تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
شروط نهاية إسرائيل «3 ـ 3»
هذه هى المقالة الأخيرة من سلسلة تحدثت عن «نهاية إسرائيل» فى وقت تبدو فيه فى ذروة منحنى قوتها ناهيك بغرور هذه القوة، وهى نهاية بُنيت على فكرة حدود القوة والقانون العلمى للتحرر الوطنى!
غير أنها لا تحدث من تلقاء نفسها، وإنما بفعل قوى اجتماعية وسياسية رافضة للاستغلال والقهر الاستعماريين،
وقد ناقشت المقالة قبل الماضية إنجازات المقاومة الفلسطينية وحدود هذه الإنجازات بسبب الانقسام الذى لازمها منذ نشأتها حتى الآن، وحللت المقالة الماضية تطور الموقف العربى تجاه المقاومة من التأييد المطلق إلى اللفظى فالاعتراض من بعض الدول العربية عليها،
واختتم اليوم بتحليل المواقف الدولية، وهى أضعف الأبعاد فى حركة التحرر الوطنى الفلسطينى، فإذا كانت المقاومة قد حققت إنجازات حقيقية رغم انقسامها، والدعم العربى قد أثمر ولو فى مرحلة معينة، فإن المواقف الدولية منذ البداية كانت إما شديدة الانحياز للمشروع الصهيونى وثمرته إسرائيل، أو داعمة للأطراف العربية التى كانت تواجه إسرائيل، وإن تأثر هذا الدعم بطبيعة الحال بتغير المواقف العربية والمتغيرات الدولية على نحو ما سيجىء،
ويرجع السبب فى هذا التأييد الدولى الواضح للصهيونية وإسرائيل إلى الوعى الواضح للحركة الصهيونية منذ بدايتها بحدود قدراتها الذاتية، وبأنه لن يكون بمقدورها تحقيق أهدافها اعتمادًا على هذه القدرات وحدها، ومن ثم كانت إقامة علاقات عضوية مع القوى الكبرى فى النظام الدولى هدفًا معلنًا للحركة منذ مؤتمرها الأول فى 1897،
وأثمر هذا «إعلان بلفور» 1917 الذى تعاطفت فيه الحكومة البريطانية مع فكرة الوطن القومى لليهود فى فلسطين، فلما أقرت عصبة الأمم الانتداب البريطانى على فلسطين 1922 فتحت تلك الحكومة أبواب فلسطين على مصراعيها للهجرة اليهودية، وهى الهجرة التى أحدثت نوعًا من التوازن التدريجى بين أهل فلسطين من العرب والمستوطنين اليهود، كما أسست البنية التحتية للدولة اليهودية اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا،
وفى اللحظة المناسبة انسحبت القوات البريطانية من فلسطين بما مكن من إعلان الدولة اليهودية فى 15 مايو 1948، وسرعان ما حلت الولايات المتحدة التى تولت قيادة التحالف الغربى بعد الحرب الثانية محل بريطانيا فى دعم إسرائيل، فلم تخذلها لمرة واحدة رغم تغير الرؤساء والانتماءات الحزبية، اللهم إلا فى المرة اليتيمة التى أصر فيها الرئيس أيزنهاور على انسحاب إسرائيل من سيناء وقطاع غزة فى 1957، ولم يكن ذلك انتصارًا للعرب، وإنما احتجاجًا على التصرف المنفرد لإسرائيل وبريطانيا وفرنسا بالعدوان على مصر من وراء ظهره، وقد تردد فى الآونة الأخيرة الحديث عن خلافات بين ترامب ونيتانياهو كانت لها مؤشراتها الواضحة، غير أن الفيتو الأمريكى الأخير ضد مشروع قرار بوقف إطلاق النار فى غزة وافق عليه باقى أعضاء مجلس الأمن الـ 14، والتواطؤ الأمريكى - الإسرائيلى الحالى على ضرب إيران كان كاشفًا لزيف أى حديث عن خلاف أمريكى - إسرائيلى حقيقى.
أما القوى الكبرى الأخرى فقد تميز من بينها الاتحاد السوفيتى بدعمه الدول العربية التى واجهت إسرائيل منذ منتصف خمسينيات القرن الماضى حتى حرب أكتوبر 1973، غير أن بدء التسوية السلمية للصراع فى النصف الثانى من السبعينيات، وتفكك الاتحاد السوفيتى ذاته غيرا الموقف جذريًا، كذلك نجحت إسرائيل تطبيقًا لمبدأ العلاقات القوية مع كل القوى الكبرى فى تحويل الموقف الصينى من موقف شديد الثورية انتصارًا للحق الفلسطينى إلى موقف متوازن يوافق على حل الدولتين ولا يفعل شيئًا لتطبيقه،
ولو كان لحرب إسرائيل على غزة التى تقترب الآن من السنتين أمدًا من دلالة فهى أن قيادة النظام العالمى على الأقل فيما يتعلق بالصراع العربى - الإسرائيلى مازالت أحادية القطب بامتياز، فقد عجزت كل المواقف الأوروبية والروسية والصينية المؤيدة لفظيًا للحق الفلسطينى عن وقف العدوان الوحشى على غزة طيلة هذه المدة.
ومن حق الكثيرين أن يتساءلوا كيف الحديث عن نهاية إسرائيل بعد كل ما سبق ذكره من انقسام فلسطينى، وتراجع فى التأييد العربى للمقاومة بل واعتراض عليها، وموقف دولى إما منحازا انحيازًا مطلقًا لإسرائيل أو رافضا لسياساتها لفظيًا؟ والإجابة هى تكرار التذكير بخبرة التاريخ ودروسه فيما يتعلق بتآكل الظاهرة الاستعمارية، والإنجازات اللافتة للمقاومة عمومًا والمقاومة الفلسطينية خصوصًا، وبالذات إجبار إسرائيل على الانسحاب التام من الشريط الحدودى فى جنوب لبنان 2000، ومن غزة 2005، ناهيك بتفكيك المستوطنات القريبة منها، وتداعيات حلقات المقاومة الممتدة فى غزة منذ عدوان 2008 حتى «طوفان الأقصى»،
مع العلم بأن بعض هذه التداعيات يبدو واضحًا الآن داخل إسرائيل عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، وخارجها فى تحولات المواقف الدولية، وبالذات الأوروبية بعد أن وصل الإجرام الإسرائيلى لذروة غير مسبوقة، مع العلم بأن أحد العوامل الحاسمة فى انهيار النظام العنصرى فى جنوب إفريقيا والنظم
كما أن ثمة تداعيات أخرى لملحمة المقاومة فى غزة، من المؤكد أنها ستظهر لاحقًا على الساحات الفلسطينية والإسرائيلية والعربية والإقليمية والعالمية، ولنقارن الحال العربى بعد 1948 بالمد القومى العارم فى النصف الثانى من خمسينيات القرن الماضى، بل إنى أختم بالقول إن ما يبدو الآن من غطرسة إسرائيلية فى إيران يُعَد من المنظور التاريخى تطورًا نموذجيًا فى طريق تآكل القوى الاستعمارية التى لم يسبق لأى منها أن وصل من قبل إلى ما وصلت إليه إسرائيل الآن بتحولها إلى دولة للقتل والاغتيال تحكمها قيادات غبية لا ترى أبعد من مواقع أقدامها، ولا تدرك أنها تُرَسخ صورة لإسرائيل كدولة تمثل خطرًا على الجميع بعقيدتها الأمنية التى تحدد المخاطر، وتصدر أحكام القتل والتدمير، غير مدركة أنها تؤسس بذلك لصراعات ممتدة لن تنتهى إلا بتصفية كيان العدوان، وإن غدًا لناظره قريب.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية