تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
محاكمة المقاومة
منذ بدأت عملية المقاومة الفلسطينية فى غزة 7 أكتوبر الماضى، ثم الإسناد لها من «حزب الله» اللبنانى والانتقادات تنهال عليها من خصومها، لكنها كانت تخفت وتتوارى مع صمودها والإنجازات التى تحققها، فلما تلقى «حزب الله» فى الأيام الأخيرة ضربات موجعة، وخفتت نسبيًا عمليات المقاومة فى غزة، اشتد ساعد المنتقدين، وتطايرت سهامهم لصدر المقاومة من كل صوب،
وتعددت الحجج التى استندوا إليها، لكنى أختار منها اثنتين، أولاهما مبنية على الاختلاف السياسى والعقائدى مع قوى المقاومة، والثانية تركز على حماقتها وغياب الرشادة عن سلوكها، ومن ثم مسئوليتها عن القتل والتدمير فى غزة والآن فى لبنان، وتحاول هذه المقالة مناقشة هذه الحجج بنهج موضوعى قدر ما تسمح به طبيعة البشر الذين لابد وأن تكون لهم انحيازاتهم الشخصية.
أما الاختلاف السياسى والعقائدى مع الفصائل التى تتصدى لمقاومة إسرائيل فهو حقيقة، لكنها حقيقة ناقصة، لأن حماس وإن كانت الفصيل القائد للمقاومة فى غزة إلا أنها ليست الوحيدة، فجميع الفصائل تقاوم كل حسب وزنه، كما لعلنا لاحظنا فى الأيام الأخيرة أن إسرائيل لم تعد تستهدف «حزب الله» وحده فى لبنان، وإنما كل من يقاوم إسرائيل، ونعود للاختلاف السياسى العقائدى، فكاتب هذه السطور مثلًا ينتمى للتيار الوطنى العام الذى عبرت عنه ثورة يوليو 1952، والذى تصادم مع جماعة «الإخوان المسلمين» التى تُعَد حماس الفرع الفلسطينى لها، ويُلاحظ أن الصدام مع الجماعة لم يبدأ بثورة يوليو، ولم ينته بنهايتها، فقد بدأ فى العهد الملكى، واستمر بعد رحيل جمال عبدالناصر حتى بلغ ذروته عقب الإطاحة بحكمهم الذى دام سنة واحدة من يونيو 2012 إلى يونيو 2013، والمعلوم أن حماس انحازت للجماعة فى تلك الأحداث، كما أن دورها فى الاختراق الأمنى الذى حدث أثناء أحداث يناير 2011 معروف، كذلك الأمر بالنسبة لحزب الله الذى أختلف مع ممارساته فى السياسة الداخلية فى لبنان، ومع تماهيه مع إيران، لكن ثمة فكرتين مهمتين لابد من أخذهما فى الاعتبار فى مناقشة هذه المسألة أولاهما فكرة التفرقة بين التناقضات الرئيسية والتناقضات الثانوية، والثانية التفرقة بين الاتجاه العام والاتجاه الخاص.
وبخصوص الفكرة الأولى فإن التناقض مع حماس تناقض ثانوى بالمقارنة مع التناقض بيننا وبين إسرائيل، وأقول ذلك وأنا واعٍ بأن ثمة معاهدة سلام معها، لكن السلوك الإسرائيلى فى ظل الحكومة المتطرفة الحالية والتوجهات البالغة التطرف من قبل دوائر واسعة فى النخب السياسية والعسكرية والإعلامية الإسرائيلية لابد أن يكون جرس إنذار يستوجب التحسب لكل الاحتمالات، والحمد لله أن مصر لديها القدرات اللازمة لذلك، وفى هذا السياق أُذَكر من يعارضون التحليل السابق بأن مصر الرسمية التى عانت مواقف حماس فى أثناء فترة الاضطراب السياسى كان لديها من البصيرة والرشادة ما جعلها تميز بين خلافها مع حماس على قضايا داخلية وبين القضايا المتصلة بإسرائيل التى أوجبت استمرار الجهد المصرى الدءوب أولًا فى محاولات مخلصة لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، وثانيا فى جهود الوساطة التى امتدت بطول عمليات الاعتداء الإسرائيلى على قطاع غزة، وآخرها جهودها فى المواجهة الحالية، ومن الأهمية بمكان التأكيد فى هذا السياق مثلًا على تماهى الموقف المصرى الرسمى وموقف حماس من قضيتى محور صلاح الدين ومعبر رفح، بالإضافة إلى قضايا أخرى كانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة ورفض تهجير سكانها وإدخال المساعدات، وهلم جرا،
أما الفكرة الثانية المتعلقة بالتمييز بين الاتجاه العام والاتجاه الخاص فقد تعلمتها من أستاذى الدكتور حامد ربيع رحمه الله، ومفادها أنه من الممكن أن يكون لك اتجاه سلبى عام تجاه ظاهرة ما، كحزب سياسى أو سياسة لدولة ما، لكن اتجاهك يمكن أن يكون إيجابيًا بالنسبة لأحد أبعاد هذه الظاهرة، فتختلف مع حزب معين فى برنامجه السياسى العام، لكنك توافق على عنصر محدد فيه، ولا شك فى اختلاف حزب الوفد مع ثورة يوليو مثلًا، لكنه رُوى عن زعيمه مصطفى النحاس أنه أثنى على قرار تأميم شركة قناة السويس الذى اتخذه عبدالناصر، وبتطبيق الفكرة فإن الاختلاف مع التوجهات العامة لحماس أو «حزب الله» لا يمنع من الاتفاق معهما بل وتأييدهما فى المواجهة مع إسرائيل.
أما الاتهام الثانى للمقاومة بالحماقة وعدم الرشادة لعدم تقديرها للخلل الفادح فى ميزان القوى بينها وبين عدوها، فيجب أن يكون واضحًا أنه ينطبق على تجارب التحرر الوطنى كافة، ولقد بدأ النضال الجزائرى الذى خلص الجزائر فى 8 سنوات من احتلال امتد لقرن وثلث بعشرات قليلة من الرجال والبنادق فى مواجهة دولة كبرى، ويحظى مناضلو جبهة التحرير بكل اعتبار وتمجيد دون أن يتحدث أحد عن المليون ونصف المليون شهيد الذين سقطوا فى معركة التحرير، وصحيح أن وسائل النضال من أجل الحرية تتعدد ما بين عسكرية وسلمية، لكن لكل تجربة ظروفها، فقد حرر غاندى الهند بوسائل سلمية مطلقة، وجرب مانديلا النضال العسكرى فى جنوب إفريقيا، وعندما اكتشف محدودية العائد منه تم التركيز على النضال المدنى، وفى التجربة الجزائرية خرجت الجماهير الجزائرية تطالب سلميًا بالاستقلال فى مايو 1945 فقوبلت بالقصف الجوى الذى أودى بحياة عشرات الآلاف، فكان الانتقال إلى النضال المسلح حتميًا، وجرب الفلسطينيون اتفاقية أوسلو لمدة زادت على 30 سنة دون أن يحققوا شيئًا مما أعطى صدقية أكبر للنضال المسلح، أما الشهداء الأبرياء فهم فى كل التجارب نتيجة وحشية المستعمر، وليس لحماقة المقاومة، ناهيك بأن آلة القتل الإسرائيلية بدأت العمل قبل المقاومة بكثير، فهى سمة إسرائيلية بامتياز عبر الزمن، فرفقًا بالشعب الفلسطينى ومقاومته التى أوصد الاحتلال الإسرائيلى كل الأبواب فى وجهها فلم تجد لنفسها سبيلًا سوى محاولة استخلاص حقوقها بالقوة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية