تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. أحمد يوسف أحمد > قراءة فى بيان المدعى العام للجنائية الدولية

قراءة فى بيان المدعى العام للجنائية الدولية

قدم كريم خان المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية الإثنين الماضى طلبات للدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة، لإصدار أوامر قبض بشأن كل المتهمين من وجهة نظره بارتكاب جرائم حرب فى المواجهة الراهنة فى إسرائيل وفلسطين، على حد تعبيره،

ويعنى هذا خلافًا لما اعتقده البعض فور إلقاء بيانه أن أوامر القبض لم تصدر بعد، وأن صدورها رهن قرار تلك الدائرة التى تؤكد حيثيات بيان المدعى العام أنها لابد أن تستجيب لطلبه، وإن كانت ازدواجية المعايير قد جعلتنا نتشكك فى عدد أصابعنا،

ويُظْهِر إمعان النظر فى بيان المدعى العام عددًا من الملاحظات التى أحسبها مهمة وذات دلالة أُجملها فى الملاحظات الأربع التالية:

 

تشير الملاحظة الأولى إلى أن خناق العدالة الدولية آخذ فى التضييق على إسرائيل، فقد سبق لمحكمة العدل الدولية أن نظرت فى الدعوى التى رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بشأن اتهامها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية فى غزة، وأصدرت قرارها بإجراءات احترازية يتعين على إسرائيل اتخاذها لمنع حدوث جريمة الإبادة الجماعية فى غزة، باعتبار أن المحكمة لم تحسم ذلك بعد، وتابعت هذه القرارات، وهى تنظر الآن فى طلبات جديدة لجنوب إفريقيا على ضوء عدم استجابة إسرائيل، وهاهو المدعى العام للجنائية الدولية يطلب من الدائرة المختصة بالمحكمة إصدار أوامر قبض على من يتهمهم بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بمن فيهم رئيس وزراء إسرائيل ووزير دفاعه، وهى خطوة غير مسبوقة بكل المقاييس بغض النظر عما سيليها، فمن كان يحلم بأن تطلب محكمة دولية اعتقال رئيس وزراء إسرائيل؟
وقد يستخف البعض بكل هذه التطورات على أساس أن العدالة الدولية عاجزة بلا أظافر أو أنياب، ولديهم مبررهم، غير أنهم لا يقدرون التأثير المعنوى لكل هذه الخطوات فى المعركة الشاملة لاسترداد الحق الفلسطينى، سواء على رفع الروح المعنوية لأصحاب الحق، أو كسب مزيد من الدعم لهذا الحق فى دوائر الرأى العام العالمى الذى لابد أن يُتَرْجَم يومًا إلى قرارات وطنية تساعد فى استعادته، ويعود الفضل فى هذه الخطوة إلى الدول التى بادرت باللجوء للمحكمة، ولجهازها ومدعيها العام الذى اتهم كثيرًا بالتردد، بل لقد اتهمه البعض بالانحياز، غير أننى أعتقد بعد الاستماع لبيانه أن الرجل كان يدرك هول ما هو مقدم عليه، ومن ثم أراد أن يأتى قراره مستندًا إلى أسس لا يمكن التشكيك فيها، وهنا يجب أن ننسب الفضل لأهله، فلا شك فى أن تجاوز الجرائم الإسرائيلية كل الحدود المُتَخَيَّلة كان له الفضل الأول فى حسم المدعى العام قراره رغم ما تعرض له من ضغوط.

أما الملاحظة الثانية فتتعلق بما أكدته ردود الأفعال على بيان المدعى العام من حقيقة المواقف الدولية تجاه الجرائم الإسرائيلية، فقد أصاب الهياج كل الرموز العليا للسلطة فى الولايات المتحدة سواء فى قمة السلطة التنفيذية أو التشريعية، ووُصف قرار المدعى العام بالمشين، وهو ما يتسق مع سابق اتهام حركة طلاب الجامعات الأمريكية المناصرة لفلسطين بالعداء للسامية، ولم يشذ عن هذه المواقف المشينة بدورها سوى أمثال السيناتور بيرنى ساندرز وغيره من التقدميين، ويؤكد هذا أن كل محاولات التجميل التى تحاول السياسة الأمريكية القيام بها لإضفاء مسحة من الموضوعية على سياستها المشاركة مشاركة تامة فى إبادة الفلسطينيين ليست سوى فقاعات لا تصمد لحظة أمام محاربة الفلسطينيين بسلاح الفيتو وتقديم الأسلحة والذخائر والمساعدات الاقتصادية بلا حساب لإسرائيل، أما أوروبا فقد انقسمت كعادتها بين دول ذات مواقف مشرفة كأيرلندا وبلجيكا، ودول تلقى بكل ثقلها مع إسرائيل كبريطانيا صاحبة البصمة الأولى فى الجريمة التى وقعت بحق الشعب الفلسطينى، والتى كان كل ما يهمها أن تؤكد أن قرار المدعى العام لن يؤثر على تزويدها إسرائيل بالأسلحة.

وفى الملاحظة الثالثة أُعلق على امتعاض الكثيرين منا من المساواة بين الجانى والضحية، ولى فى هذا الصدد أكثر من تعليق، فيجب ألا ننسى أولًا أننا نعيش فى نظام دولى تنحاز مراكز الثقل التقليدية فيه ضد الشعب الفلسطينى، ولذلك أعتقد وقد أكون مخطئًا أن هذه المساواة المرفوضة بين الجانى والضحية تمثل خطوة إلى الأمام، فهل كان أحد يتخيل قبل٧ أكتوبر 2023 أن تُثار مسألة اعتقال نيتانياهو؟ وثانيًا يجب أن نتذكر أن بعض الشرائط المصورة التى أذاعها الإعلام العسكرى للمقاومة عن عملية ٧ أكتوبر الماضى يمكن أن يُسْتغل ضدها، وأخيرًا يجب أن أذكر لبيان المدعى العام أنه وإن أثار مسألة العنف الجنسى والاغتصاب إلا أنه لم يحسمها، فقد ذكر مرتين أن التحقيق فى هذه التهمة مازال مستمرًا، كما أن البيان خلا من أى إشارة لأكاذيب ذبح الأطفال، كذلك يُذكر للبيان تأكيده ضرورة عمل المحكمة باستقلال تام، وأن تُوقَف فورًا كل محاولات الضغط على مسئولى المحكمة أو إرهابهم أو التأثير عليهم.

وأخيرًا.. فقد كان البيان بالغ الإفادة فى تأكيد طبيعة الكيان الصهيونى وحقيقة الخلافات داخله، فقد أحدث البيان حالة من الاحتشاد المجتمعى الإسرائيلى ضده، وهنا نفرق بين الانقسام الواضح داخل حكومة نيتانياهو وبينه وبين مجتمعه حول طريقة إدارته للحرب من ناحية، وبين التوحد خلف الأهداف المشتركة ضد الفلسطينيين، وضد كل ما يمكن أن يمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها من ناحية أخرى، فهم يختلفون حول طريقة تصفية القضية الفلسطينية وليس على مبدأ هذه التصفية، وبالتالى فإن من يتوهم أن إحلال جانتس أو لابيد محل نيتانياهو يمكن أن يُسهل التوصل لتسوية متوازنة عليه أن يعيد حساباته، فالمغتصب لا يعيد حقوقًا، وإنما يجب أن تُنْتَزع منه انتزاعًا.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية