تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
شروط نهاية إسرائيل «1»
تناولت المقالة الماضية فكرة «نهاية إسرائيل» كنوع من التحليل الاستشرافى المستند إلى الخبرة التاريخية، وتمنيت ألا يسارع أحد إلى الاستخفاف بجوهر التحليل، على أساس أن إسرائيل تبدو الآن فى عنفوان قوتها فكيف نتحدث عن نهايتها؟!
والحمد لله أن الاستخفاف لم يحدث، وإنما كانت هناك تعليقات وتساؤلات سأجتهد فى محاولة الإجابة عنها، غير أنى أود تأكيد، بداية أمرين:
أولهما ما سبقت الإشارة إليه بخصوص «تاريخية» التحليل، بمعنى أنه لا ينسحب على المدى القصير، ومع ذلك فيمكن فى ظل ظروف معينة أن تشهد الشرائح الشابة من الأجيال الحالية بدايات الانهيار إن لم يكن اكتماله!
والثانى أن البعض يتصور أن الحديث عن نهاية إسرائيل يعنى تصفيتها ماديًا، وهو تصور مجافٍ للواقع تمامًا، فتصفية الاستعمار التقليدى كانت تعنى عودة الجيوش الاستعمارية إلى أوطانها، أما تصفية النظم الاستيطانية فتعنى - كما حدث فى جنوب إفريقيا وغيرها - تصفية البنى القانونية والاجتماعية لهذه النظم دون مساس بالبشر، وتحقيق المساواة بين الجميع، وصحيح أن نسبة من المستوطنين غادرت جنوب إفريقيا بعد انتهاء العنصرية، لكن الصحيح أيضًا أن جزءًا من هؤلاء قد عاد لاحقًا،
فحديث التصفية المادية بمناسبة انتهاء النظم العنصرية للاستعمار الاستيطانى غير وارد أصلًا.
أما بخصوص شروط تآكل التجارب الاستعمارية وتصفيتها فقد سبقت الإشارة إلى أن القوانين الحاكمة للظواهر الاجتماعية ومنها السياسية لا تعمل من تلقاء نفسها، وإنما لابد لها من قوى اجتماعية وسياسية تُفَعلها.
صحيح أن الممارسات الاستعمارية تولد تلقائيًا دوافع المقاومة لدى الشعوب المستعمَرة وتؤجهها، لكن ميلاد مقاومة الاستعمار وتطورها يحتاج نخبة تخرج من صفوف الشعب الذى يمثل الحاضنة الضامنة لدعمها واستمرارها،
وقد ولَّدت بدايات المشروع الاستيطانى الصهيونى فى فلسطين مظاهر لمقاومة شعبها له، حتى قبل اتضاح طبيعته العنصرية الإحلالية، وقد بلغت هذه المظاهر ذروتها فى ثورة 1936 التى لم تُوَفَّق فى وأد هذا المشروع لظروف سيحاول التحليل توضيحها، غير أن المقاومة استمرت عبر محطات مهمة، سواء تلك التى انطلقت من غزة فى خمسينيات القرن الماضى برعاية مصرية، أو بعد إطلاق «فتح» رصاصتها الأولى فى مطلع 1965، ثم تصاعدت بعد استكمال إسرائيل احتلال أرض فلسطين بعدوان 1967، وأبدعت فى أساليبها العسكرية كما فى معركة الكرامة 1968، وغير العسكرية كانتفاضة الحجارة التى دامت لسنوات منذ نهاية 1987، ثم انتفاضة الأقصى التى جمعت بين الأسلوبين اعتبارًا من 28 سبتمبر 2000!!
وبالتالى يمكن القول إن المقاومة من المنظور التاريخى مستمرة منذ تأسيس إسرائيل وحتى الآن، وتعتبر حلقتها الراهنة التى بدأت فى 7 أكتوبر 2023 أقوى حلقاتها وأكثرها استمرارًا، حيث فاق أمدها بنحو الضعف حرب النشأة فى 1948،
ويُلاحظ أن المقاومة الفلسطينية عانت دائمًا وإن بدرجات متفاوتة الانقسام بين فصائلها منذ ثورة 1936 سواء نتيجة تناقضات أيديولوجية وسياسية أو تدخلات خارجية، وأمكن أحيانًا حل هذه التناقضات بسلاسة نسبية كما فى الخلاف بين «فتح» ومنظمة التحرير الفلسطينية الذى انتهى باندماجهما تحت زعامة ياسر عرفات الذى أصبح رمزًا لوحدة النضال الفلسطينى،
غير أن الحلقة الراهنة من هذا الانقسام بين «فتح» و«حماس» هى أسوؤها وأشدها إضرارًا بالنضال الفلسطينى دون شك، لأنها انطوت على صدام دموى خطير فى 2007 أدى إلى انقسام الشرعية الفلسطينية بين «فتح» التى فاز رئيسها فى الانتخابات الرئاسية 2005 و«حماس» الفائزة بالانتخابات التشريعية فى 2006،
واستبعاد «فتح» من السلطة فى غزة، و«حماس» من السلطة فى الضفة، وقد فشلت كل محاولات المصالحة بين الفصيلين منذ ذلك الوقت وحتى الآن رغم أن عددها يقترب من 15 محاولة انخرطت فيها عواصم عربية وإقليمية وعالمية مهمة،
وهو ما يقودنا للسبب الثانى لاستدامة الانقسام، وهو الخلاف البَين بين نهج التسوية الذى اعتمدته «فتح» منذ اتفاقية أوسلو فى 1993، وأثبت عقمه بامتياز، بدليل ما نشاهده الآن من عربدة إسرائيلية فى الضفة، ونهج النضال المسلح الذى اعتمدته «حماس» وفصائل أخرى كالجهاد الإسلامى، والذى يقف خلف الجولة الراهنة من جولات المواجهة الإسرائيلية - الفلسطينية، ويعتبر خصومه أنه تسبب فى «نكبة ثانية» للنضال الفلسطينى.
وليست ظاهرة الانقسام بين فصائل حركات التحرر الوطنى بالجديدة، فقد عرفتها كل هذه الحركات، وإن أمكن التمييز بين انقسام كانت الغلبة فيه واضحة لفصيل بعينه، كما فى حالتى الجزائر وجنوب اليمن، على النحو الذى لم يُلحق ضررًا فادحًا بالقدرة على تحقيق النصر، وآخر شهد نوعًا من توازن القوى بين الفصيلين الأكبر، كما حدث فى حركة التحرر الأنجولية،
وكما نشاهد الآن فى الحالة الفلسطينية رغم ما تشهده من تحديات مصيرية مصدرها الحكومة الإسرائيلية الحالية غير المسبوقة فى تطرفها وعنصريتها وعدوانيتها ووحشيتها،
ولذلك فإن كل القوى الحية فى المجتمع الفلسطينى مطالبة بتحقيق نقلة نوعية فى المعادلة السياسية الفلسطينية تنهى الوضع الحالى غير المقبول على الإطلاق فى الساحة الفلسطينية، والذى تحتاج مواجهته لمكاشفة وشفافية كاملتين، ومشاركة من كل القوى الحية فى المجتمع،
وقد يقول قائل كيف الحديث عن «نهاية إسرائيل»، والأمر كذلك فيما يتعلق بمحنة الوضع الحالى للعلاقة بين فصائل المقاومة؟
والإجابة ببساطة أنه رغم كل هذه الخلافات الطاحنة فقد أجبرت المقاومة إسرائيل على الانسحاب من غزة فى 2005، بل وتفكيك المستوطنات القريبة منها فى أول سابقة من نوعها، وانخرطت معها فى أقوى وأطول جولات المواجهة حتى الآن التى يقترب أمدها حثيثًا من سنتين، ناهيك بتداعيات هذه المواجهة على الداخل الإسرائيلى وتأثيرها على التحولات فى الرأى العام العالمى والمواقف الدولية الرسمية الآخذة فى التصاعد، تأييدًا للحق الفلسطينى على النحو الذى يؤكد سلامة المسار التحررى ونجاعته رغم التكلفة المادية والإنسانية الفادحة التى شهدتها حركات التحرر الوطنى كافة.
وللحديث بقية
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية