تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

أعادت قمة القاهرة الألق للقمم العربية التى ارتبطت عادة منذ القمة العربية الأولى فى أنشاص 1946 بالقضية الفلسطينية، وهاهى القاهرة تأخذ زمام المبادرة مجددًا، وتدعو لقمة طارئة لمواجهة المخطط الشرير لتهجير أهل غزة،

وإن كانت قد نجحت فى تقديم رؤية شديدة الشمول لمواجهة مخاطر المرحلة الراهنة بالنسبة لفلسطين، وليس فقط لمخطط التهجير، وتجب الإشادة بداية بالموقف المصرى الذى قاد الجهود العربية فى هذا الصدد، والذى عكسته بوضوح كلمة السيد الرئيس السيسى أمام القمة، وهو موقف يدحض كل محاولات التشكيك فى السياسة المصرية التى لا يكل أصحاب هذه المحاولات من تكرارها، ولا يخجلون من تهاوى دعاويهم فى كل مرة يتقولون فيها كذبًا على مواقف مصر الثابتة فى نصرة القضية الفلسطينية.

ولا يسع المرء سوى إبداء التقدير لمضمون البيان الختامى للقمة الذى لم يكتف بتأكيد الموقف العربى الواضح المتمثل فى الرفض القاطع لأى شكل من أشكال تهجير الشعب الفلسطينى من أرضه، والتحذير من أن المحاولات التى وصفها البيان بالآثمة للتهجير، وكذلك محاولات الضم من شأنها إدخال المنطقة فى مرحلة جديدة من الصراعات،

وهو معنى مهم لابد من التركيز دومًا عليه، ومفاده أن السياسات الإسرائيلية قصيرة النظر التى يمكن أن تحقق إنجازات تكتيكية هنا وهناك، سوف تكون المقدمة الأكيدة لاستدامة الصراع بكل كوارثه التى لن تنجو منها إسرائيل كما شاهدنا منذ 7 أكتوبر2023،

وقد وضع البيان الختامى للقمة رفض مخطط التهجير فى سياقه الصحيح، وهو تأكيد الالتزام العربى بخيار تحقيق السلام العادل والشامل الذى يلبى جميع حقوق الشعب الفلسطينى، ويضمن الأمن لجميع شعوب ودول المنطقة بما فيها إسرائيل، وفقًا لمبادرة السلام العربية 2002، والتعاون مع الجميع فى هذا الصدد بما فيهم الولايات المتحدة،

أى أن المعادلة العربية فى هذا الصدد هى نعم للتعاون مع الإدارة الأمريكية، ولكن وفقًا للرؤية العربية وليس لأى رؤية أخرى تضرب عرض الحائط بالحقوق الأصيلة للشعب الفلسطينى،

وفى هذا السياق يعتبر اعتماد القمة الخطة المصرية بشأن التعافى المبكر، وإعادة الإعمار فى غزة، وحشد الدعم الدولى لها هو الرد الإيجابى على مخططات التهجير،

ولأن هذه الخطة لا يمكن تنفيذها دون أفق سياسى فقد اعتمدت القمة أيضًا ما يمكن تسميته أفكار «اليوم التالى العربى»، والمتمثلة فى الفكرة مصرية الأصل التى أصبحت عربية التبنى باعتماد القمة لها، والمتمثلة فى تشكيل لجنة لإدارة غزة تتشكل من كفاءات من أبناء القطاع تحت مظلة الحكومة الفلسطينية لفترة انتقالية، مع العمل على تمكين السلطة الفلسطينية من العودة لغزة تجسيدًا لوحدة الأراضى الفلسطينية،

ومن الأهمية بمكان فى هذا الصدد أن القمة اهتمت تفصيلًا (بند12) بقضية الإصلاح السياسى الداخلى الفلسطينى، بما فى ذلك إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة فى أسرع وقت ممكن، وإن كانت عبارة «عندما تتهيأ الظروف» تفتح الباب لخصوم الإصلاح المعروفين لعرقلته،

ولا شك أن النجاح فى إنجاز الإصلاح شرط ضرورى لاستمرار السلطة الفلسطينية فى تحمل مسئولياتها. وبالإضافة إلى هذه القضايا التى يمكن وصفها بالاستراتيجية اهتم البيان الختامى للقمة بالقضايا الآنية التى تتصل بالسلوك الإسرائيلى العدوانى والتوسعى لا فى فلسطين فحسب وإنما فى سوريا ولبنان كذلك،

فقد أكد البيان الأولوية القصوى لاستكمال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة بمرحلتيه الثانية والثالثة، وذلك فى مواجهة محاولة الانقضاض الإسرائيلي-الأمريكى عليه،

كذلك طالب البيان بوقف العدوان على الضفة بكل أبعاده، حيث يُلاحظ أن إسرائيل تكرر فى الضفة حرفيًا جرائمها فى غزة دون أن تتوافر لها ذريعة 7 أكتوبر التى بررت بها تلك الجرائم!

كذلك أكد بيان القمة ضرورة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار فى لبنان بجميع بنوده وإدانة الخروقات الإسرائيلية له، ومطالبة إسرائيل بالانسحاب الكامل من لبنان إلى الحدود المعترف بها دوليًا،

كما أدان البيان الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا والتوغل داخل أراضيها، وكذلك خرق اتفاقية الهدنة لعام 1974، وطالب مجلس الأمن بإلزام إسرائيل بوقف عدوانها والانسحاب من الأراضى السورية التى احتلتها بعد خرق اتفاقية الهدنة 1974، ناهيك برفض ضم إسرائيل لهضبة الجولان، والحقيقة أن السياسات الإسرائيلية فى الوقت الراهن تؤكد بالبرهان العملى جميع التحليلات التى كانت تصنفها منذ البداية كسياسات عدوانية توسعية ممعنة فى انتهاك مبادئ القانون الدولى، بل التزاماتها القانونية التى اضطُرت للقبول بها تحت ضغوط معينة، لكنها تنتهز أول فرصة للتحلل منها، كما فعلت فى اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا 1974 بحجة أنها لا تأمن نظامها الجديد رغم كل تأكيدات قادته نياتهم السلمية تجاهها،

وفى اتفاق وقف إطلاق النار الأخير مع لبنان برفضها تنفيذ التزامها بسحب قواتها من كامل الأراضى اللبنانية، وفى اتفاق الهدنة الحالى مع «حماس» الذى انقلبت عليه بحجج مزيفة، وتتشبث حاليًا بمقترح مبعوث ترامب الذى ينقلب على الاتفاق،

وبالمناسبة فإن الظهير الأول والأخير لإسرائيل فى هذه الانتهاكات هو الولايات المتحدة عمومًا وفى ظل رئاسة ترامب خصوصًا.

ومن اللافت أن بيان القمة اهتم كثيرًا بالتشديد على الآليات الدولية لمواجهة إسرائيل، فدعا مجلس الأمن للمرة الأولى لنشر قوات دولية لحفظ السلام تسهم فى تحقيق الأمن للشعبين الفلسطينى والإسرائيلى فى الضفة وغزة، وإذا كانت تلبية هذه الدعوة مرهونة بالفيتو الأمريكى المؤكد فإن البيان قد تطرق لآليات أخرى يمكن أن تكون أكثر فاعلية، ولو من قبيل الإنهاك الدبلوماسى لإسرائيل والضغط الإعلامى عليها،

كما حث البيان (بند18) الدول على الالتزام بتنفيذ الرأيين الاستشاريين لمحكمة العدل الدولية وأوامرها بشأن جرائم إسرائيل، مع التشديد على ضرورة ملاحقة جميع المسئولين عن الجرائم التى ارتُكِبَت بحق الشعب الفلسطينى من خلال آليات العدالة الدولية والوطنية،

كذلك كلفت القمة لجنة من الدول العربية الأطراف باتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948 بدراسة اعتبار تهجير الشعب الفلسطينى والنقل الجبرى والتطهير العرقى وخلق ظروف طاردة للسكان جزءًا من جريمة الإبادة الجماعية،

وإذا كانت قمة فلسطين فى القاهرة قد تبنت كل هذه المواقف السليمة فإن التحدى الأكبر يكمن فى تجسيدها على أرض الواقع، وهذه قصة أخرى.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية