إطارًا كان من الممكن نظريًا أن يتطور إلى حالة من الاستقلال المنقوص لولا أن وصول نيتانياهو للحكم بعد 3سنوات فقط من توقيع الاتفاق مثل بداية للانقلاب على الاتفاق، وهى سمة باتت شديدة الوضوح لسلوك إسرائيل، كما نرى الآن فى انتهاكها اتفاقات وقف إطلاق النار فى غزة ولبنان، بل واتفاق فض الاشتباك مع سوريا 1974 الذى ألغاه نيتانياهو بمجرد سقوط نظام الأسد بحجج شديدة الوهن تثبت أن لإسرائيل، وبالذات تحت حكم اليمين المتطرف مشروعها للهيمنة الإقليمية وليس فقط لابتلاع كل فلسطين.
ويعنى ما سبق أن النضال الفلسطينى قد قبل ممثَّلًا فى فصيله الرئيسى «فتح» الخيار السلمى اعتبارًا من اتفاق أوسلو الذى اعترفت فيه منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل دون أن تعترف الأخيرة بدولة فلسطينية،
ومنذ ذلك الوقت (1993) وحتى الآن أى طيلة ثلث قرن لم يتحرك هذا النضال خطوة واحدة باتجاه تحقيق هدف إنشاء دولة فلسطينية على الضفة الغربية وغزة، فكل ما تحقق لم يتجاوز إنشاء هياكل لسلطة فلسطينية كان مأمولًا أن تتطور لحالة جنينية لدولة لم تتحقق حتى الآن، بل إن إسرائيل انتهكت دائمًا السلطات المحدودة للسلطة بموجب اتفاق أوسلو، وتغولت أخيرًا فى هذه الانتهاكات، كما نشاهد فى الضفة من قتل واعتقالات وتشريد وتدمير، وفى هذا السياق برز الخيار المسلح، باعتباره البديل الوحيد للرد على الاستخفاف الإسرائيلى بالحقوق الفلسطينية، وهذه مسألة بالغة الأهمية،
لأن البعض يتصور أن خيار النضال المسلح عملية فكرية أو أكاديمية تنجم عن جدالات نظرية وتفضيلات أيديولوجية، بينما الواقع أنه خيار تفرضه فرضًا ممارسات الاحتلال وفظائعه، وهو ما تشير إليه الخبرة التاريخية لجميع تجارب التحرر الوطنى دون استثناء، وهنا يثير معارضو الكفاح المسلح فكرة الخلل الفادح فى ميزان القوى بين المستعمِر (بكسر الميم) والمستعمَر (بفتحها)، وهو خلل صحيح بطبيعة الحال، غير أن كل تجارب التحرر من الاستعمار بدأت فى ظل هذا الخلل الفادح، لكن ميزان القوى بينها وبين المستعمَر أخذ يتحسن بالتدريج لصالح قوى التحرر حتى تم الحصول على الاستقلال بشكل أو بآخر،
ويرجع هذا التحسن وصولًا إلى الانتصار أولًا إلى إيمان القوى التحررية بقضيتها لأن البديل هو الظلم والاضطهاد والاستغلال وفقدان الحقوق وصولًا للحق فى الحياة، وثانيًا إلى الحاضنة الشعبية التى تدعم نخبتها المناضلة لأنها تشاركها الهدف، وثالثًا إلى أسلوب القتال الذى تتبعه قوى التحرر، وهو ما يُسَمَّى بحرب العصابات القائم على الكر والفر، أو ما يُعْرَف بالحروب غير المتماثلة التى تجرى بين جيوش نظامية وجماعات مسلحة غير نظامية، ورابعًا إلى ما تلقاه قوى التحرر أحيانًا من دعم خارجى يتوقف نوعه ووزنه من حالة لأخرى وفقًا لسياسات القوى الداعمة لها،
فإذا تم تفنيد حجة الخلل فى ميزان القوى ككابح للنضال المسلح أتى خصومه بحجة أخرى وهى الخسائر البشرية الهائلة التى تتحملها الشعوب المناضلة، والرد على الفور أن السلوك الاستعمارى يقتل دونما علاقة بالنضال المسلح،
كما فى أحداث مايو 1945 فى الجزائر التى قدر بعض التقارير ضحايا القصف الفرنسى للمظاهرات السلمية التى طالبت بالاستقلال بقرابة الـ 40 ألفًا، والإرهاب الصهيونى للشعب الفلسطينى فى سياق تأسيس إسرائيل، والذى أدى بغض النظر عن الذين استُشْهِدوا إلى تشريد شبه كامل لشعب بأكمله،
وهكذا تسقط حجة إلقاء السلاح، لأن النضال المسلح كان حتميًا فى الحالة الفلسطينية، ولأن سلوك القتل الاستعمارى قائم بالمقاومة وبدونها، غير أنه لا يقل أهمية على ذلك الإجابة عن سؤال: ما الذى سيحصل عليه الشعب المقاوم إن ألقى سلاحه؟ وهذا هو بيت القصيد، فإلى المقالة القادمة بإذن الله.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية