تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
فلسطين فى القلب
أكتب هذه المقالة بمناسبة حوار دار بين أعضاء هيئة التدريس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة دفعتنا إليه الرغبة فى الاطمئنان إلى أن الظروف العصيبة التى تمر بها غزة الحبيبة وأهلها الصامدون لن تصيب بنات غزة وأبناءها فى الكلية بأى ضرر نتيجة عجزهم عن سداد الرسوم الدراسية>
وأظهر الحوار إجماعًا على ضرورة مساندتهم بكل ما فى وسعنا، وسارعت عميدة الكلية بتأكيد التفهم التام للظروف العصيبة لهؤلاء، وأن أحدًا منهم لن يُحرم من مواصلة دراسته بسبب العجز عن سداد الرسوم الدراسية، طالما أن إدارة الكلية سوف توافق على تأجيل السداد لكل من يطلبه، غير أنه لا الكلية ولا الجامعة بمقدورهما أن يفعلا ما يتجاوز هذه التسهيلات إلى تخفيض الرسوم أو الإعفاء منها.
على أساس أن هذه القرارات تحتاج لمستوى أعلى، بل لقد كشف الحوار عن أن إحدى المؤسسات غير الحكومية قد عرضت سداد الرسوم لجميع طلبة غزة وطالباتها، غير أن ما حال دون تنفيذ هذا العرض الكريم كان أن الرسوم مقدرة بالعملة الصعبة، كذلك تبلور توافق فى الرأى على أن المشكلة لا تقتصر على سداد الرسوم التى يمكن تأجيلها، ولكن أيضًا تدبير الحد الأدنى من نفقات الحياة اليومية، بعد أن تقطعت السبل بين بنات غزة وأبنائها وبين أهلهم الذين يتعرضون فى كل ساعة لجريمة الإبادة الجماعية، سواءً بالقصف أو القنص، أو بحرب التجويع والتعطيش القذرة التى لا يدرى المرء كيف يحتملها أهل غزة الصامدون الأبطال حتى الآن، والتى يشاهدها العالم كله دون أن يكون قادرًا على ردع المجرمين عن الاستمرار فى جرائمهم والإمعان فيها، وكان واضحًا أن ثمة حماسة صادقة للمساعدة فى هذا الاتجاه.
كانت مصر دومًا هى السند الأول لشعب فلسطين بكل السبل وفى كل العهود بدءًا بالتعاطف الشعبى مع الفلسطينيين ضد المشروع الاستعمارى الإحلالى الصهيونى على أرضهم، ومرورًا بدفع ضريبة الدم دفاعًا عن فلسطين فى حرب 1948، ورعاية أهل غزة عندما آلت إدارتها إلى مصر بعد الحرب، وكذلك رعاية إرهاصات مقاومتهم الأولى ضد مغتصبى حقوقهم، ومازالت سيرة الشهيد مصطفى حافظ الذى اغتالته إسرائيل متجذرة فى قلوب الأجيال المتعاقبة من أهل غزة، ثم دفعت مصر ضريبة الدم مرة أخرى فى مواجهة مؤامرة العدوان الثلاثى فى 1956، واضطلعت بالدور القيادى فى إنشاء الكيان الفلسطينى متمثلًا فى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطينى فى قمتى القاهرة والإسكندرية 1964 اللتين دعا لهما الرئيس عبدالناصر، ثم واجهت مصر مؤامرة عدوان 1967 الذى حققت فيه إسرائيل بدعم أمريكى كامل نصرًا تصورته حاسمًا، لتفاجأ بعد أيام قليلة من هذا النصر الزائف بمقاومة مصرية ضارية برًا وجوًا وبحرًا استمرت منذ بداية الشهر التالى لعدوان يونيو وحتى صححت القوات المسلحة المصرية المعادلة بإنجازها العظيم فى أكتوبر 1973،
وكانت مصر دومًا هى الحامية للدم الفلسطينى كما حدث فى دعوة الرئيس عبدالناصر لأسرع القمم العربية انعقادًا فى سبتمبر 1970 من أجل وقف الصدام المسلح بين المقاومة والسلطة الأردنية، كذلك امتد الدور المصرى التاريخى إلى حماية الوحدة الوطنية الفلسطينية بعد أن أصابت جرثومة الانشقاق المؤسف وحدة الصف الفلسطينى، وبالذات بعد الصدام المسلح بين حماس وفتح فى 2007 الذى لاتزال تداعياته للأسف حاضرة فى المشهد الفلسطينى حتى الآن، وتميزت الجهود المصرية لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية دومًا بالرؤية السليمة والموضوعية، فرغم وجود أى ملاحظات لمصر على هذا الفصيل أو ذاك كان الموجه لهذه الجهود دائمًا هو الصالح الوطنى الفلسطينى!
ومع تكرار اعتداءات إسرائيل على غزة بعد أن أجبرتها المقاومة الفلسطينية على الانسحاب فى 2005 تبلور لمصر دور جديد يتمثل فى قدرتها على التوصل لوقف إطلاق للنار يحمى غزة وأهلها من تغول الاعتداءات الإسرائيلية، وتقديم المساعدات وعلاج المصابين، وبلغت الأمور ذروتها فى مايو 2021 بمبادرة الرئيس السيسى بدعم عملية إعادة إعمار غزة بما قيمته نصف مليار دولار، وهاهى مصر تواصل دورها التاريخى بما تقوم به الآن فى مواجهة تداعيات أعمال العدوان غير المسبوقة التى لا يمكن وصفها بأقل من جريمة الإبادة الجماعية.
تعمدت التفصيل فى الفقرة السابقة لكى أُبَين أن الحديث عن إعفاء طلاب فلسطين وطالباتها فى مصر من الرسوم الدراسية فى هذه الظروف العصيبة ليس سوى قطرة فى بحر العطاء المصرى لفلسطين وأهلها، وهو عطاء بلغ ذروته كما سبقت الإشارة بمبادرة الرئيس السيسى بدعم إعادة إعمار غزة فى مايو 2021 عقب العدوان الإسرائيلى عليها آنذاك، وتحمل مصر ما لا يقل عن ثلاثة أرباع المساعدات التى قُدمت لغزة فى سياق العدوان الإسرائيلى الحالى عليها، وهو ما يجب أن يبطل حجة كل من يتذرع بالتكلفة الاقتصادية، فأدوار الدول ذات المكانة التاريخية الرفيعة لا تقاس بهذه الطريقة، وما يربطنا بغزة بالذات عاملان أحدهما إنسانى يشاركنا فيه كل أحرار العالم الأسوياء، كما رأينا فى حركة شباب الولايات المتحدة على سبيل المثال، بل وحركة قطاعات مهمة من يهودها غير الصهاينة، والعامل الثانى يتعلق بأمن مصر الغالية الذى يتطلب تحصين غزة بالذات ضد أى محاولات لتغذية مشاعر معادية لمصر يتمناها خصومها خدمة لمخططاتهم البائسة، ولتطمئن غزة وأهلها وفلسطين وشعبها أنهم دائمًا فى القلب.
:::::::
محمود العلايلى: رحل عن عالمنا فجأة منذ أيام الدكتور محمود العلايلى الذى لم ألتق به يومًا، لكنى كنت أتابع كتاباته لجديتها رغم اختلافى معه أحيانًا، وأذكر أننى كتبت مرة تعليقًا على رأيٍ أبداه فى قضية العروبة، وفوجئت به يكتب لى معربًا عن تقديره لأسلوبى فى الرد، ومنذ يومها نشأت بيننا علاقة جميلة غير مباشرة ليتها تكون نموذجًا لحوارات المختلفين فى الرأي. رحمه الله رحمة واسعة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية