تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

قراءة لخطاب بايدن فى ٣١ مايو

احترت كثيرًا فى اختيار عنوان لهذه المقالة، فالمفروض أن الرئيس الأمريكى قدم فى هذا الخطاب رؤية لوقف إطلاق النار فى المواجهة الدائرة الآن فى غزة، لكن نسب هذه الرؤية مجهول، أو بالأحرى مشوش!!

فقد قال إنه بصدد تقديم مقترح إسرائيلى يُفترض أنه يتلافى العوار الذى ادعى نيتانياهو وجوده فى المقترح الذى بُنى على الورقة المصرية وقبلته حماس، لكن بايدن زاد الأمور ارتباكًا وتشويشًا بمناشدته الإسرائيليين وبالذات المتطرفين منهم فى غير موضع من خطابه قبول الاتفاق!

فكيف يكون مقترحًا إسرائيليًا ويناشدهم أن يقبلوه؟

وما زاد الطين بلة أن نيتانياهو مارس هوايته المعتادة فى التشكيك فى الوسطاء، وقد بدأها مع قطر ثم مصر وهاهو يصل إلى ربيب نعمته، وهكذا انتقل التشكيك من قطر التى اتهمها بالتحيز إلى مصر التى ادعى أنها غيرت مضمون ما وافق عليه إلى الولايات المتحدة التى وصف عرض بايدن للمقترح الإسرائيلى بأنه غير دقيق وغير مكتمل!!

وكلها مؤشرات غير مطمئنة تؤكد ما أصبح موضعًا لاتفاق حتى من قبل دوائر إسرائيلية عديدة بأن نيتانياهو لا يريد وقف الحرب، لأن استمراره فى السلطة ومن ثم نجاته من العقاب على جرائمه قبل ٧ أكتوبر الماضى وتقصيره فى إدارة الحرب يتوقف على استمرارها، ولعله يراهن كما ذهب بعض التحليلات على المراوغة حتى يصل ترامب للبيت الأبيض بفرض أنه سيصل، وهو سيناريو يصعب تصور حدوثه لأن استمرار القتل والتدمير فى غزة، والخسائر الإسرائيلية التى توقعها المقاومة بإسرائيل، وتفاقم الانقسامات داخلها، وزيادة عزلتها الدولية شعبيًا ورسميًا أمر يصعب تصور استمراره لنهاية العام!

وعمومًا وبغض النظر عن كل هذه الملابسات فإن ما يعنينى فى سياق هذا المقترح الذى عرضه بايدن أيًا كان مصدره ملاحظتان أساسيتان:

والملاحظة الأولى أن المحلل لا يستطيع أن يحدد بدقة الجديد فى هذا المقترح، وذلك بالنظر إلى أن النصوص الرسمية سواء للورقة المصرية الأخيرة التى رفضتها إسرائيل أو للمقترح الذى عرضه بايدن لم يُكشف عنها النقاب بعد، وإن كانت المعلومات المتاحة تشير إلى تشابه واضح بين بنية المقترحين، ومع ذلك فإن غياب التفاصيل لا يساعد فى المقارنة الدقيقة، واكتشاف أى إضافات إسرائيلية أو أمريكية يمكن أن تُفضى بحماس إلى التراجع عن موافقتها السابقة!

غير أنى أستبعد ذلك خاصة، أنها أعلنت منذ البداية أنها تنظر بإيجابية إلى المقترح، كما أنه يلبى مطالبها الأساسية وإن على مراحل فى الوقف الدائم لإطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة وعودة النازحين إلى مناطقهم (وإن حُددوا بالمدنيين)، ويُضاف إلى ذلك أن الحديث عن اجتثاث حماس قد اختفى، وحل محله حديث أخف عن غيابها عن السلطة، وهى مسألة تتعلق بما بعد انتهاء الحرب التى لم يُشِر إليها المقترح من قريب أو بعيد لتسهيل إبرام اتفاق، كذلك فإن عدم القدرة على توجيه ضربة لإسرائيل مماثلة لـ ٧ أكتوبر الماضى قد حل محل القضاء على حماس، ويضاف إلى هذا كله أن الوسيطين المصرى والقطرى أيدا المقترح، دَعَوَا الطرفين لقبوله

وأغلب الظن من ثم فإن حماس ستقبل العرض وإن كان مؤكدًا أن تكون لها ملاحظات وتساؤلات لا شك فى أن المفاوضات، التى يفتح المقترح الباب لتجاوزها المدة المقررة (٦ أسابيع)، سوف تناقشها، وهذا ينقلنا إلى الملاحظة التالية المتعلقة بالموقف الإسرائيلى. تتعلق الملاحظة الثانية بالمأزق الذى نجم عن وحشية الانتقام الإسرائيلى وصمود المقاومة أمام هذه الوحشية، بل وقدرتها على إلحاق أضرار ملموسة بإسرائيل فى المعدات والأفراد، والأهم أنها لم تتمكن من تحقيق هدفيها الرئيسيين وهما تحرير الأسرى والرهائن واجتثاث المقاومة التى يصرون على قصرها على حماس، مع أنها حالة وطنية عامة فى غزة والضفة مع اختلاف فى الأوزان والقدرات والتفاصيل، والمهم أن هذه الحالة المقاومة وإنجازاتها أدت إلى سلسلة من التداعيات داخل إسرائيل وخارجها، ففى الداخل وصل الانقسام حول أهداف الحرب وإدارتها ذروته، وفيما يتعلق بموضوع هذه المقالة فإن المجتمع الإسرائيلى رغم اختلاف أطيافه السياسية شبه موحد حول هدفى استعادة الأسرى والرهائن واجتثاث حماس، لكنه منقسم بين مجانين شديدى التطرف لا يدركون مغزى ما جرى فى الـ٨ أشهر الماضية، ومن ثم يريدون مواصلة الحرب حتى يتحقق الهدفان، رغم أن المناخ المحلى والإقليمى والعالمى أصبح أقل ملاءمة لذلك، وعقلاء فهموا دروس تلك الشهور، وبالتالى هم على استعداد تكتيكيًا لقبول صفقة تلبى مطالب المقاومة مقابل استرداد الأسرى والرهائن، ويجهر بعضهم بالقول إن إسرائيل تستطيع أن تنقض التزامها، وتعود للقتال فى أى وقت بعد استرداد الأسرى والرهائن، ويُفترض أن نيتانياهو ينتمى لفريق المجانين، بل هو على رأسهم، لما هو معروف من تعلق مستقبله باستمرار الحرب، ومن غير الواضح حتى الآن ما الذى جرى حتى يقول نيتانياهو إن المقترح (الإسرائيلي) الذى عرضه بايدن غير مكتمل وغير دقيق، لكننا تعودنا منه المراوغة والمماطلة والكذب، ويلاحظ أن المفروض أن تهديدات بن غفير وسموتريتش (ائتلاف الصهيونية الدينية) بإسقاط حكومته لم تعد كافية لتفسير تحفظه على الصفقة بعد أن أعلن زعيم المعارضة أنه سيوفر له شبكة أمان حال انسلاخ الائتلاف عن الحكومة، وبالتالى فسوف يتحمل نيتانياهو وحده مسئولية التداعيات التى ستنجم عن رفضه الصفقة، وليس أقلها الآثار التى ستنجم عن هذا الرفض على علاقاته مع الولايات المتحدة، ناهيك بغياب أى مؤشر إلى قدرته على الخروج من المستنقع الذى انغرس فيه بسبب سياسته الحمقاء، وبالتالى فإن الأيام القادمة ستحمل معها تطورات بالغة الأهمية، ليتنا نحسن الاستفادة منها باستمرار النهج الإيجابى لحماس فى التفاوض وتشكيل حاضنة عربية للمقاومة فى إطار وحدة وطنية فلسطينية.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية