تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

معجزة المقاومة الفلسطينية

لا أقصد بمعجزة المقاومة فى هذه المقالة صمود المقاومة ومن خلفها حاضنتها الشعبية لأكثر من 9 أشهر حتى الآن، ولا أقصد أيضًا أن أداء المقاومة حرم إسرائيل بعد كل هذه المدة من تحقيق هدفيها الرئيسيين وهما تحرير الأسرى والرهائن والقضاء على المقاومة،

ولا أقصد كذلك قدرة المقاومة كأى مقاومة وطنية وفقًا لخبرات التحرر الوطنى على المناورة وتغيير تكتيكاتها والعودة لأماكن أعلنت إسرائيل غير مرة أنها قضت على المقاومة فيها، ولا قدرتها على مواصلة التصنيع العسكرى وإعادة تدوير مخلفات الهجوم الإسرائيلى وتحويلها إلى قذائف ومتفجرات توظفها فى قتال عدوها

ولا أتحدث عن تماسك منظومة القيادة والسيطرة فى المقاومة حتى الآن بحيث تستمر عمليات المقاومة والتنسيق بين الفصائل، وتتواصل الرسائل الإعلامية المصورة عن عملياتها كأى وزارة دفاع تعمل من مقرها الحصين،

وإنما أنوه فى هذه المقالة أساسًا إلى أن يوم نشرها يوافق اليوم الـ300 منذ بدأت عملية طوفان الأقصى فى 7 أكتوبر 2023، أى أنه منذ الغد ستتجاوز حرب إسرائيل الظالمة فى غزة من حيث أمدها الزمنى أطول حروب إسرائيل وهى حرب النشأة فى 1948، حيث إن أحد المصادر يحدد زمن حرب 1948 بين إسرائيل والعرب بين 15 مايو 1948 و10 مارس 1949، وبالتالى فقد امتدت لـ300 يوم بالتمام والكمال، وهى المدة نفسها التى أتمتها حرب إسرائيل على غزة اليوم!!

والحقيقة أننى لا أعرف دلالة يوم 10 مارس 1949 بالنسبة لانتهاء القتال، إذ إنه من الممكن القول إن القتال انتهى فعليًا فى 7 يناير 1949 باستيلاء القوات الإسرائيلية على معظم النقب وحصار القوات المصرية فى الفالوجا، وفى هذه الحالة تكون حرب إسرائيل الحالية فى غزة قد طالت وقت نشر هذه المقالة عن حرب 1948 بـ62 يومًا، ولو اعتبرنا أن الحرب انتهت فى 24 فبراير 1948، وهو تاريخ توقيع أول اتفاقية هدنة عربية - إسرائيلية بين مصر وإسرائيل، فإن حرب غزة الحالية تكون قد طالت اليوم عن حرب 1948 بـ14يومًا، وإنه لشىء خارق من منظور مقارن كما ستحاول هذه المقالة أن تثبت.

 

ففى حرب 1948 واجهت إسرائيل جيوش 6 دول عربية بالإضافة لجماعات من المتطوعين العرب، أما فى هذه الحرب فهى تواجه فصائل المقاومة الفلسطينية فى غزة وحدها، وفى حرب 1948 استطاعت الدول العربية أن ترفع عديد قواتها إلى الضعف مع تطور القتال من نحو 25 ألفًا فى بدايته إلى نحو 50 ألفًا! أما المقاومة فى غزة فهى محاصرة برًا وبحرًا، وبالتالى فليس بمقدورها أن تتلقى مددًا من الخارج عسكريًا كان أو غير عسكرى، وفى حرب 1948 !

صحيح أن إسرائيل تلقت دعمًا خارجيًا وبالذات من تشيكوسلوفاكيا عندما كان الاتحاد السوفيتى لايزال مخدوعًا بأن إسرائيل تمثل حالة تقدمية فى المنطقة مقارنة بالعرب، لكن الدعم الذى تلقته إسرائيل فى حربها الحالية على غزة من الولايات المتحدة أساسًا هائل على كل الأصعدة عسكريًا ودبلوماسيًا وماليًا وإعلاميًا، ناهيك بالدعم الاستخباراتى من الأقمار الصناعية الأمريكية، وتحريك القطع البحرية الأمريكية بما فى ذلك حاملات الطائرات بهدف ردع أى تدخل محتمل ضد إسرائيل، بل والمشاركة المباشرة فى ضرب سلطة صنعاء الخاضعة للحوثيين فى شمال اليمن بعد تدخلها فى الحرب بهدف منع الملاحة المتجهة لميناء إيلات أولًا، ثم ضرب أهداف فى إسرائيل كما حدث فى الطائرة المسيرة التى تمكنت من الوصول لتل أبيب، ولا يجعل هذا الدعم ثمة مبالغة فى القول إنه لولاه لخسرت إسرائيل الحرب،

وفى حرب 1948 كان منطق جميع العرب أن ثمة تهديدًا مصيريًا لأمنهم ينبغى العمل على تصفيته، ومن ثم تدخلت 6 دول عربية بجيوشها النظامية فضلًا عن متطوعين وبالذات من اليمن التى لم تشارك رسميًا فى الحرب، بينما ظهر فى هذه الحرب من يقول أن المقاومة أخطأت بالإقدام على عملية 7 أكتوبر، لأنها كان يجب إن تتوقع رد الفعل الإسرائيلى، وكأننا لا نعيش وقائع الوحشية الإسرائيلية وانتهاك الحقوق الفلسطينية منذ ثلاثة أرباع القرن، أو أنها يجب أن تستسلم حقنًا لدماء الفلسطينيين الأبرياء، وكأن دماءهم لم تُسْفك دون مقاومة، وكأن من استسلموا قد نجحوا فى حقن الدماء، بينما نجح المقاومون فى إحداث تغييرات مهمة فى الداخل الإسرائيلى والرأى العام الدولى ومواقف بعض الحكومات بما فى ذلك الصديقة لإسرائيل.

لكن هناك من يعجز عن فهم منطق التاريخ ومفاده أن الشعوب المستعمَرة استطاعت دائمًا انتزاع استقلالها من المستعمِر مهما كانت التكلفة وأيًا كانت الوسائل، كما تشهد بذلك تجارب التحرر الوطنى فى الهند الصينية فى خمسينيات القرن الماضى، والجزائر وجنوب اليمن فى ستينياته، وفيتنام فى السبعينيات، وجنوب إفريقيا فى التسعينيات وغيرها الكثير، وكلها تجارب دفعت فيها الشعوب أثمانًا باهظة من أجل استقلالها، ومجدت أولئك الذين فجروا مقاومتها للاستعمار، وواصلوها رغم كل التحديات حتى أرغموا المستعمِر على التسليم بمنطق الاستقلال، ورغم ما تعرضت له المقاومة من نكسات فى معاركها، واضطرارها للتوقف أحيانًا فى مواجهة التحديات، فإن النتيجة كانت واحدة فى النهاية، وهى انتصار حركات التحرر الوطنى، لكن ثلة من المستعمرين كما هو حال نيتانياهو لم يفهموا منطق التاريخ، ومن ثم ظلوا يهددون المقاومين وشعوبهم ويتوعدونهم بالاجتثاث، تمامًا كما يفعل نيتانياهو حاليًا، حتى مادت الأرض من تحت أقدامهم، وأفاقوا على الحقيقة الناصعة، وهى أن الاستعمار إلى زوال مهما طال الزمن وعظمت التضحيات،

وقد مرت حتى الآن على نيتانياهو 300 يوم وهو يثرثر ويهدد ويتوعد ويتحدث عن النصر المطلق دون أن يحقق شيئًا سوى القتل والتدمير، والوقت أثمن من أن نضيعه فى إحصاء عدد المرات التى تحدث فيها عن قرب انتهاء القتال وتصفية المقاومة وقيادتها، بينما المناضلون من أجل الحق ماضون فى طريقهم الوعر مسلحين بإيمان بقضية شعبهم وعزيمة لا تلين.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية