تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
قراءة فى استقالة مهمة
شهد يوم الإثنين الماضى تقديم أول مسئول إسرائيلى رفيع المستوى استقالته على خلفية عملية المقاومة الفلسطينية فى غزة يوم ٧ أكتوبر الماضى، فقد أعلن الجنرال أهارون هاليفا رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بالجيش الإسرائيلى استقالته بعد إقراره بمسئوليته عن الإخفاق فى منع هجوم ٧ أكتوبر، وجاء فى كتاب استقالته: «يوم ٧ أكتوبر الماضى» شنت حماس هجومًا مفاجئًا مميتًا ضد دولة إسرائيل، وقسم الاستخبارات تحت قيادتى لم يرق إلى مستوى المهمة التى أُوكلت لنا» وأضاف.. «أحمل ذلك اليوم الأسود معى منذ ذلك الوقت يومًا بعد يوم وليلة بعد ليلة» !!
وكان الجنرال المستقيل يقضى إجازة فى إيلات فى ٧ أكتوبر، وذكرت تقارير أنه قد تم إطلاعه فى الثالثة صباحًا على إشارات معينة آتية من غزة إلى هجوم وشيك، وأنه لم يشارك فى المشاورات على أعلى المستويات فى الجيش بشأن تلك الإشارات، ولم يكن متاحًا عبر الهاتف!
ونُقِل عنه قوله إنه حتى لو شارك لخلص إلى أن حماس تُجْرى تدريبات، وأن التعامل مع الأمر قد ينتظر حتى الصباح، ومما قد يزيد من مسئوليته ما ورد فى تقرير للقناة ١٢ الإسرائيلية مفاده أن ضابطًا برتبة عميد كان قد اعترف بعدم القدرة على التنبؤ بسلوك السنوار (قائد حماس فى غزة)، وأوصى من ثم بوجوب اتخاذ الاحتياطات اللازمة من قِبَل القادة الميدانيين،
وثمة دلالتان مهمتان لهذه الاستقالة الأولى من نوعها بعد ٧ أكتوبر تتعلق أولاهما بالسيناريو الذى ذهب إلى أن طوفان الأقصى كان تمثيلية، والثانية بتداعيات هذه الاستقالة.
وبخصوص الدلالة الأولى من المعروف أن اتجاهًا فى تحليل ما جرى يوم ٧ أكتوبر قد ذهب إلى أنه ليس سوى تمثيلية متفق عليها بين طرفيها (حماس وإسرائيل)، وقد تكون هناك أطراف ثالثة، وهو اتجاه نألفه كلما حقق العرب انتصارًا لافتًا يستكثره خصومهم عليهم، كما حدث فى التصوير المريض لحرب أكتوبر ١٩٧٣ على أنها تمثيلية، وبالنسبة لعملية ٧ أكتوبر تعددت اجتهادات أصحاب هذه المدرسة فى التفكير، ولعل أهم هذه الاجتهادات كان ذلك القائل إن طوفان الأقصى ليس سوى مؤامرة تضافرت فيها خيانة قيادة حماس لقضيتها مع المخطط الإسرائيلى لتهويد كامل فلسطين وتفريغها من سكانها، وبالتالى يكون دور ٧ أكتوبر هو إعطاء المبرر للقيادة الإسرائيلية المتطرفة لكى تمحو قطاع غزة حجرًا وبشرًا من الوجود تنفيذًا لهذا المخطط، وإذا كان التدمير المادى لغزة بالكامل ممكنًا بسبب قوة النيران الإسرائيلية فإن قتل ما يزيد على مليونين من سكانها بالكامل مستحيل، لكن الممكن أن يتم وفق سيناريو ١٩٤٨، أى قتل كل من يمكن قتله ودفع الباقين لمغادرة القطاع،
وبطبيعة الحال قدم أصحاب هذا التفسير من الحجج ما يتصورون أنه يثبت وجهة نظرهم، كالقول إن حماس أصلًا إسرائيلية النشأة، أو أنها كانت تحصل على المساعدات القطرية عبر إسرائيل، وبالتالى ما المانع من أن تكون أداة بيدها لتحقيق مخططاتها، ويبنى هؤلاء استنتاجات خاطئة من بعض الوقائع بعد تحريفها بما يخدم وجهة نظرهم، كالقول إن إسرائيل هى التى تقف وراء ظهور حماس، والصحيح أنها تغاضت عن ذلك طمعًا فى أن تحرف توجهاتها الدينية الفلسطينيين عن قضيتهم الوطنية، فلما تبينت أن هذه القضية لا يمكن أن تغيب عن أى فصيل فلسطينى، وأن حماس فصيل مقاوم ذو مرجعية دينية كان الصدام معها وصولًا لاغتيال مؤسسها الشيخ أحمد ياسين، أو التأكيد أن حماس كانت تُدْعَم ماليًا من قطر عبر إسرائيل، وهو صحيح لأن كل طرف كان مستفيدًا من هذا الدعم، فبه كان نيتانياهو يأمل فى القضاء على مشروع الدولة الفلسطينية للأبد بفصل غزة عن الضفة والاستفراد بكل منهما على حدة، بينما تستفيد حماس بتقوية قدراتها القتالية على نحو ما نرى حاليًا، وكانت أكثر صور هذا السيناريو معقولية أن المخابرات الإسرائيلية قد علمت بنوايا حماس، لكنها تركتها تتورط فى الهجوم الذى سيمكن إسرائيل من القضاء عليها والخلاص منها للأبد!!
وتأتى استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية لتهيل التراب حتى على هذا السيناريو المعقول، والحقيقة أن سيناريو التمثيلية قد سقط منذ أثبتت المقاومة صمودها لمدة تجاوزت نصف السنة حتى الآن، وسقط فيها لإسرائيل قرابة الألفى قتيل وضعفهم تقريبًا من المصابين بأرقامها المكذوبة، فيما خسر الطرف الفلسطينى فى التمثيلية ما يزيد على ٣٤ ألف شهيد و٨٠ ألف مصاب! فيالها من تمثيلية! لكن استقالة هاليفا هى بمثابة جهيزة التى قطعت قول كل خطيب.
أما الدلالة الثانية لاستقالة هاليفا فتنبع من أنها أول استقالة تتم فى زمن هذه الحرب الإسرائيلية على غزة، فمن المعروف أن التقصير الاستخباراتى فى التنبؤ بعملية ٧ أكتوبر ومنعها - ولا يقل عنه أهمية التقصير فى إدارة الحرب سياسيًا وعسكريًا - قد دفع المعارضة وكل العقلاء فى إسرائيل للمطالبة بالمحاسبة واستقالة المسئولين عن التقصير وبالذات كبيرهم نيتانياهو الذى يردد كالببغاء منذ أكثر من ٦ أشهر أنه سيزيد الضغط على حماس حتى تسلم الأسرى وتخرج من القطاع، فيما لم يتمكن من تحرير أسير واحد إلا عبر التفاوض بغض النظر عن الروايات غير المؤكدة عن تحرير مجندة واثنين آخرين واستعادة جثة، كما أن حماس مازالت تقاوم وتتمسك بمطالبها فى المفاوضات وتسيطر مدنيًا على غزة،
وكلما كانت الضغوط تتصاعد مطالبة باستقالة نيتانياهو وإجراء انتخابات جديدة كان الرد الجاهز أن الحرب تفرض التماسك حتى انتهائها، وبعد ذلك لكل حادث حديث، وهاهى استقالة هاليفا تمثل سابقة مفادها أن الحساب والتغيير ممكن أثناء الحرب، وقد أعلن قائد المنطقة الوسطى بالفعل نية الاستقالة اعتبارًا من أغسطس المقبل، وثمة توقعات باستقالات عديدة تشمل رئيس الأركان ونائبه وقائدى فرقة غزة والمنطقة الجنوبية، ولم يبق سوى الامتداد للمستوى السياسى.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية